أكد المشاركون في مؤتمر القصة في الآداب الشرقية، علي ضرورة الاهتمام بترجمة أهم الأعمال في الآداب الشرقية» الأدب العبري الذي يجسد صورة المجتمع الإسرائيلي، ونقاط ضعفه وقوته، والأدب الإيراني لاجلاء هذا الجانب المبهم في المجتمع الإيراني ذي التوجهات المعادية للعرب، والتي ظهرت مؤخرا في الحروب التي تقوم بها ايران داخل الدول العربية. كما أكدوا علي ترجمة كافة المؤلفات باللغات الشرقية، علي أن تتضمن الترجمات شروحا وتفسيرات لأهم المصطلحات الواردة في الأعمال الأدبية، دراسة الموضوعات النقدية الحديثة في الأعمال الأدبية الشرقية بما في ذلك التناص وآليات السرد، وابراز التأثير العربي علي مدار العصور في الآداب الشرقية المختلفة. وطالبوا بمخاطبة الجهات المعنية، وعلي رأسها وزارة التعليم العالي لتشجيع عقد مؤتمرات علمية دولية لما لها من أهمية بالغة في جمع الباحثين المصريين والعرب علي فكر ينشد التسامح والسلام، فضلا عن زيادة الوعي بين الباحثين الشباب المتخصصين في الآداب الشرقية لتناول الأعمال الأدبية: العبرية والفارسية والتركية والأوردية، وغيرها التي تعكس أفكار أصحاب هذه المؤلفات وما تتخللها بين ثناياالنصوص من رؤي، وما تجسده من مناورات ومؤامرات تحك بالأمة العربية، مع الاهتمام بالأعمال الأدبية العبرية، والتي يكتبها أدباء 1948. وحرص المشاركون في نهاية مؤتمرهم - أيضا- علي مخاطبة المركز القومي للترجمة لترجمة الأعمال الإبداعية والنقدية العبرية، لأنها اللغة الوحيدة التي لاتتم الترجمة منها إلي اللغة العربية. وأوصوا باقامة مؤتمر خاص بالدراسات المستقبلية الإسرائيلية التي تغيرت وتبدلت وفق المناورات التي قامت بها قواتنا المسلحة العظيمة ومخابراتها القوية في خداع إسرائيل منذ حرب اكتوبر 1973 حتي اليوم، تلك الدراسات المستقبلية ذات الأبعاد الاستراتيجية والتي تذخر بها المكتبة في العديد من مراكز البحوث الإسرائيلية، ويتباري علي اعدادها الخبراء والعسكريون ورجال المخابرات ومنها: استراتيجية اسرائيل لعام 2020، والتي أشرف عليها عاموس يديلين، رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، ورئيس معهد الأمن القومي في اسرائيل، واستراتيجية اسرائيل لعام 2028 وغيرها من الدراسات المستقبلية، وصدر مؤخرا استراتيجية الجيش الإسرائيلي لعام 2016، ولم يستبعد فيها عاموس يديلين عن مواجهة عسكرية مع دول عربية مثل سوريا ومصر والسعودية. وأكد المشاركون علي أن يجمع الباحثون في حقل الدراسات العبرية واليهودية بشكل عام والدينية منها بشكل خاص علي بيان فساد التدخل البشري لعلماء بني اسرائيل باختلاقهم لتراث مزيف قائم علي الكراهية والعنصرية والعدوان بهدف التميز والسيطرة علي العالم، ومحاولة الباحثين للوصول للأصل الذي يجب أن يكون عليه الأمر وعرضه في ضوء ما تبقي من التراث اليهودي من ايجابيات تتفق مع ما جاء في المصادر الإسلامية. وكان مؤتمر القصة في الآداب الشرقية، والذي نظمه مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة برئاسة الدكتورة نجلاء رأفت سالم، قد أقام فعالياته علي مدار يوم واحد (الاسبوع الماضي) بالتعاون مع جمعية خريجي أقسام اللغات الشرقية بالجامعات المصرية، بمقر المركز بشارع مراد بالجيزة. وعلي مدار ست جلسات تم مناقشة مباحث فرعية تناولت القضية الرئيسية للمؤتمر وهي (القصة)، ففي الجلسة الأولي التي رأسها الدكتور زين العابدين محمود أبوخضرة، قدمت د. هويدا عزت محمد (آداب المنوفية)، بحثا عن الرواية النسائية في ايران المعاصرة، أشارت فيه إلي ظهور أديبات عديدات كان لهن الحضور الفعال في الساحة الأدبية وحققت أعمالهن رواجا كبيرا فاق في بعض الأحيان ما حققه الانتاج الأدبي للأدباء الايرانيين، ولفتت د. هويدا أن المرأة صارت أكثر جرأة من ذي قبل في التعبير عما يختلج بداخلها، وتطرقت بالحديث حول أفكار لم يكن يسمح لها بها من قبل، وأن رواية (بامداد خمار) للأديبة فاطمة حاج سيد جوادي، التي نشرت عام 1998، هي أول رواية نسائية تحقق انتشارا واسعا، وتناولتإأحدي الأفكار الغريبة علي المجتمع الإيراني آنذاك وهي أحقية المرأة في الانفصال عن زوجها، وتركه، حيث خرجت بطلتها من حالة الخنوع والاستسلام لتدخل في حالة من التمرد علي ثقافتها البيئية، وأوضحت د. هويدا أن ثمة أعمال أدبية نسوية أخري تبعت هذه الرواية في جرأتها، ليتناول الخطاب النسوي المعاصر في إيران عن مجموعة من القضايا الذاتية بجانب القضايا الاجتماعية والسياسية. وفي ذات الجلسة تحدث د. خالد مصطفي هاشم (آداب سوهاج) عن التوظيف الفني للقصص الديني اليهودي في تأصيل فكرة (اختيار اسرائيل)، أوضح ان مفهوم اختيار اسرائيل في الفكر الديني اليهودي إلي اصطفاء بني اسرائيل من لدن الخالق بوصفهم شعبه الخاص وجماعته المقدسة، حيث غدا ذلك المفهوم عبر طبقات الفكر اليهودي في اطاراته الزمكانية المتعددة إحدي البني التحتية للديانة اليهودية، وبات عقيدة مؤسسة نهضت عليها غيرها من العقائد الأخري، وأن استحقاقات الشعب المختار، اقتضت اقتطاع أرض معينة كملكية خاصة وميراث أبدي لجماعة اسرائيل فيما عرف بالعهد، كما اقتضت العناية الإلهية الخاصة بتلك الجماعة تقرير مصيرها وجمع أشتاتها من أرجاء المعمورة وردها إلي أرضها المقدسة وهو ما عبرت عنه عقيدة (الخلاص). وأوضح د. خالد أنه لم يقف مفهوم الاختيار عند حدود التصور الذهني والاعتقاد فحسب، بل تعدي حدوده النظرية، إلي مجالات الممارسة والتطبيق وأفضي إلي الفصل والتميز بين الإسرائيليين والأغيار في شتي مناحي الحياة هذا وقد اهتم الخطاب الديني اليهودي بتسويغ وترسيخ ذلك الاعتقاد في الوجدان اليهودي. واستعرضت د. جيهان صلاح الدين (آداب عين شمس) تيار الوعي من خلال المجموعة القصصية (دوسرا دروازه - الباب الآخر) للكاتبة الباكستانية (بانوقدسية)، فأوضحت أن قصص تيار الوعي تمثل نوعا من القصص يركز فيه أساسا علي ارتياد مستويات ما قبل الكلام من الوعي بهدف الكشف عن الكيان النفسي للشخصيات، وتعتبر د. جيهان الكاتبة (بانو