"لم تشهد الذاكرة البشرية امرا كهذا يوما"، بهذه الكلمات وصف عبدو غاندا صياد السمك المسن في احد احياء نيامي الوضع في عاصمة النيجر بعد الفيضان المدمر لنهر النيجر الذي الحق اضرارا جسيمة في مجمل ارجاء البلاد منذ ثلاثة اسابيع. منازل مهدمة، حقول ارز مدمرة: الفيضانات تطرح تحديات قاسية للسكان الذين لا يزالون يعانون تبعات ازمة غذائية خطيرة. وبحسب النظام النيجري للانذار المبكر وادارة الكوارث، فان مجمل مساحة البلاد، بما فيها منطقة اغاديز الصحراوية الشاسعة (شمال)، تضرر بالفيضانات. وشهد النيجر، ثالث الانهار الافريقية، اكبر فيضاناته منذ العام 1929، حين شهد فيضانا مماثلا تسببت به الامطار الغزيرة. وبحسب حصيلة للنظام النيجري للانذار المبكر وادارة الكوارث وللامم المتحدة، فقد ادت الفيضانات الى تشريد نحو 200 الف شخص في المناطق الثماني في النيجر، كما قتل سبعة على الاقل بحسب وسائل الاعلام. وتحولت الاحياء الثلاثة للعاصمة نيامي وزارماغانداي ولاموردي وكارادجي، الى مستنقعات حقيقية. واضاف عبدو غاندا "كانت هذه احياء فقيرة وتحولت الان الى مدن اشباح". وقامت قلة من الاطفال بالسير على الطرقات الموحلة. وتحت انقاض المنازل المهدمة المبنية بالطين، تلتهم هررة جيف بعض الزواحف. الاثنين، ادى تساقط امطار غزيرة جديدة الى الاجهاز على المنازل النادرة التي كانت لا تزال صامدة، بعد ثلاثة اسابيع على بدء الفيضانات. وروت مرياما، وهي ارملة وأم لتسعة اولاد، خسرت كل ما تملك بعد انهيار منزلها بسبب الفيضانات "لقد قللنا من اهمية ارتفاع منسوب المياه (في نهر النيجر) وفوجئنا (بالفيضان) في عز نومنا". وفي العاصمة، احصت الاممالمتحدة اكثر من 17 الف مشرد، نصف المنكوبين فقط تم ايواؤهم في مدارس حيث يحصلون على الغذاء والاغطية والناموسيات، المقدمة من جانب المنظمات الدولية. وتواجه النيجر اصلا ازمة غذائية خطيرة نتيجة نقص حاد في الاغذية بسبب الجفاف في موسم 2009-2010 ادت الى تضرر اكثر من سبعة ملايين شخص، بحسب ارقام الاممالمتحدة. وقال ابراهيم مهمان المسؤول عن احدى القرى المنكوبة في شهادة نقلتها المنظمة الانسانية "اوكسفام"، "انها كارثة مزدوجة: قبل الامطار، السكان عانوا من نقص في الغذاء. الان، غرقت محاصيل الحبوب النادرة بالمياه، لم يتبق شيء". وفي حين بدأ منسوب المياه بالتراجع في المناطق التي تعرضت للفيضانات، توقعت مصلحة الارصاد الجوية استمرار هطول الامطار "حتى منتصف ايلول/سبتمبر". وعللت هيئة حوض النيجر، وهي منظمة مقرها في نيامي تضم الدول التسع التي يمر بها نهر النيجر ومتفرعاته، هذه الفيضانات بمستوى الامطار "الاستثنائية" في عدد من الدول المجاورة من بينها مالي وبوركينا فاسو. وتوقعت الهيئة على موقعها على الانترنت فيضانا "كبيرا" ثانيا لمياه النهر بين تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الثاني/يناير. وتجنبا للاسوأ، قررت السلطات المحلية اجلاء سكان المناطق المغمورة بالمياه في نيامي الى مناطق اخرى. لكن بعض الذين يصرون على البقاء في المدينة يعززون بناء السدود الدفاعية في محيط منازلهم مستخدمين اكياس رمل، تحسبا لتجدد الفيضانات. "ابلغنا والدنا: +لن نتحرك من هنا+"، قالها علي وعثمان، المراهقان القاطنان في حي لاموردي، وفي يدهما رفوش يحفران بها قنوات لتصريف المياه التي يغرق بها المنزل.