مفاجأة سياسية من العيار الثقيل وهى تكشف تفاصيل الفساد فى مصر وكيف ارتبط بعملية الخصخصة التى شجعتها وباركتها ومولتها واشنطن على مدى ال20 السنة الماضية. وأظهر التقرير المطول الذى نشرته الصحيفة على صفحتها الأولى تحت عنوان «رأسمالية المحسوبية ذات جذور أمريكية» دور جمال مبارك المحورى والرئيسى فى تبرير وتمرير الخصخصة والإفساد وإهدار الأموال العامة من خلال المركز المصرى للدراسات الاقتصادية الذى أنشئ بمنحة أمريكية تقدر ب10 ملايين دولار قدمتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (المعونة الأمريكية)، إذ جمع هذا المركز حوله دائرة من أصحاب المال وصناع القرار، ومن ثَم أصبح هؤلاء على قمة مناصب فى الحزب الحاكم والحكومة فى مصر. وتقول ««واشنطن بوست»» إن اليوم جمال مبارك وأربعة من أعضاء إدارة هذا المركز فى السجن بتهم إهدار أموال الدولة والبعض منهم هرب من البلاد. وقد نشرت الصحيفة صور كل من جمال مبارك وطاهر حلمى ورشيد محمد رشيد وأحمد المغربى وأحمد عز وياسين منصور. وتذكّر «واشنطن بوست» بأنه على الرغم من أن مسؤولين أمريكيين لم يطرحوا علنا أسئلة حول تمويل المركز فإنهم أعربوا عن قلقهم فى برقيات سرية بأن جهود الخصخصة قد تؤدى إلى فساد على مستوى رفيع، وذلك حسبما استنتجت الصحيفة بعد مراجعة لمئات من وثائق «ويكيليكس» من جانبها. وتقدر الأموال التى قدمتها واشنطن لمصر فى إطار الإصلاح الاقتصادى منذ التسعينيات من القرن الماضى بنحو 8 مليارات دولار. فى إحدى هذه البرقيات السرية (من وثائق «ويكيليكس») يرجع تاريخها إلى عام 2006 يُنقل عن لسان هتلر طنطاوى الرئيس السابق لجهاز المحاسبة، قوله بأن «الخصخصة والانفتاح الاقتصادى فى السنوات الأخيرة خلق فرصا جديدة للفساد فى المناصب العليا للحكومة مؤثرا على موارد الدولة». وتبيِّن الصحيفة قصة صعود جمال مبارك وتوافقه مع ما كان يدور فى واشنطن وظهور حليف له قانونى طموح هو طاهر حلمى الذى ساعد فى صياغة القانون الخاص ببرنامج الخصخصة عام 1991 بهدف خصخصة أكثر من 350 شركة تقدر قيمتها ب104 مليارات دولار، وأن جمال مبارك بالتعاون مع حلمى أوجد المركز المصرى للدراسات المصرية بمنحة من المعونة الأمريكية لترويج هذا البرنامج من خلال دراسات وكتب ومؤتمرات. وذكرت الصحيفة أن المسؤولين بالمعونة الأمريكية رفضوا مناقشة أمر دعمهم للمركز وما تردد حوله واكتفوا بإصدار بيان يذكر فيه أن وكالة المعونة اتخذت كل التدابير لضمان حسن استعمال المنح المقدمة للمركز وأن المركز له مكانته كمركز للدراسات أصدر خلال ال20 السنة الماضية تقارير اقتصادية قيّمة. وحسب ما قالته ماجدة قنديل مدير المركز الحالى فإن ما بيع من أصول فى مصر يقدر ب9٫6 مليار دولار، رغم أن القيمة الحقيقية لهذه الأصول تصل إلى 104 مليارات دولار. وبعض من صفقات الخصخصة التى كان لحيتان البزنس فى مصر نصيب فيها وكان للمركز أيضا دور فيها قام بها مكتب حلمى الخاص. وهذه الصفقات تضمنت صفقة بيع بنك الإسكندرية الوطنى ب1.6 مليار دولار. ويشير التقرير إلى أن مكتب القاهرة للمنشأة العملاقة الخاصة بالقانون الدولى «بيكر آند ماكنزى» (ومقرها الرئيسى فى مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة) وتحت قيادة طاهر حلمى تعاملت مع أكثر من 3 مليارات دولار من صفقات الخصخصة بما فيها بيع الحكومة أصول وشركات وأراض. كما أن المكتب ذاته مثّل الحكومة فى صفقات وساعد أيضا شركات قطاع خاص فى امتلاك شركات حكومية. والمركز المشار إليه كان دائما موضع اهتمام ومديح الخبراء والمسؤولين. «إن المركز المصرى للدراسات الاقتصادية كان ببساطة المكان المناسب فى الوقت المناسب» هذا ما قاله محمود محيى الدين رئيس اللجنة الاقتصادية للحزب الوطنى آنذاك وهو أحد الشخصيات المحورية بالمركز، لبروس راترفورد عالم سياسى فى جامعة «كولجيت» وصاحب كتاب «مصر بعد مبارك»، وقال محيى الدين أيضا «المركز كان لديه بالفعل مجموعة من اقتراحات تتوافق مع: إلى أين كانت تريد أن تتجه الحكومة؟». وتذكر ماجدة قنديل المدير الحالى للمركز أن حلمى الذى كان يرأس المركز طلب منه التخلى عن منصبه. وأنها رأته آخر مرة قبل ثورة يناير عندما قال إنه ذاهب فى رحلة عمل. ولكن قنديل تقول إنه أبلغها فى ما بعد بأنه ليس لديه خطة عاجلة للعودة من المملكة المتحدة حيث يعيش الآن مع زوجته وثلاثة من أولاده. وقد لا يفكر فى العودة.