فى اكثر من مقال، وأكثر من لقاء، تحدث الكاتب الكبير مصطفى أمين عن ابو الكاريكاتير المصرى عبد المنعم رخا، ومن هذه المقالات والأحاديث ونوجز كيف تعرف عليه، وكيف ارتبط به مهنيا ، وإنسانيا فهو يقول عرفت رخا منذ زمن طويل وكنت يومئذ ارتدى بنطلونا قصيرا، اما هو فكان لا يرتدى بنطلونا قصيرا. وكنت ارى صوره فى جميع المجلات ولست اعرف مصورا كاريكاتيريا رسم فى كل مجلة وجريدة صدرت فى مصر إلا محمد عبدالمنعم رخا، حتى كان فى وقت من الأوقات اشبه ببرنامج الراديو وبالألعاب الرياضية وأين تذهب هذا المساء وهى الابواب التى نجدها فى جميع الصحف بغير استثناء . وأول صورة اذكرها لرخا كانت فى عام 1927 وقد رسم شابا ممسكا بذراع فتاة وضع فيها رخا كل فنه وإبداعه، فوضع فى شفتيها خمرا وفى عينيها كهرباء وفى شعرها ذهبا وفى اسنانها لؤلؤا وفى نظراتها فتنة وإغراء، وهى تقول لصاحبها : "سيبنى احسن ماما تشوفنا".. فيقول لها الشاب: "قولى لها دا اخويا اصدرت مجلة اسمها "التلميذ" ليقرأها طلبة مدرسة الأوقاف الملكية التى كنت تلميذا بها". وفكرت فى ان استعين بمصور كريكاتيرى ليرسم لى فى هذه المجلة، فقررت ان استعين برخا.. وكنت احسبه رجلا مسنا له ذقن كذقن الفنانين وله رباط رقبة اسود ضخم. وكنت احسبه يشبه إلى حد ما رفائيل او ليوناردودافنشى.. ولكنى وجدته تلميذا مثلى تماما لا شارب له ولا ذقن ولا هو اصلع الرأس ولا يرتدى ثوب كهنوت.. نعم وجدته تلميذا مثلى تماما لا يمتاز إلا ببنطلون طويل! .. وتبينت انه ابن بلد فيه ظرف ابن البلد وطيبته وسذاجته وأحيانا بلاهته ! ولكنه فى الوقت نفسه في هو طنيت هو حماسته ولعلك تلاحظ ان خطوط رخا سميكة فهو يضغط على قلمه وهو يرسم ذلك انه يؤمن بما يرسم ويضغط على القلم كما يضغط الخطيب على كلماته التى يؤمن بها ليزيدها ايضاحا ووثوقا ولعل ابرز ما فى رخا وطنيته. إذا ذكر حادث 4 فبراير وغضبة مصر لها وإذا ذكرت ثورة مصر لطلب الجلاء فإن التاريخ يجب ان ينصف رخا ويقول ان صوره ورسومه قامت هى الأخرى بمظاهرات سالت فيها الدماء. دوت فيها الهتافات. وكانت فى بعض الأحيان اشد فتكا من القنابل التى ألقيت والرصاصات التى .!اطلقت هنا وهناك ولشدة اعتزاز مصطفى أمين وارتباطه برخا كتب له مقدمة كتابه" صور ضاحكة " التى يقول فيها : " تتنوع فى هذا الكتاب الصور من الضحك إلى الابتسام، ومن التهكم والسخرية، إلى الحزن والألم. هو صورة او بورتريه لشخصية مصر فى تلك الفترة. وهو ملىء بالنقد الاجتماعى والسياسى،وملىء ايضا بالتأمل الفلسفى من خلال .الكاريكاتير يتذكر مصطفى امين ما حدث بينه وبين رخا فى أول لقاء جمعهما: فيقول كان يوقفنى فى ذلك الوقت بعض رسوم وضحكات لرسام الكاريكاتير رخا ولماكن اعرف هل هو مصرى ام اجنبى. فقد كان اغلب رسامى الكاريكاتيرفى ذلك .