يكفيك أنك ستصبح رئيسا فى زمن أصبح فيه توفيق عكاشة هو إعلامى البسطاء وصوت الشعب، يصدقونه نكاية فى الثورة والمحسوبين عليها بعد أن نجح كثيرون فى الربط بسذاجة بين مشكلة كل واحد مع زوجته والاعتصام فى ميدان التحرير، يصدقونه لأن ما يقوله يتبناه المجلس العسكرى بعدها بوقت قصير، فمثلا الحرب العكاشية ضد «6 أبريل» تنتهى بأحد أعضاء المجلس العسكرى يجلس فى منزله ممسكا بسماعة التليفون قائلا فى أحد البرامج إنهم عملاء وخونة، طيب إذا كانت أعلى جهة رسمية فى البلد تمنح هذا الرجل مصداقية مجانا فلم لا يصدقه البسطاء أصحاب نظرية «هم بتوع الثورة عايزين إيه تانى؟»، ولا حرج عليهم إذ إن بتوع الثورة ورغم نبل أهدافهم غير قادرين على الوصول إلى هؤلاء البسطاء حتى يشرحوا لهم بنفس اللهجة العكاشية البسيطة المصطبنجية ما يريدونه بالفعل. تسألنى ما المشكلة فى أن يكون عكاشة صوت البسطاء، أقول لحضرتك إنه نموذج للإعلام الذى لا يفيد البلد فنستفيد.. أو حتى يضرها فنقف له بالمرصاد، لكنه يربكها وخلاص.. إعلام يزيد الأمور بلبلة ويحير العاديين فوق حيرتهم، إنه إعلام زنة اللمبة النيون وانت قاعد بتذاكر، سيكون من رابع المستحيلات أن تمنع عكاشة من الظهور وإذا فعلت سأتضامن معه ومع حقه فى التعبير عن نفسه لكن سيكون عليك أن تبذل جهدا مضاعفا فى اتخاذ إجراءات وقائية ضد ما يثيره من كركبة فى نفوس العاديين، سيكون واجبا عليك أن تتعامل مع المصب لا المنبع، تجاهل مثل هذه النماذج الإعلامية يزيدها حماسة، والسخرية منها يزيدها شعبية، ومواجهتها تزيدها بطولة.. وهنا تكمن المأساة. فى كل الأحوال سيكون عليك أن تتقى شر فكرة «التجاهل» فى كل ما يحدث من حولك، لن تستطيع أن تتجاهل كليبا على «يوتيوب» يكشف مشكلة فى قسم شرطة أو مستشفى حكومى أو تحقيقا صحفيا يكشف فساد مسؤول أو حتى كيس قمامة ملقى خارج الصندوق قد تمر به فى طريقك إلى أى مكان، لن تستطيع أن «تعمل نفسك من بنها»، أشدّد على فكرة أن الشعب لن يسمح لك بتجاهل صغائر الأمور، فما بالك بتجاهل غرق عبارة وحضور مباراة فى الاستاد؟ لدى شعبنا خبرة سيئة فى موضوع التجاهل ويشعر بحساسية مبالغة تجاهها، وإن كنا نضرب كفا بكف دهشة منها فى ما قبل ستجد كثيرين يرونها إهانة ربما تستحق أن يكون ضرب الكف بكف على مقربة من بيتك. عليك أن تكون فى غاية اليقظة حتى تستطيع أن تنام يوما. لن يغفر لك الناس أن يخبئ عنك رجالك مصيبة ما أو أن يزينوا لك الواقع، وسيبدأ منحنى حضورك فى الهبوط فى اليوم الذى سنجد فيه فى إحدى الصحف استغاثة موجهة إلى رئيس الجمهورية الأب ذى القلب الرحيم، فاستغاثة من هذا النوع لا يقدر عليها إلا الأثرياء ستثير الغضب وستعيدنا إلى نقطة الصفر، ومهمتك أن تكون ناجحا للدرجة التى تقى شر فضيحة مثل هذه فى الصفحات الأولى، قد يرضى منك الناس باعتراف بالتقصير ويمنحونك مهلة لعلاجه، قد يستجيبون لك إذا طلبت بنفسك مساعدة منهم فى علاج ما يشكون منه، لكنهم لن يقبلوا التجاهل بأى وضع، وكما تعرف فإن الملايين التى كانت فى التحرير أخدت تليفونات بعضها وعلى استعداد لأن يدعم بعضها بعضا فى أى وقت.. الأمر كله متوقف على رنة. قد تعتقد حضرتك أنى عشمان فى الشعب زيادة عن اللزوم وأفترض فيه ثورية عظيمة بينما هو غير ذلك، أقول لحضرتك إن من أراهن عليهم أنت تعرفهم جيدا ويعرفون أنفسهم، فهم طليعة هذا الشعب الذين قد يبدو أنهم متفرقون حاليا، لكنهم يتوحدون أسرع مما تظن، وأكيد حضرتك عارف. المهم ...... منافقو الصحف والإعلام مسؤولية حضرتك وأنت المسؤول عن دفع فاتورتهم، سيدفع المنافقون جزءا من الفاتورة بأن يفقدوا شعبيتهم بالتدريج، لكن حضرتك ستكون متهما بعودة النفاق إلى كل ما كان عليه أيام النظام السابق، ويا ويلك يا سواد ليل حضرتك مثلا إذا خرجت الصحف القومية يوما ما وفى صفحتها الأولى تهنئة للشعب بمناسبة عيد ميلاد السيد الرئيس مع صورة لك ومقال لرئيس التحرير موقع باسمه بأكبر بنط فى المطبعة يدعو لك أن تستقبل عامك الجديد بالرخاء والنعيم نفسه الذى يعيش فيه شعبك، لأنه يومها سيحتفل الشعب بعيد ميلادك على طريقته حيث سيشعل الشماريخ فى صينية ميدان التحرير وسيغنى لك أمام كاميرات العالم «كان يوم اسود يوم ما جيت». لذلك أقترح عليك يا سيادة الرئيس أن تغلق هذا الباب فى أول خطاب لك بأن تقول للعالم كله إنك «ساقط قيد». كفايه كده النهارده المصدر : جريده التحرير