الدوحة - تخلى القطاع الهيدروكربوني، الذي شكّل طوال العقود الماضية محفزاً قوياً لنمو الناتج المحلي في قطر، عن مكانه لصالح القطاع غير النفطي المتوقع أن يقود عجلة النمو في الاقتصاد القطري، بواقع 9.2 بالمئة بدءاً من العام الجاري. وتشير الأرقام المتوافرة إلى زيادة نسبة الإيرادات غير الهيدروكربونية في موازنة 2012 - 2013 إلى 30 بالمئة، ارتفاعاً من 24 بالمئة في موازنة العام الماضي 2011 - 2012 بما يحقق هدف الدولة المتمثل في تمويل أكبر نسبة في الموازنة من إيرادات القطاعات غير الهيدروكربونية بدءاً من العام 2020. وعملت قطر، خلال الأعوام الماضية، على سياسة اقتصادية ترتكز على تنويع الاقتصاد ومواصلة نموه على الرغم من توقف المشاريع الجديدة الخاصة بالنفط والغاز. وتعتمد سياسة تنويع مصادر الدخل على تعزيز قطاع الصناعات التحويلية باعتباره الشريان الثاني للاقتصاد، لزيادة نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي. وإضافة إلى الصناعات التحويلية التي تعتبر محركاً للنمو ومرتكزه، يسهم في هذا التحول أيضاً قطاع البناء والإنشاءات المتوقع أن ينمو بنسبة 10 بالمئة خلال العامين المقبلين، وقطع الخدمات المتوقع أن ينمو بمقدار 8.8 و9.4 بالمئة لعامي 2012 و2013 على التوالي، إضافة إلى ما ستحققه بعض أنشطة الاقتصاد الأخرى، كالمرافق وغيرها. وتشير نشرة الآفاق الاقتصادية لدولة قطر 2012-2013، التي أصدرتها الأمانة العامة للتخطيط التنموي أخيراً، إلى أن نمو هذه القطاعات (الصناعة والبناء والمرافق والخدمات) سيبقى قوياً خلال الفترة المقبلة، كما ستسنده الصناعات الأخرى المصاحبة للصناعات الأساسية، كالإسمنت والغذاء والدواء، وغيرها. وبحسب التقديرات المؤقتة للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الصادرة عن جهاز قطر للإحصاء، فإن الاقتصاد القطري توسع من ناحية الحجم بنسبة 1.14 بالمئة، العام 2011، وزاد الناتج المحلي الإجمالي بالقيم الاسمية بمعدل 3.36 بالمئة، كما ارتفع الإنفاق الحكومي الإجمالي بنسبة 3.11 بالمئة حتى 31 مارس 2012، وازداد الإنفاق الجاري بنسبة 1.15 بالمئة. وتأخذ تلك الأرقام دلالتها من حجم الإنفاق الاستثماري الحكومي بالدولة وفقاً لموازنة العام 2012-2013 البالغ 62 مليار ريال، وهو ما يمثل 25 بالمئة من إجمالي الموازنة، والذي يستهدف استكمال المشاريع الكبرى، كميناء الدوحة الجديد ومطار الدوحة الجديد ومشاريع الصرف الصحي، والبدء في انطلاق مشروع القطارات والمشاريع التحضيرية، لاستضافة كأس العالم وغيرها من مشاريع البنية التحتية المدرجة في استراتيجية التنمية الوطنية التي يعول عليها في رفع معدلات النمو الاقتصادي، وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية. وعلى صعيد الصناعة الكيماوية، ستشهد المرحلة المقبلة خطوة بارزة بافتتاح مشروع قافكو 6، التابع لشركة قطر للأسمدة الكيماوية المحدودة (قافكو)، والمتوقع أن يتم خلال الربع الجاري، ليضاف إلى مجمل الخريطة الصناعية في دولة قطر. وإضافة إلى كونه خطوة مهمة تسهم في دعم خطط التنويع الاقتصادي، والمساهمة الفاعلة في نمو الناتج المحلي المتأتي من الصناعات التحويلية تكمن أهمية مشروع قافكو 6 