لا يعد خفيا أن أحد أهم الحيل التي تستخدمها الحكومات والنظم السياسية، بل وبعض المؤسسات التجارية أيضا تتمثل في خلق حدث جدلي يجذب الأنظار ويشغل المتربصين لبعض الوقت، والذي يبدو للقلة من ذي الحكمة مفتعلا، ولم يعد مستبعدا الاستعانة بأي شخص أو جهة للمساهمة في ذلك مقابل منفعة متبادلة، لكن الأمر يبدو غريبا وعند الكثيرين غير مقبول أن تكون جوائز نوبل وخاصة الآداب جزءا من هذا، إلا أن الإثارة المتزايدة من مونرو إلي موديانو ثم أليكسيفيتش وأخيرا ديلان تشير لذلك بعدما اشتد الجدال والانقسام حوله خلال ساعات عبر الشبكة العنكبوتية وقبل أن تصدر صحف اليوم التالي. فكان الكاتب الباكستاني سليمان رشدي أول من أشاد باختيار ديلان عبر البي بي سي البريطانية حيث قال " من أورفيوس إلي فيض؛ بين الغناء والشعر رابط وثيق وتقليدي، ولا اعتبر اختياره خروجا عن الأعراف، ولكنه عودة للأصول، واعتراف بأن الفصل بينهما كان جائرا وغير مقبول"، وعقب الروائي الاسكتلندي" أرفين وولش" ساخرا منه " أنا معجب بديلان، ولكن نوبل للآداب لها خصوصية رغم ما يأخذ عليها من تحيز منذ سنوات، ولكنها أخذت تنحرف تماما في السنوات الأخيرة، وضاعفت من حزننا علي وداع داريو فو في صباح ذلك اليوم الغريب". استقبل الكاتب الأيرلندي "ديفيد نيكولاس" اتصال "الاندبندنت" به للتعليق علي نوبل كما اعتاد سنويا بالضحك الشديد " لا أعرف إن كنت سعيدا له أم لنفسي، فرغم أني من المؤيد لوجوده ضمن قائمة المرشحين منذ أكثر من عشرين عاما، ولكني لم أكن اتخيل وجوده بين القائمة النهائية، ولا أعرف كيف حدث هذا، أما سر ضحكاتي، فلأن أمرا غريبا حدث معي، حيث وصلتني رسالتان صباح اليوم واحدة من صديق يخبرني أن ديلان سيفوز بنوبل وأخري للمراهنة علي واحد من بين عشرة بينهم ديلان فأخترته وأنا علي يقين أني سأخسر، ولكني ويا لا عجب كما تري ربحت وفاز ديلان". وبدت المعركة أكثر شراسة عند الفينانشيال تايمز حيث وصف المحلل الصحفي "جون براون" اختيار ديلان بالجنوني وأن خللا أصاب لجنة آداب نوبل 2016 صباح اليوم وجعلها تغيرت وجهتها، "فكل هذه القراءة والفحص يكون نتاجه ديلان، لا أعتقد أن هناك شيئا يقرأ، لابد وأنهم غيروا عاداتهم واستبدلوا القراءة بالاستماع وربما المشاهدة وأثرهم عذوبة وجاذبية صوته، لا أعتقد أني سانتظر نوبل للآداب بعد الآن، فهناك جوائز أخري تستحق والاحترام والاهتمام أكثر، أما فيما يخص ديلان فهو يستحق أهم الجوائز والأوسمة طالما جعل الجماهير تحترمه وتعشقه". وبعبارة تحمل أكثر من معني أشاد الكاتب الصحفي "إلياس لايت" باختيار ديلان " انطباعي الأول أن الاختيار شعبيا جيد نظرا لان العامة وخاصة الفقراء في أمريكا والعالم وهم كثر سيرضيهم ذلك، أكاديميا جيد أيضا لأن هناك اختلافا حول ما كان ما يكتب ليغني شعرا