يلتقي وزيرا الخارجية الاميركي والروسي الاربعاء في باريس فيما تواصل واشنطن الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اختبار قوة يعد الاكثر توترا بين واشنطنوموسكو منذ انتهاء الحرب الباردة. لكن قبل لقاء باريس تصاعدت حدة التوتر على الارض مع سيطرة القوات الروسية جزئيا على قاعدتين لاطلاق الصواريخ تعتبران من المواقع العسكرية الاستراتيجية في القرم، كما اعلنت مصادر عسكرية اوكرانية الاربعاء. فبعد ايام عدة من التوترات في شبه جزيرة القرم جنوباوكرانيا حيث يتواجد جنود اوكرانيون وقوات روسية وجها لوجه، تصاعدت الحرب الكلامية لتبلغ اوجها بين موسكو ووشنطن. وفي اطار اجتماع حول لبنان ينعقد اليوم في باريس، سيلتقي جون كيري وسيرغي لافروف اللذان يعرفان بعضهما حق المعرفة واعتادا على اجراء محادثات حساسة أكان حول الحرب في سوريا او الملف النووي الايراني، بعد ظهر اليوم الاربعاء في العاصمة الفرنسية لبحث الوضع في اوكرانيا. ومن غير المستبعد ان يغتنم الرئيس فرنسوا هولاند الذي يستضيف هذا الاجتماع المقرر منذ زمن طويل، الفرصة لجمع الاطراف الرئيسية المعنية بالازمة الاوكرانية، الروس والغربيين. ومن المقرر ان يعقد الاجتماع الدولي حول لبنان بين الساعة 12,00 ت غ و15,00 ت غ في الاليزيه. وعشية قمة اوروبية استثنائية حول الازمة في اوكرانيا، قدمت المفوضية الاوروبية اليوم خطة مساعدة بقيمة "11 مليار يورو على الاقل" لصالح اوكرانيا. وصرح مصدر دبلوماسي الاربعاء ان الاتحاد الاوروبي سيجمد اعتبارا من الخميس ارصدة 18 مسؤولا اوكرانيا متورطين في اعمال العنف التي وقعت في كييف في شباط/فبراير. واوضح ان قائمة المسؤولين ال18 ستنشر الخميس في الجريدة الرسمية للاتحاد الاوروبي مباشرة قبل انعقاد القمة الاوروبية الاستثنائية في بروكسل. واكدت اوساط الرئيس الفرنسي انه "ستجري اتصالات حول اوكرانيا"، عشية قمة الاتحاد الاوروبي وقد تقرر تدابير مشددة حيال موسكو المتهمة بانتهاك القانون الدولي وسيادة اوكرانيا من خلال سيطرتها الفعلية على القرم. ومن بين المواضيع التي ستتناولها المحادثات بحسب باريس، الفكرة التي اقترحتها المستشارة الالمانية انغيلا ميركل بتشكيل "مجموعة اتصال" دولية حول اوكرانيا. من جهة اخرى كثف الرئيسان الروسي والاميركي التصريحات الحادة الثلاثاء، فاعتبر الرئيس باراك اوباما ان بوتين "لا يخدع احدا" بتصريحاته حول اوكرانيا فيما وجه سيد الكرملين انتقادات شديدة الى الغربيين و"مدربيهم" الذين شكلوا "وحدات قتالية" في اوكرانيا، في اشارة الى المتظاهرين في ساحة "الميدان" الشهيرة في كييف التي شكلت مسرحا للحراك الاحتجاجي حتى اقالة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش. واثناء زيارته الى كييف اتهم جون كيري روسيا بالبحث عن "ذريعة" ل"اجتياح اوكرانيا" وحذر روسيا من ان سياستها الحالية ستقودها الى العزلة. لكن كيري اكد انه لا يسعى الى "المواجهة" مع موسكو. وثمة مؤشرات تدل على ان واشنطن تبحث عن مخرج لروسيا. ولفت مسؤول كبير في البيت الابيض الى ان الفكرة التي اشار اليها الرئيس باراك اوباما خلال الاتصال الهاتفي مع نظيره الروسي السبت الماضي، تقضي بالرد نقطة بنقطة على القلق الذي عبرت