أكد البابا بنديكتوس السادس عشر الذي وصل الجمعة الى لبنان ان المسيحيين "يرحبون بالربيع العربي"، واصفا اياه "بالامر الايجابي"، انما رافضا التطرف والعنف. وفي الوقت الذي كان يدلي البابا بكلمته على مدرج مطار بيروت الدولي، قتل شخص واصيب 25 آخرون بجروح في مواجهات في شمال البلاد بين قوى الامن واسلاميين قاموا باحراق مطعم اميركي للوجبات السريعة احتجاجا على فيلم مسيء للاسلام، واطلقوا هتافات ضد زيارة البابا. وقد أعد للبابا الذي يزور لبنان للمرة الاولى استقبال رسمي وشعبي حاشد وسط تدابير امنية مشددة. وللمرة الاولى منذ بدء الانتفاضات الشعبية في العالم العربي التي اثارت مخاوف لدى الاقليات المسيحية في المنطقة من تصاعد نفوذ الاسلاميين، اعلن البابا موقفا واضحا مما جرى ويجري في بعض الدول العربية. وقال للصحافيين على متن الطائرة التي اقلته من روما ان "الربيع العربي امر ايجابي، انه رغبة بالمزيد من الديموقراطية والحرية والتعاون وبهوية عربية متجددة". واضاف ان "صرخة الحرية هذه الصادرة عن شباب متقدم اكثر ثقافيا ومهنيا ويرغب في المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية، هي وعد وامر ايجابي جدا. وكانت موضع ترحيب تحديدا من قبلنا كمسيحيين". لكن الحبر الاعظم حذر من ان "صرخة الحرية بمثل هذه الاهمية والايجابية تواجه مخاطر ان تغفل شقا جوهريا من الحرية وهو التسامح مع الاخر". وقال ان "الكرامة العربية المتجددة تعني تجديد مفهوم +العيش معا+ وتسامح الغالبية والاقلية. الحرية يجب ان تتواكب مع حوار اشمل، وليس هيمنة طرف على الاخر". ورفض البابا الاصولية معتبرا انها "تحريف للدين". وتعتبر زيارة البابا الى المنطقة شديدة الحساسية، نتيجة الاضطرابات القائمة في سوريا المجاورة والتي حصدت على مدى اكثر من 18 شهرا اكثر من 27 الف قتيل. ودعا البابا الى وقف امداد الاطراف في سوريا بالسلاح. وقال ان "ارسال الاسلحة يجب ان يتوقف نهائيا. من دون ارسال الاسلحة لا يمكن للحرب ان تستمر". وجدد البابا على ارض مطار بيروت التأكيد انه جاء الى لبنان والمنطقة رسول سلام. وقال خلال الاستقبال الرسمي الذي نظم له في مطار رفيق الحريري الدولي "جئت الى لبنان كحاج سلام (...). ومن خلال بلدكم اتيت اليوم وبطريقة رمزية الى جميع بلدان الشرق الاوسط كحاج سلام وكصديق لجميع سكان دول المنطقة مهما كانت انتماءاتهم او معتقداتهم". ورأى ان التعايش اللبناني يمكن ان يشكل نموذجا لكل الشرق الاوسط وللعالم باسره، قائلا ان "التعايش السعيد اللبناني كليا يجب ان يظهر للشرق الاوسط باكمله ولبعض العالم انه من المستطاع ايجاد داخل امة ما، التعاون بين مختلف الكنائس... وفي الوقت ذاته التعايش المشترك والحوار القائم على الاحترام بين المسيحيين واخوانهم من الاديان الاخرى". ولكن في طرابلس، المدينة ذات الغالبية السنية على بعد اكثر من ثمانين كيلومترا من بيروت، أقدم حوالى 300 متظاهر انطلقوا من مسجد في وسط المدينة حاملين الاعلام السوداء على احراق مطعم من سلسلة "كاي اف سي" احتجاجا على فيلم "براءة المسلمين" الذي انتج في الولاياتالمتحدة واثار ضجة في العالم الاسلامي. وقال مراسل وكالة فرانس برس ان المتظاهرين رددوا هتافات "المسلم يرفع يده، البابا لا نريده" و"اميركا عدوة الله" و"اسلامية، اسلامية وليس دولة صليبية". بعيدا عن هذه الصورة، كان لبنان الرسمي والديني بكل اطيافه وطوائفه ممثلا في استقبال البابا الذي ما إن أطل بثوبه الابيض حتى اشتعل عشرات الشبان والشابات والاطفال المتجمعين ايضا على مدرج المطار باللباس ابيض بالتصفيق والهتاف باسمه. ثم اخرجوا لافتة بالانكليزية كتب عليها "هنيئا للبنان، لقد وصل البابا". وبينما كان البابا يصافح الرسميين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ميشال سليمان، اطلقت المدفعية 21 طلقة ترحيبا بالحبر الاعظم. وقال سليمان في كلمته الترحيبية "شئتم من زيارتكم للبنان ان تعلنوا للعالم مدى اهمية وطننا كنموذج ومثال في تنوعه ووحدته ورغم حجم المخاطر، لتؤكدوا مدى اهمية الوجود المسيحي الاسلامي للحفاظ على دعوة لبنان التاريخية في خضم التحولات الكبرى التي تطاول عالمنا العربي والتي تفرض توضيح الرؤى وتوحيد الصفوف لبناء مجتمع قائم على الحرية والعدالة والمساواة". وشاركت في الاستقبال شخصيات دينية وسياسية من كل الطوائف الاسلامية والمسيحية. وعلى طريق المطار، تجمعت مئات النسوة القادمات من الضاحية الجنوبية لبيروت حيث معقل حزب الله الشيعي للترحيب بالبابا، الى جانب مئات الفتيان من حركات كشفية مسلمة. وسلك موكب البابا طريقا مزينا باعلام الفاتيكان والاعلام اللبنانية وصوره مع الشعار الذي اختاره لزيارة لبنان "سلامي اعطيكم" وصولا الى حريصا (29 كلم شمال شرق بيروت) حيث مقر السفارة البابوية، وحيث سيوقع في بازيليك القديس بولس الارشاد الرسولي للسينودوس الخاص بجميع اساقفة الشرق الاوسط الذي عقد في الفاتيكان في تشرين الاول/اكتوبر 2010. ويلتقي البابا السبت الرئيس اللبناني ورئيسي مجلس النواب والحكومة، ثم رؤساء الطوائف الاسلامية، واعضاء الحكومة ومؤسسات الدولة والهيئات الدبلوماسية. وسيكون على موعد مع شبيبة لبنان بعد ظهر السبت في باحة مقر البطريركية المارونية في بكركي القريبة من حريصا. ويتوج البابا زيارته بقداس يترأسه عند الواجهة البحرية لبيروت. وسيلقي البابا سبعة خطابات على الاقل خلال هذه الرحلة ال24 له الى الخارج منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية عام 2005.