تكشف الحكومة البريطانية الاربعاء قراراتها المنتظرة بقلق وترقب حول خطة تقشف غير مسبوقة تتضمن بالخصوص الغاء 500 الف وظيفة في الدوائر العامة وتخفيضات كبرى في النفقات الاجتماعية، سعيا لسد عجز قياسي في الميزانية. ومن المقرر ان يخاطب وزير المالية المحافظ جورج اوسبورن منتصف النهار مجلس العموم ليكشف المجالات التي ستطالها "ضربات الساطور" بحسب تعبير الصحف البريطانية. ويتفق الجميع على ان ذلك يشكل اصعب اختبار لتحالف المحافظين والديمقراطيين الاحرار الذي تولى السلطة في ايار/مايو بعد 13 عاما من حكم العماليين. وسيكون ذلك محددا لباقي الولاية حتى 2015 لانه سيلقي بثقله على مجمل اقتصاد البلاد. وتهدف خطة اوسبورن التي تعد الاشد صرامة في بلدان الاتحاد الاوروبي، الى توفير 83 مليار جنيه استرليني (95 مليون يورو) في اقل من خمس سنوات. ويأمل الوزير في ان يؤدي ادخار هذا المبلغ مع 30 مليار جنيه (34 مليار يورو) تاتي من زيادة الضرائب، الى تقليص العجز العام من 10,1 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي هذا العام الى 1,1 بالمئة في 2015. وبعد اسابيع من المشاروات ستعرف كل وزارة بالتفصيل نسبة التقشف التي تهمها فيما يقدر معدل نسبة التقشف في ميزانيات مختلف الوزارات ب25 بالمئة. وكرر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي يدرك ان هذه القرارات لن تلقى حتما شعبية، انه ما من خيار امامه ان اراد "انقاذ البلاد من الافلاس". بيد انه وعد بان لا تشمل هذه الاجراءات خدمات الصحة العامة التي نهضت لتوها، وايضا المساعدة الخارجية للتنمية. اما في ما تبقى من القطاعات فان لائحة التضحيات ستكون طويلة من وزارة العدل الى وزارة البيئة مرورا بهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) التي علمت انه سيترتب عليها مواجهة تجميد للدعم لمدة ستة اشهر وان تمول بنفسها خدمتها العالمية الشهيرة "وورلد سيرفس" التي كانت تتولاها حتى الان وزارة الخارجية. وبحسب تقديرات الحكومة نفسها فان الوظيفة العامة ستشهد الغاء نصف مليون وظيفة. وتوقعت بعض الدراسات الغاء نصف مليون وظيفة اخرى في القطاع الخاص، كنتيجة مباشرة لخطة التقشف. وبشكل عام فان النفقات الاجتماعية للدولة الحاضنة ستكون من ابرز الضحايا وذلك رغم معارضة الجمعيات والنقابات. وسيتم بذلك تقليص المساعدة على السكن ومنح اصحاب الاحتياجات الخاصة والشيخوخة الى الحد الادنى. اما وزارة الدفاع التي تعد مستهلكا كبيرا للقروض، فقد توضح امرها منذ الثلاثاء وستكون نسبيا بمعزل من التقشف ولن تفقد الا 8 بالمئة من ميزانيتها بحلول 2015 وسيترتب عليها التخلي عن حاملة الطائرات الوحيدة العاملة في انتظار بناء اثنتين اخريين. وعنونت صحيفة "ذي غارديان" (وسط يسار) الاربعاء "رهان اوسبورن : التقشف السريع والدعاء" مذكرة بقلق الكثير من خبراء الاقتصاد ازاء قساوة الدواء الذي يمكن ان يجهز على انتعاش اقتصادي هش. وتقول الحكومة انها تعول على القطاع الخاص لاعادة ايجاد فرص العمل وقد دعمتها اوساط الاعمال معتبرة انه لا مفر من التقشف لاخراج البلاد من الوضع الصعب بعد الازمة المالية التي عصفت بها. كما ان بامكان كاميرون الاعتماد على دعم قوي من صندوق النقد الدولي الذي اعتبر ان اجراءاته على صعيد الميزانية "قوية وذات مصداقية". ويندد العماليون من جهتهم بسياسة "ظالمة" تسيء للاضعف وب "مازوشية اقتصادية" تهدد بالتسببب بانهيار البلاد.