ما إن تحيط الأزمات الحربية بالعالم الإسلامي تاركة وراءها مظاهر الخراب والدم، حتى يتوق المسلمون للخلاص منها حكامًا ومحكومين، ولودفعهم ذلك للتوجه إلى "نهاية العالم"، واستحضار الأحاديث النبوية التى تناولت ما يقع من أحداث ملحمية بين يدى أشراط الساعة الكبرى. قام المسلمون بذلك عندما غزت رايات الصليبيين، وجحافل التتار أراضيهم بين القرنين الخامس والسابع الهجريين، ومع ظهور قوى الاستعمار خلال القرن التاسع عشر، والحربين العالميتين الأولى والثانية إبان القرن الماضى. وبالأمس عاد الحديث حول "بداية النهاية للعالم" مع تقدم قوات الرئيس السورى بشار الأسد لحصار مدينة "دابق" التى يسيطر تنظيم داعش الإرهابى، فى الوقت الذى زحفت قوات "درع الفرات" التركية من "الأعماق" حيث مدينة أنطاليا، ولكن ما صلة "دابق" و"الأعماق" بنهاية العالم؟ لقد ورد فى أحاديث منسوبة إلى النبى- صلى الله عليه وسلم - حول الفتن والملاحم التى تقوم بين قيام الساعة، والتى أوردها ابن كثير فى كتابه" البداية والنهاية" ففي صحيح مسلم :"لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق". و"دابق" و"الأعماق" موضعان بين سورياوتركيا، فالأولى تبعد 45 كم مترًا من حلب السورية، بينما تبعد "الأعماق" قرابة 15 كم من أنطاليا التركية. ومع صبيحة اليوم الأحد، تواجه الخصوم قوات "الأسد" و جيش "أردوغان" وميليشيات "داعش" الإرهابية، ولكل فى نفسه غاية يطلبها. والأسد الذى استطاعت قواته اليوم تحرير "دابق" من أيدى الدواعش، انتشى لهذا الانتصار، فقد سيطر علي المدينة قبيل أن يسبقه إليها الجيش الحر المدعوم من إردوغان بقوات "درع الفرات" وهو فى ذات الوقت نال أخيرا من حلب، تلك المدينة التى احرقتها قواته، بينما فشلت فى إحكام السيطرة عليها . "إردوغان" الذى أعلن بالأمس عزم قواته إنشاء منطقة عازلة بريف حلب بطول 5 آلاف كيلو متر، تكون "دابق" قاعدة لها، أكد قائلًا: "نحن نتقدم .. إلى أين؟ ..إلى دابق". "الحدود الآمنة من الإرهاب" ليست وحدها ما يرمى إليه إردوغان، فذلك الرجل الذى يحلو له أن يتسمى بالسلطان، يسعى لإعادة أمجاد الخلافة العثمانية التى سطرت أهم سطورها من "دابق" حيث نجحت فى ضم العالم الإسلامى إليها، حين تمكن السلطان العثمانى سليم الأول من هزيمة دولة المماليك بقيادة السلطان قنصوة الغورى فى معركة "مرج دابق" عام 1517م، لتدخل مصر والشام والحجاز و يعض بلاد المغرب العربى ضمن أراضى امبراطوريته الشاسعة. الرئيس التركى مزهوا بجيشه الذى قامت بعض فرقه وقواته بتدبير انقلاب فاشل على نظامه قبل ثلاثة أشهر، يرى نفسه جديرا بأن يكون "خليفة للمسلمين"، مستعينا على ذلك بالتدخل العسكرى فى سوريا انطلاقًا من "دابق" ومن العراق حيث معسكر "بعشيقة"، وأظهر نواياه حين تهجم على رئيس وزراء العراق حيدر العبادى، حيث أكد ضرورة اشراك تركيا فى حرب الموصل حتى رغما عن العراق ، فهو لا يأمن خطط الأمريكان فى تصورهم لشرق أوسط جديد تكون فيه دولة للأكراد. "داعش" التى سيطرت على "دابق" منذ أغسطس 2014، والتى منيت اليوم بضياعها على أيدى قوات الأسد، كانت ترى فى سيطرتها على المدينة اعتبارين، أولهما استراتيجى لموقع المدينة من حلب، والآخر عقائدى، حيث يعتبرون أن "دابق" بوابة نهاية العالم، حيث ستدور على أرضها رحى آخر المعارك بين الاسلام وقوى الكفر!! فالتنظيم الإرهابى المأجور الذى يتستر بشعار الإسلام ، يسعى من جهة أخرى لتحويل الدين الحنيف إلى دين القتل والذبح والدمار والإرهاب. وحين اشتد ساعد التنظيم فى الشام والعراق، أصدر مجلة أسماها "دابق" ، تيمنا بتلك المدينة، وبث خلالها وعيده وتهديده وصور قتله وذبحه والدمار الذى يتركه أينما حل. وعبر حسابات ميليشيات داعش على "فيسبوك" و"تويتر" فقد انهالت الدعوات كى يبايع المسلمون خليفتهم المجرم على الموت فى سبيل الحفاظ على "دابق" ، لدحر قوات الروم"التحالف الغربى للولايات المتحدة وحلفاءها من الأوروبيين" ، وصولا للمعركة الفاصلة التى سينتصر فيها المسلمون بقيادة المهدى المنتظر. حقا.. لقد أخبر الصادق المصدوق بعلامات الساعة وما بين يديها من فتن وملاحم، ومنها حديث "دابق" واقتتال المسلمين والروم بعد أن يتحاربا سويا فى سبيل الخلاص من عدو مشترك ، ثم ما يلبث أن يغدر الروم لتدور معركة فاصلة يكون النصر فيها حليفا للمسلمين ، ولكن الرسول أخبر أيضا بدعاة على أبواب جهنم، لا يحسبهم علماء الدين اليوم غير دعاة الإرهاب من الدواعش. وأخبر المعصوم أيضا فى سياق حديث "دابق" أن الله سيخسف الأرض بجيش كامل من العرب، ونسى هؤلاء الحمقى من دعاة الإرهاب أنهم إن بقوا حتى ذلك اليوم، فلن يخسف بأحد سواهم ، لتجنيهم على الدين الإسلامى الحنيف الذى أرسل الله به رسوله ليكون رحمة للعالمين .