إن مصر لم تشهد بعد ثورة 25 يناير تضارباً فى الأنباء بقدر ماتشهد هذا التضارب فى الفترة الحالية، بشأن حضور الرئيس السابق حسنى مبارك إلى المحكمة الأربعاء من عدمه.. فتضارب الأنباء تتسابق فيها جميع وسائل الإعلام، وتسبب فى ذلك، تضارب تصريحات المسئولين أنفسهم، من الكبير للصغير، سواء كان المسئول أمنياً، أو قضائياً، أو طبياً، ليكتنف الغموض على دخول مبارك قفص المحاكمة غداً. وسط هذا التضارب، تطفو على سطح القضية ثلاث احتمالات قد تمنع مبارك من حضور أولى جلسات محاكمته الأربعاء، ويتمثل الإحتمال الأول فى حالته الصحية التى يجب أن تكون مستقرة ولا يؤثر نقله من مكان محبسه، حتى مثوله فى قفص الاتهام خطورة على حياته. الحالة الثانية التى تمنح مبارك الحق فى عدم حضور المحاكمة، تتعلق بدواعٍ أمنية، فمن حق الجهات الأمنية أو وزير الداخلية أن يقرر عدم حضور متهم جلسات محاكمته، إذا كان حضوره يشكل خطورة علي حياته، أو احتمالية تعرض أهالي المجني عليهم للمتهم بتهديده بالقتل أو حتي إهانته. ختاماً للاحتمالات الثلاثة، فإن هيئة المحكمة لها الولاية في أن تقرر عدم حضور المتهم جلسات محاكمته إذا كان حضوره يؤثر علي سير عدالة المحاكمة. بالرد على الاحتمالات الثلاثة التى قد تحول دون حضور مبارك لجلسات محاكمته، فإن الاحتمال الأول المتعلق بحالته الصحية، يكمن الرد عليه بأن وزارة الصحة نفسها، قالت إن حالة مبارك الصحية مستقرة وأنه لايعانى سوى الاكتئاب، وأن التقارير الطبية تفيد بإمكانية نقله إلى مقر المحاكمة. فيما يتعلق بالاحتمال الثانى، والخاص بالدواعى الأمنية، فإن الرد عليه جاء على لسان اللواء منصور عيسوى وزير الداخلية الذى أكد أمس واليوم، أن هناك نحو 8 آلاف جندى من الجيش والشرطة مكلفون بحماية قاعة المحاكمة، منذ دخول المتهمين إلى أكاديمية الشرطة وحتى خروجهم، فضلاً عن مدرعات الجيش التى ستتمركز أمام وداخل الأكاديمية. اتصالاً بالاحتمالات الثلاثة، وتحديداً الثالث منها، والمتعلق بحق هيئة المحكمة فى أن تمنع حضور مبارك حفاظاً على سير العدالة، فإن التعقيب عليه- طبقاً لما قالته الجهات القضائية فى القضية مسبقاً- فإن مبارك هو الذى بنيت عليه قضية قتل المتظاهرين، خصوصاأن المحكمة ضمت حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق وستة من معاونيه لقضية مبارك، حتى يتسنى لهيئة المحكمة النظر فى القضية بحضور كافة الأطراف، وبالتالى فإن الاحتمالات الثلاثة التى تعطى الحق لمبارك فى الامتناع عن الحضور لايتوافر منها ركن واحد على الأقل، وبات حضور مبارك أمراً حتمياً..إلا إذا. لكن مجريات القضية منذ بدايتها كشفت عن أن مبارك نفسه، يوجد له مؤيدون يتحفظون علي رؤيته في قفص الاتهام، وآخرون يتهمونه بقتل ذويهم وتسببه فى إفساد الحياة السياسية، وهؤلاء ينتظرون بشغف رؤيته في القفص، وأن وجود الفريقين كل منهما متحفز ضد الآخر، ربما ينذر باشتباكات تؤثر علي المحكمة، فى حال صدق التوقعات واستقرار الأمر على حضور مبارك، ودخوله "القفص". لكن بعض خبراء القانون، من بينهم خالد أبو بكر عضو الاتحاد الدولي للمحامين، يرى أنه من الممكن أن يحاكم مبارك غيابيًا إذا اقتنعت المحكمة بأن حالته الصحيه لا تسمح بمثوله أمامها، وفي هذه الحالة سيكون السيناريو أن لا يسمع القاضي أي مرافعة لمحاميه- أى فريد الديب أو أى من المحامين ال50 الذى أعلنوا ترافعهم عن مبارك- وهنا سيصدر حكم غيابي علي المتهم دون مناقشة أى أدلة من قبل محاميه، بل ستري المحكمة الأوراق المقدمة وستحكم من واقعها، وقد يصل الحكم إلى الإعدام- طبقاً لرأى خالد أبو بكر- إلا فى حالة تنازل أصحاب الدعوى، وهم أسر الشهداء، عن القضية، وهنا يصدر حكماً بالبراءة على مبارك فى قضية قتل المتظاهرين، مع استمرار محاكمته فى باقى القضايا المتهم فيها. لكن توقعات خالد أبو بكر بشأن الحكم الغيابى على مبارك، مهما كان نوعه، قوبل برد من المستشار زكريا عبد العزيز رئيس محكمة الاستئناف الأسبق، الذى أكد أنه لا يجوز غياب مبارك عن جلسات محاكمته، وأنه فى حال صدور حكم غيابى عليه فإنه يعد "باطلاً"، حيث لا يوجد بدائل عن حضور مبارك شخصياً، ولا يجوز أن يطلب محاميه التأجيل أو الاعتذار عن عدم الحضور، إلا بناء على توكيل جديد وآخر مؤثق من الشهر العقارى بخلاف توكيل الدفاع عنه.