اختتم البابا بنديكتوس السادس عشر مساء الاحد زيارة الى لبنان استغرقت ثلاثة ايام وجه خلالها عدة رسائل من اجل السلام في سوريا والشرق الاوسط عموما ودعوة ملحة الى التعايش المسيحي-الاسلامي والمصالحة في المنطقة. وغادر البابا بيروت عند الساعة 19,25 (16,25 ت غ)، مع انتهاء حفل الوداع الرسمي في مطار رفيق الحريري الدولي على متن طائرة تابعة لطيران الشرق الاوسط، كما هو التقليد المتبع في زيارات البابا الذي يغادر عبر الطيران الوطني للبلد المضيف. والتفت البابا قبل دخوله الطائرة للمرة الاخيرة نحو مودعيه، فصرخ عشرات الشبان والشابات والاطفال الذي اختيروا لتمثيل جيل الشباب في الوداع "بنديكتوس، بنديكتوس" ولوحوا باعلام الفاتيكان التي كانوا يحملونها. ثم رفعوا لافتة كتب عليها بخط كبير "سلامي اعطيكم"، وهو الشعار الذي اتخذه البابا لزيارته التي استغرقت ثلاثة ايام. وكان هؤلاء انشدوا في انتظار وصول البابا ترانيم دينية واغاني وطنية، ورددوا مرارا "بنديكتوس، منحبك". وشارك في الوداع رئيس الجمهورية ميشال سليمان وزوجته ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وزوجته ورسميون وممثلون عن كل الطوائف المسيحية والاسلامية. وقال البابا في كلمته الاخيرة خلال الوداع انه يصلي "من اجل لبنان لكي يعيش بسلام ويتصدى بشجاعة لكل ما يمكن ان يدمره او يقوضه". واضاف "اتمنى للبنان ان يواصل السماح بتعددية الاديان وعدم الاصغاء لصوت الذين يريدون منعها". كما عبر عن امله في ان "يعزز لبنان الشراكة بين جميع سكانه، مهما كانت طائفتهم او دينهم، وان يرفضوا باصرار ما يمكن ان يؤدي الى انقسامهم وان يختاروا الاخوة في ما بينهم". كما وجه البابا تحية خاصة الى ممثلي الطوائف الاسلامية في لبنان. وقال "اشكر بشكل خاص كل الشعب اللبناني الذي يشكل فسيفساء غنية وجميلة والذي عرف كيف يظهر لخليفة بطرس حماسته عبر المساهمة المتعددة الاشكال والخاصة بكل مجموعة. اشكر خصوصا ممثلي الطوائف المسلمة وخلال زيارتي لاحظت الى اي حد ساهم وجودكم في انجاح زيارتي". بدوره القى الرئيس اللبناني كلمة قال فيها "تبرز الحاجة اليوم للانخراط بكثير من الوعي والعزم، في مقاصد ما أودعتموه (...) من ارشاد رسولي جديد... ومن توصيات تدعو الى التعلق بالأرض والهوية والحرية، وللنهوض بإنسانيتنا إلى آفاق التسامح والتضامن الاجتماعي، والاحترام العميق للآخر وتمايزه، ونبذ الفتنة والعنف، وتحقيق سلام راسخ في القلب، يفيض نمط حياة لشعوب المنطقة". وتوقف سليمان عند استمرار اراقة الدماء في المنطقة والعالم، مضيفا "اما الحراك المطلبي العربي بعينه، فهو يحمل على ما يرتجى منه، املا في الإصلاح والحرية والديموقراطية، بالرغم مما يشوبه من عنف ويصيبه من تعثر، مع العلم ان الديموقراطية الحقة ثقافة وحسن ممارسة ومجموعة مبادئ وقيم عالمية الأبعاد". وواكبت زيارة البابا تدابير امنية مشددة، وتم تعليق حركة الملاحة في مطار بيروت لساعتين خلال فترة مغادرته، كما حصل لدى وصوله. وذروة زيارة البابا التي بدأت الجمعة كانت القداس الاحتفالي الذي احياه على الواجهة البحرية لبيروت قبل ظهر الاحد وضم مئات الوف المؤمنين والذي دعا خلاله الدول العربية والمجتمع الدولي الى ايجاد "حلول قابلة للحياة" للنزاعات التي تدمي المنطقة وسوريا بالتحديد. وصلى البابا في "التبشير الملائكي" الذي تلى القداس الحاشد من اجل "سكان سوريا خصوصا والدول المجاورة التي تطلب عطية السلام". وقال "للاسف ان اصوات السلاح لا تزال تسمع وكذلك بكاء الارامل والايتام! العنف والحقد يجتاحان الحياة، والنساء والاطفال هم اول الضحايا". وتابع "ادعو المجموعة الدولية، ادعو الدول العربية (...) لكي يقترحوا حلولا قابلة للحياة تحترم كرامة كل شخص وحقوقه وديانته". وختم "ليمنح الله بلادكم (لبنان) وسوريا والشرق الاوسط هبة السلام في القلوب وصمت السلاح ووقف كل اشكال العنف". وخلال القداس، قال البطريرك الماروني بشارة الراعي ان زيارة البابا الى "الشرق الاوسط في زمن تعيش فيه المنطقة تحولات جذرية تهدد امنها واستقرارها، تحمل الكثير من الامل". واضاف ان السينودس من اجل الشرق الاوسط أدخل المنطقة "في قلب +الربيع الروحي المسيحي+ الذي نعتبر ان العناية الالهية ارادته كمقدمة للربيع العربي المنشود". وتابع ان الزيارة تشكل "صمام امان في زمن يشعر فيه المسيحيون بعدم الاستقرار ويقاومون باخلاص للوعود التي قطعوها خلال عمادتهم، لكي يؤكدوا تجذرهم بهذه الارض رغم التحديات الكبيرة". وسلم البابا في نهاية القداس مسؤولي الطوائف الكاثوليكية "الارشاد الرسولي" الذي وقعه مساء الجمعة في اليوم الاول لزيارته، ويحمل عنوان "الكنيسة في الشرق الاوسط: شركة وشهادة" وهو نتاج اعمال السينودس من اجل الشرق الاوسط الذي انعقد في تشرين الاول/اكتوبر في الفاتيكان العام 2010. والارشاد الرسولي الذي قال البابا انه "الدافع الاساسي" لزيارته، يعتبر خارطة طريق للحفاظ على التعددية الدينية والثقافية في مجتمعاتهم وحثهم على البقاء في مهد المسيحية رغم كل الصعوبات، وتوجه به البابا الى حوالى 15 مليون مسيحي في الشرق الاوسط. وفي لقائه مع الشبيبة مساء السبت في باحة البطريركية المارونية في بكركي وجه البابا دعوة الى الشباب للتمسك بالارض وعدم الهجرة مؤكدا انه يدرك الصعوبات التي يعانون منها من "نقص الاستقرار والامن وصعوبات الحصول على عمل والشعور بالوحدة وحيا في الوقت نفسه "شجاعة الشباب السوري"، مبديا تعاطفه مع احزان السوريين. "ليبارك الله لبنان وكل اللبنانيين" و"ليبارك الله كل الشرق الاوسط" كانت اخر كلمات الحبر الاعظم قبل مغادرته بيروت مساء الاحد مختتما زيارة الى بلد تخيم عليه تداعيات الازمة السورية ومنطقة تسودها الاضطرابات بسبب النزاع السوري وموجة الاحتجاجات الكبرى على فيلم مسيء للاسلام انتج في الولاياتالمتحدة.