الحياة اللندنية من الصعب قبول فكرة أن السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد توجه إلى مدينة حماة رغماً عن إرادة السلطات السورية ، فلو شاء السوريون لأوقفوا موكبه عند حاجز الجيش على مدخل المدينة ولأعادوه الى العاصمة , لكنهم سمحوا لفورد بالدخول لأسباب عدة ، أحدها بالطبع ما أورده بيان وزارة الخارجية السورية ، الذي إعتبر الزيارة « دليلاً واضحاً على تورط الولاياتالمتحدة في الاحداث الجارية في سورية ومحاولتها التحريض على تصعيد الأوضاع التي تخلّ بأمنها واستقرارها ». وفي الحقيقة فإن واشنطن تلعب لعبة خطرة بالنسبة إلى الوضع في سورية ، فهي تحاول جاهدة التوصل إلى تسوية بين النظام والمعارضة يتخلى فيها الأول عن بعض امتيازاته ويشرك بعض تيارات المعارضين في الحكومة وفي الإنتخابات البرلمانية ، مع تغيير في بعض المواقع القيادية في السلطة ، لكن من دون المس بأسس النظام نفسه والسفير الاميركي ، الذي يجري اتصالات مع مستشارين مقربين من الرئيس بشار الأسد هو الذي يتولى على ما يبدو المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين،أو بالأحرى الضغوط الأميركية على الجانبين ، ليقدما تنازلات تسهل مهمته ، ولهذا أطلقت المعارضة على يوم الجمعة الفائت «جمعة لا للحوار» ، في إشارة إلى رفضها المساعي الأميركية. وتقول أوساط مطلعة على موقف واشنطن ، إن هذه تريد تصديق الوعود بالإصلاح التي ينقلها فورد عن مستشاري الأسد ، لأنها ترغب في تجنب «حرب أهلية ثالثة» في المنطقة بعد ليبيا واليمن ، حيث لا يزال نظاما القذافي وعلي صالح يقاومان ويستخدمان أوراق قوة بحوزتهما ، من دون أن يكون للولايات المتحدة تأثير كبير في تغيير هذا الوضع ، ولأنها تعتقد أن إنهيار السلم الأهلي في سورية سيؤثر بشكل خطير على المنطقة كلها وربما دفع قوى إقليمية مثل تركيا وإيران إلى التدخل بشكل مباشر لحماية مصالحها ، ولأنها أخيراً مشغولة بهمومها الداخلية ، حيث إنطلقت عملياً حملات الإنتخابات الرئاسية مع القيود التي تفرضها على سياسات البيت الأبيض. ومن الواضح أن المعارضة السورية التي تدرك حدود الموقف الأميركي ، قررت أن تتصرف وفق ما تمليه مصلحتها هي ، أي مواصلة المواجهة مع النظام حتى اسقاطه. وكان أمس الأول أوضح تعبير عن إنعدام ثقتها بالحكم وبقدرته على التغيير الطوعي ، معتبرة أن أي إصلاح سيكون شكلياً إذا أبقى على التركيبة المختلة الحالية وعلى هيمنة حزب «البعث» والأجهزة الأمنية. الخارجية السورية أكدت أن تحرك السفير الأميركي لن يثني السلطات عن «مواصلة إتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بإستعادة الأمن والاستقرار في البلاد» ، جاعلة من حماة رهينة تنتظر التزام الاميركيين بالجانب المتعلق بهم من التسوية المقترحة، أي إستمرار إمتناعهم عن الدعوة الى رحيل النظام والرئيس ومواصلة الضغط على المعارضة، وإلا فإنهم يتحملون المسؤولية عما يمكن ان يجري في حماة وغيرها. وبالتأكيد فإن الحكم في دمشق يلعب على عامل الوقت لإنهاك المعارضة ومحاولة شقها ، عبر توجيه دعوات للحوار هدفها فقط تحسين صورته ، وهو سبق أن إستخدم هذا العامل للإخلال بوعود كثيرة أطلقها في السابق ، ليس للأميركيين وحدهم بل للأوروبيين أيضاً ، وخصوصا فرنسا ، وكذلك لدول عربية حاولت مساعدته على تخطي أزمة الثقة به دولياً واقليمياً , ولا شيء تغير اليوم يسمح بالاعتقاد بأن النظام السوري لن ينقلب على أي تسوية يصدقها الأمريكيون عندما يرى الظرف مناسباً.