أم لا ولكنه مؤشر علي أن الأكاديمية وخبراء أصبحوا أقل صرامة مع القواعد والأعراف، ولكن ما يدهشني أن القائمة القصيرة التي كان منوطا أن تختار من بينها اللجنة والتي احتفظت بها حتي يعلن عن اسم الفائز، ونشرتها النيويورك تايمز منذ دقائق كانت تضم الكيني "واثيونجو" في المقدمة ثم السوري "أدونيس"، فالياباني "موراكامي"، يليهم الأمريكيان "فيليب روث" و"دون ديليلو" علي الترتيب بحسب التصويت قبل الأخير، فمن أين جاء ديلان ، وهل يحق للجنة الخبراء اختيار الفائز من خارج القائمة القصيرة". بينما كان الناقد الانجليزي الشاب " تيم ستانلي" أول من كتب عن ديلان وفوزه بالتلجراف وكان الأكثر سخرية حتي كتابة هذه السطور؛ "لما لا؟ فلا عجب لأكاديمية منحت هنري كسينجر جائزة في السلام أن تعطي جائزة الآداب لشخص لم يسهم في الأدب بكلمة واحدة، فلا شك أن بوب ديلان فنان شعبي كبير، بل وربما أعظم من هم علي قيد الحياة، ولا شك أيضا أنه محبوب، ولكن الجائزة لا تمنح علي أساس ما يحبه الناس، وإلا ما آلت لدوريس ليسينج فهي كاتبة ماهرة ولكنها شخصية غير محبوبة، لا أعرف ما الذي سينتهي به مطاف هذه الجائزة، ولا عجب إن منحت عام 2025 لدونالد ترامب لكتابته بعض قصائد في صباه". وبرؤية مختلفة تماما كتب "إريك زورين" في شيكاغو تريبيان فقال" إن اختيار ديلان الغريب من قبل الأكاديمية السويدية وراءه فكر عميق استعادت به جزءا هاما من الرؤية المفقودة، حيث كانت فيما مضي تبحث عن أكثر من يؤثرون في اللغة أدبيا وشعبيا معا ويحقق المعادلة الصعبة، ومن أمثال هؤلاء " وليم فولكنر، إرنست همنغواي، جون شتاينبك، سول بيلو، وأري أن بوب ديلان من هؤلاء، وأن فوزه بنوبل سيؤثر كثيرا في رؤية خبراء اللغة قبل غيرهم للغة الانجليزية ولفكرة كيفية تعزيز اللغة لدي الشعوب كجزء من التراث والهوية، ويسهم في الحفاظ علي الموروثات الشعبية بربط اللغة بها وخلق تقارب بين مستويات اللغة مستخدمة في الأوساط الأدبية ونظيرتها التي يستخدمها العامة". في حين تعجب "برنو ليسبرت" في اللوموند الفرنسية من اختيار ديلان بل واحتج ساخرا "عجبا، كانت آخر مرة أعلن فيها عن فوز كاتب بنوبل يوم 13 أكتوبر لهارولد بنتر وقبلها لتوني موريسون وقبلها أيضا لماركيز، ألا يعد هذا مؤشرا للانحدار الذي نعيشه هذه الفترة، ولا أقصد بالطبع التقليل من شأن ديلان ولكن الأمر يتعلق بالمعني والمضمون، فلا خلاف علي قيمة وقدر مانديلا زعيم أفريقيا أو العالم جودين فهل يصح أن أمنح أي منهما جائزة أو وساما في الآداب، لا أظن أن أحدا يؤيد ذلك إلا عندما تهتز المعايير أو تنتحر وتنعدم، ولا أظن أن سفيتلانا أو بوب الجليلين سيكونان آخر علامات التعجب، بل أولها، ولا عجب أن تحصل أحد فتيات الجيشة علي الجائزة في السنوات القادمة، فما تمارسه نوع من الأدب أيضا".