في أنه سيمكّن قطر من أن تحتل المرتبة الأولى في إنتاج اليوريا عالمياً، حيث سيرفع الطاقة الإنتاجية للشركة إلى نحو 5.6 مليون طن سنوياً من اليوريا، وهو ما يمثل نحو 15 بالمئة من إنتاج اليوريا عالمياً. وعدا عن مشروع قافكو 6، فقد كان تدشين «قافكو5» في ديسمبر الماضي، خطوة تصب في الهدف الأكبر المتمثل في ريادة قطر على مستوى إنتاج الأسمدة، خصوصاً اليوريا والأمونيا معاً، وتكمن أهمية «قافكو 5»، الذي بلغت تكلفته 3.2 مليار دولار، في أنه سيضيف لإنتاج قطر من الأمونيا بين 2.2 و3.8 مليون طن متري، وسيرفع إنتاجها من اليوريا من 3 إلى 4.3 مليون طن متري سنوياً، وذلك بعد تشغيله بكامل طاقته الإنتاجية لتصبح الشركة أكبر منتج في العالم لهاتين المادتين معاً من موقع واحد. وفي سياق متصل، لم تكن صناعة الحديد والصلب هي الأخرى بمعزل عن هذا التحول، حيث بلغت الطاقة الإنتاجية السنوية الحالية لشركة قطر ستيل من حديد الاختزال المباشر، والحديد المقولب الحراري 2.4 مليون طن، و1.9 مليون طن من الصلب المنصهر، و1.8 مليون طن من قضبان حديد التسليح. وتغطي الشركة، في الوقت الجاري، ما يزيد على 95 بالمئة من حاجة السوق المحلي لمنتجات الحديد والصلب، وهو ما يمثل 60 بالمئة من الطاقة الإنتاجية للشركة. وكدليل على الفاعلية الكبيرة ل«قطر ستيل» يعتبر الاستيراد شبه منعدم في قطر، حيث تغطي منتجات الشركة السوق المحلي، وتستطيع مواكبة الطلب المحلي المرشح للزيادة في السنوات المقبلة، بل وتصدّر منتجات إلى بقية دول مجلس التعاون. واستطاع قطاع البتروكيماويات في قطر خلال العقد الأخير، أن يخطو خطوات حثيثة مدعوماً برؤية قطر الساعية للتوسع في الصناعات القائمة على استخدام ثرواتها من الغاز الطبيعي في إنتاج مواد ذات قيمة مضافة، لتعظيم الاستفادة من مواردها الطبيعية. وتعتزم دولة قطر إنفاق نحو 25 مليار دولار على توسيع قطاع البتروكيماويات المحلي حتى العام 2020، مستهدفة زيادة طاقتها الإنتاجية من مختلف منتجاتها البتروكيماوية والكيماوية لتصل إلى 23 مليون طن سنوياً بحلول العام 2020 مقارنة ب9.2 مليون طن حالياً. وتشير إحصاءات سابقة إلى أن صناعة البتروكيماويات تسهم بنسبة 84 بالمئة من إجمالي القطاع الصناعي القطري، ومن المتوقع أن تتوسع هذه الصناعة على نحو واضح خلال هذا العقد من جراء توفر «اللقيم الأساسي» لتلك الصناعة، وهو الغاز الطبيعي والمواد المصاحبة له. ومن المنتظر أن تشهد المرحلة المقبلة بدء الإنتاج من مصنع البولي إثيلين 3، التابع لشركة قطر للبتروكيماويات (قابكو)، الذي سينتج نحو 300 ألف طن متري سنوياً من البولي إثيلين منخفض الكثافة، ما يرفع الطاقة الإنتاجية ل«قابكو» إلى 700 ألف طن متري من البولي إثيلين منخفض الكثافة، تضاف إلى منتجات الشركة الأخرى المقدرة حالياً ب800 ألف طن متري من الإثيلين سنوياً، و70 ألف طن متري من الكبريت. كما وقّعت قطر شراكات عدة لتطوير مشاريع في مجال صناعة البتروكيماويات داخلياً خلال السنوات الماضية، حيث شهد العام الماضي توقيع اتفاقية بين قطر للبترول وشركة شل العالمية، لإقامة أكبر مجمع للبتروكيماويات في العالم في مدينة رأس لفان الصناعية بتكلفة تقدر بنحو 6.4 مليار دولار.