بدون شك وزارة الداخلية متورطة، فى أحداث موقعة الجمل الثانية بالعباسية، مساء السبت الماضى.. فحالة الغياب التام للشرطة عن المكان، وإن وجد الأمن المركزى الذى كان يسمح للبلطجية بالتعدى على المتظاهرين السلميين، هى تورط جديد للداخلية فى مساندة البلطجة ضد الثوار. فالداخلية ما زالت ترى نفسها، أنها فى حالة عداء مع الثورة، منذ أن انهارت، وتلقى أفرادها أوامر من وزيرها، وقياداتها الكبار المحبوسين، بالانسحاب من كل الشوارع، والمناطق، والحراسات، والأقسام. وما زال عدد من الضباط، لا يعملون.. وإن قاموا إلى عملهم ذهبوا كسالى. وما زال عدد من قيادات الداخلية فى عهد الوزير العادلى -الذى خربها- مسيطرين على الوزارة، وعقلها، ويحركونها كما يريدون هم، لا كما يريد الوزير منصور عيسوى. وما فعله الوزير عيسوى فيما قيل عنه حركة تطهير فى الداخلية، بين الضباط الكبار، لم يكن تطهيرا، ولا يحزنون، وإنما كان حركة داخلية عادية، وقد كانت كبيرة هذا العام فقط عن الأعوام السابقة، بل تم تكريم كل من خرجوا من الخدمة، ولم يتم إدانة ضابط واحد على ما ارتكبه من جرائم فى حق الشعب، والثوار.. بل إن الوزير فى البداية نقل الضباط المتهمين بقتل الثوار، فى محافظات مصر إلى الإدارات التى يرغبون فيها، وصدرت الحركة بذلك.. إلا أنه تراجع عن ذلك بعد أن تم كشف ذلك المخطط الغريب، فى حركة قيل عنها إنها حركة تطهير، فلم يوقفهم كما وعدت الحكومة من قبل، بل أتى بهم إلى ديوان عام الوزارة.. والله أعلم، هكذا قيل.. وربما تحدث أمور أخرى فى الأيام المقبلة. فالثقة أصبحت معدومة بين المواطنين، والوزير، وضباطه، الذين ما زالوا يعاندون.. ويريدون الرجوع إلى عملهم بهيبة، وهو ما لا يرفضه المواطنون.. لكن ما يرفضه المواطنون هو «الهيبة» التى يريدها هؤلاء الضباط المتمثلة فى التعدى، وضرب المواطنين، وإهدار كرامتهم فى الشارع، وفى أقسام الشرطة، كما كانوا يفعلون قبل الثورة. ومع هذا استمر الوزير عيسوى فى منصبه، فى حكومة الثورة الثانية. ويأتى مرة أخرى يوم موقعة الجمل بالعباسية، مساء السبت.. وكأن الوزير «شاهد ماشفش حاجة» فالسيد الوزير يعلم أن هناك مسيرة ستخرج فى هذا اليوم من التحرير، إلى مقر المجلس العسكرى.. وهى مسيرة معلنة. والسيد الوزير يعلم أيضا أن هناك بلطجية تم إعدادهم للتعرض لتلك المسيرة، وتحديدا عند ميدان العباسية، وعند مسجد النور، والشوارع المحيطة بهما. والسيد الوزير يعلم كذلك أن هناك فلول الحزب الوطنى، قد تحركت فى هذا الاتجاه، وأن هناك عضوا معينا كان ممثل الحزب «المنحل» فى مجلس الشعب «المنحل»، عن تلك الدائرة التى كان يحصل على مقعده فيها بالتزوير، كان يجمع البلطجية ويتم تسليحهم بالسنج، والسكاكين، لمواجهة المتظاهرين السلميين. ورغم علمه بذلك فضل الوزير أن لا يجلس فى مكتبه، لمتابعة الأحداث على الأقل.. وإنما ذهب فى التوقيت نفسه إلى احتفال حزب الحرية، والعدالة فى الفندق الفخم ليكون فى حضرة الإخوان ليجلس فى صالون خاص ملحق بالقاعة الكبرى لمدة تقرب من ساعة، مع قيادات الإخوان وحزبهم «طبعا لا فرق بين الحزب والجماعة». ويخرج من القاعة ممسكا بيد المرشد العام للإخوان، ويجلس بجواره لمدة تقرب من ساعة أخرى.. فى الوقت الذى كان فيه البلطجية يعتدون على المتظاهرين. وبالطبع لم يكن اللواء منصور عيسوى وحده فى الاحتفال، فقد حرص أيضا نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الحوار د.على السلمى بصحبة رئيسه السابق، والحالى وشريك البيزنس السياسى، والمالى الدكتور السيد البدوى.. فأين حواره الديمقراطى مع الشباب الذين خرجوا إلى الشارع فى مظاهرة سلمية، بعد أن طهقوا من الحكومة، والمجلس العسكرى، وسياساتهما التى لا يمكن وصفها إلا بأنها ضد الثورة والثوار؟! ومع هذا يخرج علينا الدكتور على السلمى بتصريحات غريبة حيث قال «إن ما حدث فى العباسية يخرج بالثورة المصرية الطاهرة النقية التى أذهلت العالم إلى انحرافات الطريق وبداية الدخول فى خلافات بين المصريين وبعضهم البعض وهذا آخر ما نتمناه، لأنه مرفوض». وهو كلام غريب لمسؤول أصبح كبيرا -للأسف- مسؤول عن الحوار الديمقراطى .. وربما يعفيه من ذلك أنه لم يكن من مؤيدى الثورة، وكان رافضا لها منذ اليوم الأول، فقد كان أحد المستفيدين مثله مثل رئيس حزبه السيد البدوى من النظام السابق، وأجهزته الأمنية. ويريد الآن أن يستفيد من المرحلة الحالية، وأن يجنى ثمارا لم يكن له أى دور فى زراعتها. إنهم غائبون .. ولا يهتمون بما يحدث.. وإنما همهم الأكبر أن يحصلوا على أكبر مكاسب شخصية .