عنه موسكو حيال الوضع في اوكرانيا. وبعد مرور اكثر من ثلاثة اشهر على الازمة السياسية في اوكرانيا اثارت سيطرة القوات الروسية على القسم الاكبر من القرم ازمة دبلوماسية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي بين موسكو والدول الغربية. وفيما يخشى الاوكرانيون والغربيون حصول عملية عسكرية واسعة النطاق في اوكرانيا، قال بوتين ان ارسال قوات روسية "ليس ضروريا في الوقت الحاضر". لكن بوتين لم يستبعد كليا هذا الخيار. وقال "هذه الامكانية موجودة" موضحا ان روسيا تحتفظ لنفسها بحق اللجوء الى "كل الوسائل" لحماية مواطنيها في هذه الجمهورية السوفياتية السابقة خاصة في القرم حيث 60% من السكان من اصل روسي. واعتبر بوتين الذي نادرا ما ادلى بتصريحات منذ عزل الرئيس يانوكوفيتش في 22 شباط/فبراير، انه "ليس هناك سوى تقييم واحد لما حصل في كييف واوكرانيا، انه انقلاب مخالف للدستور واستيلاء على السلطة عبر السلاح". وفي فيينا اكد السفير الاوكراني في رسالة الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان اوكرانيا قررت تعزيز التدابير الامنية في مواقعها النووية بسبب تهديد القوات الروسية لاراضيها. وكتب ايهور بروكوبشوك في هذه الرسالة التي اطلعت عليها فرانس برس "ان التحركات غير المشروعة للقوات المسلحة الروسية على الاراضي الاوكرانية (...) تمثل تهديدا خطيرا لامن اوكرانيا مع نتائج محتملة على منشآتها النووية"، مضيفا ان السلطات الاوكرانية "تبذل كل الجهود الممكنة لضمان امن" منشآتها النووية. لكن وزير الخارجية الاوكراني اندري ديشتشيتسا الموجود في باريس الاربعاء اكد ان اوكرانيا تريد حل الازمة مع روسيا "سلميا". وقال "لا نريد محاربة الروس" بل "نريد الحفاظ على حوار جيد وعلاقات طيبة مع الشعب الروسي". وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في وقت سابق "لا نريد اعلان الحرب على الروس لكن ما يفعلونه غير مقبول. انه اجتياح بلد لبلد اخر". ودعا المتحدث باسم الحكومة الالمانية ستيفن سايبرت من جهته الاربعاء موسكو الى التخلي عن اي عمل يمكن ان يزعزع استقرار اوكرانيا مذكرا بان المانيا تطالب باحترام وحدة وسلامة اراضي هذه الجمهورية السوفياتية السابقة. وكانت الولاياتالمتحدة شددت الاثنين الضغط على روسيا بوقفها اي تعاون عسكري مع موسكو وتهديدها بعقوبات جديدة. في موازاة ذلك ستستخدم موسكو السلاح الاقتصادي ضد كييف اذ قررت وقف السعر المخفض للغاز الذي يباع الى اوكرانيا الذي اعتمدته في كانون الاول/ديسمبر الماضي. وفي شبه جزيرة القرم التي تتوجه اليها الانظار في الوقت الحاضر، تستمر حرب اعصاب بين المسؤولين العسكريين الاوكرانيين والروس مع توجيه تحذيرات بامكان شن هجوم للقوات الروسية. ويسيطر نحو 16 الف جندي، وصل خمسة الاف منهم على الاقل في الايام الاخيرة، على القرم حيث يطوقون معظم المواقع الاستراتيجية (سفن حربية، ثكنات ومباني ادارية). من جهتها تتلقى روسيا بصعوبة التبعات الاقتصادية المترتبة عن سياستها في اوكرانيا. فقد اضطرت الاثنين الى بيع عملات صعبة بقيمة قياسية بلغت 11,3 مليار دولار في يوم واحد سمي "الاثنين الاسود" بغية دعم الروبل الذي يخضع لضغوطات قوية بسبب النزاع في اوكرانيا.