ووجدت نفسي في حيرة شديدة فأنا الوحيد الذي استأمنتني ماجدة علي المكان الذي تقيم فيه.. وأنا الصديق القريب جدا من رئيس مباحث الجيزة الذي يصارحني هو الآخر بصعوبة موقفه لأن رؤساءه يطلبونه بسرعة ضبط واحضار ماجدة الخطيب.. وظل الصراع داخلي.. هل أخون صداقتي لماجدة الخطيب أم للرائد عمر الفرماوي.. أم ابتعد عن الاثنين معا؟!« بيني وبين ماجدة الخطيب سوء فهم.. لم ينته حتي ماتت! المتهمة كانت الفنانة ماجدة الخطيب! كنا حينئذ في النصف الثاني من الثمانينيات ولم يكن يمر يوم دون ان نلتقي سويا أنا وصديقي الرائد عمر الفرماوي برتبة اللواء الآن وفجأة وقع حادث اعتداء ماجدة الخطيب علي ضابط شرطة برتبة نقيب! وقع الحادث بعد منتصف الليل.. حدث خلاف بين ماجدة ورجل أعمال مشهور، كان بينهما وعد بالزواج ثم اختلف الاثنان، فذهبت ماجدة إلي ڤيلا رجل الاعمال للعتاب.. لكنها فوجئت بأنه أغلق الأبواب بالضبة والمفتاح، فإذا بماجدة تسب وتشتم وتحاول كسر باب الڤيلا لإجبار صاحبها علي الظهور واستقبالها، إلا أنه ركب رأسه وظل علي عناده! فجأة.. يمر ضابط الدورية الليلية فيتوقف امام الصخب والإزعاج والضوضاء ثم يأمر الفنانة ماجدة بالانصراف أو تحرير محضر بما تشاء، لكن ماجدة تبادره بألفاظ غير لائقة، وتثور في وجهه تطالبه بمغادرة المكان!.. شعر الضابط ان الواجب يحتم عليه تحرير محضر ضد الفنانة يتهمها فيه بالسب والقذف، لكن ماجدة تسرع إلي سيارتها وتدخلها في عصبية، يقترب منها الضابط فيفاجأ الجميع بانطلاق السيارة بسرعة جنونية صدمت الضابط واصابت ساقه بكسور وجروح اعجزته عن الحركة!.. لحظات وتبخرت سيارة الفنانة من المكان كله وسط ذهول المارة الذين تجمعوا في مكان الحادث. تنشر الصحافة الخبر بصورة مثيرة ومعه قرار النيابة بسرعة ضبط واحضار ماجدة الخطيب، وبدأت المعارضة تلمح إلي أن الشرطة تتعمد عدم القبض علي الفنانة، وبدأ الرأي العام يشكك بعد ان اختلطت الشائعات بالحقائق.. وذهب فريق ممن يدعون العلم ببواطن الأمور إلي أن شخصيات كبيرة تدخلت لعدم إلقاء القبض علي الفنانة، وان أمر الضبط والاحضار لو كان صدر ضد مواطن بسيط لعرفوا مكانه ولو كان في مخبأ لايصل إليه حتي الجن الأزرق.. ولا أعرف حتي الآن لماذا »الأزرق« بالذات! لم تكن ادعاءات المعارضة ولا شكوك الرأي العام ولا الشائعات التي انطلقت تمثل أي قدر من الحقيقة، فقد كنت أعلم مدي الجهد الجبار الذي يبذله الرائد عمر الفرماوي للوصول إلي مكان الفنانة المتهمة.. وكانت المفاجأة بعد ثلاثة أيام من الواقعة! زارني في أخبار اليوم صديق لي من اكبر المحامين في مصر بعد أن نشرت خبرا في الاخبار وحوارا مع الضابط المصاب.. ودعاني صديقي المحامي إلي ان نتناول الغداء معا في بيت صديق مشترك، لم أشعر بالراحة من الدعوة المفاجئة، خاصة وقد اعتدنا انا وصديقي المحامي علي تناول الغداء في مطعم أخبار اليوم الذي كان يمثل نصف الطابق الرابع!.. وتحت إلحاح الصديق ذهبت معه إلي حيث أراد، فإذا بي في منزل غريب ولايمت بصلة لصديقنا الثالث! لحظات.. ودخلت ماجدة