الوقت فى مصر من الأجانب ذهبت إلى هناك وتصورت اننى سأرى رجلا كبيرا فى السن، وإذا بى افاجا بولد فى مثل سنى او يكبرنى بخمس سنوات. وقد تبينت انه ابن بلد. فيه ظرف ابن البلد وطيبتهوسذاجتهوأحيانا بلاهته. ولكنهفى الوقت نفسه في هو طنيته وحماسته واعتزازه بكرامته. فأعطيته افكارا لعدة صور كاريكاتيرية ليرسمهاوطل بتسعين قرشا ثمنا لها وطلب منى ان اعود فى اليوم التالى لأستلم الصور، فعدت واستلمتها. وبعد ساعتين ذهب اخى على امين إلى رخا يطلب الصور. ودهش رخا وقال له: ماذا جرى لك اننى اعطيتك الصور من ساعتين، وقال على إنه لميستلم الصور. وكادت تحدث مشادة إلى ان اكتشف رخا ان على امين هو اخى التوءم، وكنا فى تلك الأيام نشبه بعضنا شبها عجيبا. وبدأنا منذ ذلك اليوم صداقة حلوة دامت .العمركله وعن فترة عمل رخا فى روزاليوسف مع الأستاذ التابعى وروزاليوسف يقول مصطفى أمين : " زاد توزيع مجلة روز اليوسف عشرة أضعاف بسبب الكاريكاتير الذى كان يرسمه صاروخان ويضع فكرته الصحفى محمد التابعى. ومن بعد التابعى كنت أضع الفكرة، وحين أصبحت رئيس تحرير مجلة "الإثنين" التى تصدرها دار الهلال فى 19 مايو عام 1941تذكرت الفنان محمد عبد المنعم رخا الذى كان يقوم برسم غلاف مجلة التلميذ التى كنت أحررها وأنا طالب، استدعيته لكى يرسم المجلة وبعد أن كان يرسم صورة واحدة بدأ يرسم أكثر من عشر صور داخل العدد الواحد، وكان شرطى الوحيد أن يكون رسام مجلة " الإثنين " هو عبد المنعم رخا الذى رفض أن يعمل فى دار الهلال لأنها أساءت معاملته بعد خروجه من السجن. اتفقت معه على أن يعتبرنى أنا صاحب مجلة الاثنين ولا يعترف بإميل زيدان، مكث رخا يعمل معى أربع سنوات، وهو يرفض أن يصافح صاحب المجلة، وخلال هذه الفترة ً من الشخصيات ابتكرنا معا عددا الكاريكاتيرية منها شخصية " حمار أفندى " مؤيد الحكومة، و" غنى الحرب "، و" ابن البلد "، و" سكران باشا طينة ". وكانت كل هذه الشخصيات تصادر من قبل الرقيب لكن رخا وأنا معه لم نكن نيأس، وشهدت مجلة " الاثنين " فى تلك ً حيث لعبت ً خطيرا الفترة تحولا ً فى جذب ً بارزا ريشة رخا دورا المتلقى، واستمر هذا الإبداع حتى وقع الخلاف بينى ودار الهلال، وكان معنا أربعة من المحررين وهم: محمد على غريب، وعبد الصبور قابيل، ومحمد على ناصف، وتوفيق بحرى وهؤلاء هم المؤسسون الحقيقيون لأخبار اليوم معى وعلى أمين، وابتداء من عام 1944 بدأ ًفى ً وأسبوعيا رخا يرسم يوميا صحف ومجلات أخبار اليوم، وعلى صفحات تلك الصحف والمجلات ظهرت الشخصيات التى ابتكرناها فى مجلة " الاثنين "، وأصبح رخا مدرسة متكاملة تتلمذ فيها عشرات .التلاميذ مصطفى أمين من مقدمة »صور ضاحكة.