مع تقدم وتنوع وسائل الاتصال والتواصل منذ ابتكر " ماركونى " الازاعة اللاسلكية وحتى عصر الاقمار الصناعية والنت وقبلها الطباعة ونشاة الصحافة على اساس من تطور هذا الابتكار ثم الازاعة المسموعة فالمرئية تم استغلال هذه الابتكارات المذهلة لخلق حالة اعلامية شديدة الثراء , متنوعة الادوات , تتجدد وتتطور يوما بعد يوم لتكون مكونا اساسيا فى الحياة المعاصرة للافراد والشعوب والامم واسهم الاعلام مستغلا هذا التنوع فى الوسائل والتقدم المذهل فى التطوير العلمى لها فى صناعة الثقافة والفكر وتوسيع مدى المعرفة بل لانبالغ اذا قلنا ان الاعلام المعاصر جعل مشكلة الامية فى العالم مشكلة غير زات موضوع او خطورة . ولعل اخطر واهم ما اسهم فيه الاعلام هو عمليات التنوير المعرفى والثقافى والسياسى والمجتمعى التى شكلت ما يسمى بالراى العام , من خلال ترسيخ مجموعة من القيم الاخلاقية والانسانية والعقائدية والسياسية لدى مجتمع ما او شعب او امة وتحديد خطوط لطموحات هذه الجماعات لبشرية وىمالها ووضع حلول لمشكلاتها وقضاياها القومية والوطنية واقناع الاخرين بهذه الخطوط والحلول وتشكيل قوة ضغط جماهرية فى اتجاه معين , وقد استغلت الحكومات والدول هذا السلاح الفعال فى اقناع الجماهير بسياساتها وقضاياها ورؤيتها ورايها واجتذابهم لتاييد او رفض ما تراه نافعا لها او ضارا بها ولذلك نشات فى الكثير من الدول مؤسسات اعلامية كبرى وصلت الى حد وجود وزارة متخصصة للاعلام خاصة فى الدول ذات النظم الشمولية والدكتاتورية لتضمن ولاء هذا السلاح الفعال لرؤيتها وعدم خروجه عما تريد تشكيل الراى العام عليه , واوضح مثال على ذلك هو وزارة الدعاية الالمانية خلال سيطرة الحزب النازى وكان وزيرها " جوبلز " مثالا واضحا لكيفية فرض افكار محددة لا يمكن الخروج عنها لصناعة راى عام مؤيد بصورة مطلقة لسياسات وافكار " هتلر " النازية المتطرفة واشتهر بعداوته للثقافة بشكل عام حيث كان يردد ( اذا سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسى ) وكذلك عداوته المرة للديمقراطية والماركسية والحرية الفردية بشكل عام , وبذلت وزارته واجهزته جهدا كبيرا فى تشكيل الراى عام متحمس لدخول الحرب العالمية الثانية . اما فى الدول الديمقراطيه فقد كانت حرية الاعلام وكفالتها بالدساتير والقوانين الحامية لهذه الحرية طريق هذه الدول لتحقيق النهضة والتقدم حيث منحت هذه الحرية للشعوب التى تعيش فى ظلها القدرة على تنوع الافكار والاختيار الحر للاراء والعقائد السياسية والاخلاقية والاجتماعية والاقتصادية , كما اتاحت حرية الاعلام لهذه الدول فرصة المقارنه بين الرؤى السياسية واختيار ما يصلح منها واطراح مالا ينفع , وكذلك تنوعت الرؤى لمشكلات كل مجتمع وتنوعت الافكار حول الحلول التى يمكن استخدامها لمعالجة هذه المشكلات . وكلما كان الاعلام فى دولة ما حرا تحمى حريته قوانين الدولة ودستورها كلما استطاعت هذه الدولة الوصول الى تكوين راى عام متنور قادر على التمييز والحكم على الامور كما تقضى هذه الحرية على اى طموح للطغيان او الاستئثار بالسلطة , او الوصول بنظام ما الى الدكتاتورية او حكم فرد او حزب او جماعة . كما يسهم الاعلام الحر فى نشر الثقافة العامة والمعرفة الشاملة دون رقيب يحدد ما يقال ومالا يقال ويكون الرقيب على الاعلام ضمير الاعلامى وراى الجمهور وقيم المجتمع وليس سلطة او نظام حكم . فالاعلام الحر يكسب الراى العام ويسهم فى صناعته اذا اتسم بالمصداقية والالتزام بقيم واخلاقيات المجتمع ويخسره اذا احس المتلقى بالكذب او المراوغة او الخروج عن القيم التى يلتزم بها المجتمع بشكل لا اقناع فيه ولا منطق . وقد اثبت التاريخ ان الاعلام الكاذب او الموجه يخسر قدرته على الاقناع وعلى تكوين راى عام فقد سقط " جوبلز " رغم ما بذله من جهد منظم وما اتيح له من امكانات عملية ومادية . ونجحت الواشنطن بوست فى اسقاط رئيس امريكى " ريتشاردنيكسون " فى فضيحة " ووترجيت " وسقط انس الفقى بكل ما اتاحه له نظام مبارك من امكانات واسعة ووسائل متنوعة ونجحت مجموعة " خالد سعيد " على النت فى اشعال ثورة قضت على هذا النظام . فالاعلام ينجح بمصداقيته وانحيازة لامال الشعوب , ويسقط بكذبه وخداعه والابتعاد عن تطلعات الامة .