الخطيب.. ودار حوار طويل انتهي برغبة الفنانة المتهمة في الصلح مع الضابط قبل ان تسلم نفسها!.. لحظات أخري وفهمت من ماجدة ان المطلوب مني التوسط في الصلح، خاصة وان علاقتي بالضابط المصاب وطيدة وتحكمها ثقة متبادلة! حاولت ان اتهرب من مسئولية الدور المطلوب، وظلت ماجدة تلح وترجوني التوسط باعتبار ان الصلح يعود بالفائدة عليها وعلي الضابط.. وهنا اقترحت عليها ان انقل للضابط فكرة الصلح وأمنحه تليفونها فإن وافق قام هو بالاتصال بها دون تدخل مني.. لكن ماجدة تنبهت إلي ان الضابط قد يجد حرجا في الاتصال، فاقترحت ان امنحها هي تليفونه.. ووافقت.. واسرعت بالاستئذان.. إلا أن ماجدة حرصت وهي تصافحني أن يظل أمر لقائي بها سرا.. ووعدتها! أصبحت في حيرة بالغة.. ماذا أفعل حينما التقي وصديقي رئيس المباحث في موعدنا المسائي؟! هل اخون صداقتي به واخفي عنه خبر اللقاء ومكان الفنانة المتهمة؟! أم اخون العهد والوعد وابلغ صديقي الضابط بما دار عصر هذا اليوم!.. وكان الحل الوحيد ألا أذهب في المساء إلي صديقي رئيس المباحث! الحادية عشرة مساء نفس اليوم كنت مع صديق عمري الرائد هارون محمد حسن رئيس مباحث قسم الشرابية في هذا الوقت.. وما ان استقبلني الرائد هارون حسن حتي بادرني قائلا: عرفت ان قضية ماجدة الخطيب خلصت! هي الآن موجودة في قسم الجيزة. اسقط في يدي.. استأذنت وانصرفت بسرعة إلي قسم الجيزة.. دخلت مكتب مأمور القسم وكان بالدور الأرضي لاعرف تفاصيل ما حدث قبل أن أصعد إلي المباحث بالطابق الثاني.. وبالفعل علمت ان الفنانة سقطت في كمين علي كورنيش النيل قبل ان تصل إلي موعد مهم كانت تحرص عليه ويتعلق بقضيتها، وكان تتبعها في نفس الوقت الرائد عمر الفرماوي بالملابس البلدية التي تنكر فيها حتي القي القبض عليها! اتصلت علي الفور بصديقي الفنان سلامة ضحا الذي كان يسكن بجوار القسم ولاتفارقه الكاميرا.. وفور وصوله صعدنا معا لنصور التحقيق مع ماجدة الخطيب وأنفرد بنشره صباح اليوم التالي في الأخبار.. نسيت كل الاعتبارات ولم يعد يشغلني سوي الواجب الصحفي! ورغم ثورة الفنانة ماجدة الخطيب بعد ان شاهدت كاميرا سلامة ضحا، ورغم تأييد وكيل النيابة لعدم تصويرها، إلا ان سلامة ضحا نجح في التقاط ثلاث صور مثيرة!.. وبينما طلبت من سلامة الاكتفاء بهذه الصور فوجئت بماجدة الخطيب تنهض من مكانها وتحدثني في عتاب مرير! كده برضه يارجب.. متشكرة جدا!! شعرت بما تقصده ماجدة، لقد ظنت انني وراء القبض عليها.. وقبل ان أرد طلب وكيل النيابة اخلاء الحجرة من الجميع فيما عدا المتهمة وأمين السر وهو! صباح اليوم التالي قدمت الموضوع الصحفي لجريدة الاخبار وتلقيت التهاني من زملائي، لكني في المساء فوجئت بأصدقاء لي يعرفون ماجدة الخطيب يلومونني لأني لم احترم وعدي لها!! الوحيد الذي صدقني ولم يتشكك في موقفي كان الرائد عمر الفرماوي، فهو الذي يعلم كيف توصلت تحرياته لمكان ماجدة الخطيب وكيف القي القبض عليها!.. وكان كلما رآني حزينا لأن الفنانة واصدقاءها فمهوني خطأ.. يقول لي ضاحكا: تستاهل.. ده ذنبي..!