قدسية) من الكتاب الذين استحدثوا أشكالا جدية في القصة الأردية القصيرة، فاستطاعت أن تتعمق في توظيف تكنيكات تيار الوعي. وعن شعرية اللغة في القصة القصيرة عند الأديب التركي (رفعت إيلغاز)، قدم د. حمدي عبداللطيف (آداب سوهاج) دراسة في مجموعته القصصية (دون كيشوت في استانبول)، وفي دراسته قام د. حمدي بالكشف عن آليات كثافة اللغة داخل نماذج من القصة القصيرة ل (رفعت إيلغاز) من خلال ما قدمه الكاتب من أجواء تعبيرية ورمزية داخل قصصه سواء علي صعيد الجملة التي تنتج صورا ومجازات أو علي صعيد الدلالة العامة التي تنتجها القصة كلها. ومن جانبها تناولت د. أمل رفعت (آداب القاهرة) الخلفية الدينية لأدب الكاتب الياباني (أكتاجوا ريونوسوكي)، متخذة قصة(خيط العنكبوت) نموذجا وفي البداية أشارت إلي أن هذا النوع من الأدب له نزعة فلسفية ودينية، وهو يمتاز في كثير من الأحيان بالمواراة، وأوضحت أن الكاتب أكتاجاوار يونوسيكيه 1892/1927)، قد تأثر بالقصص الشعبية من القرن الثاني عشر واستقي منها قصصه القصيرة، وبالرغم من بساطة اسلوبه ووضوحه إلا أن قصصه تمتاز بالطابع الفلسفي، وعمقها العقائدي، كان سببا من أسباب شهرته في العصر الحديث الأمر الذي دفع المخرج الياباني الشهير (كوروساوا أكير) تحويل بعض من قصصه إلي أفلام قصيرة، وقامت د. أمل بتحليل قصته (خيط العنكبوت) نشرت عام 1918 كنموذج للروائي ذي الخلفية العقائدية البوذية. ولم يفت د. هبه صلاح رمضان (ألسن- عين شمس) أن تقدم صورة المرأة التركية في المجموعة القصصية، مشيرة إلي أن انقلابي عام 1960، 1971 قد ولدا نزعات أيديولوجية عميقة، كان لها تأثير كبير علي الحياة في المجتمع التركي، وقد اختارت د. هبة المجموعة القصصية (تحت الرماد) للكاتبة (نزيهة مريتش) مثالا لهذا التأثير، فقد عكست الكاتبة من خلالها مجموعتها القصصية، أثر تلك النزعات علي الحياة الاجتماعية في مجموعتها التي صدرت عام 1979، وفيها وصفت وحللت واقع المرأة المعاصرة، وتناولت فيها قضايا المرأة المحبطة نتيجة الضغوط الاجتماعية، وذلك بوعي امرأة مبدعة. وعن البنية الميثولوجية للقصة التوراتية شاركت د. راوية زغموشي (جامعة الأمير عبدالقادر الاسلامية - الجزائر)، ببحث تناولت فيه قصة الخلق أنموذجا)، أشارت فيه إلي أن قصة الخلق التي تتصدر سفر التكوين، تعتبر أول وأهم قصة في التوراة لأنها تحكي وتؤرخ لبداية هذا الكون، وكيف نشأ، وكيف أن هذه القصة في اسلوب صياغتها ومنطقها وترتيبها وتفاصيل أحداثها بأساطير الخلق السومرية والبابلية (الإينوما أليش والكنعانية، والتي تندرج كلها في اطار تراث الشرق القديم موطن ميلاد الديانة اليهودية، وأكدت د. راوية أن مجرد اجراء عملية مقارنة بسيطة مثلا بين القصة كما وردت في سفر التكوين وبين «الإينوما أليش» يوضح مدي التشابه الكبيربينهما وبين البنية الاسطورية للقصة. الأدب الرؤوي في سفر وصايا الأسباط.. عنوان ورقة بحثية للدكتورة رئيسة جميل (جامعة الأزهر)، أوضحت فيه أن سفر وصايا الأسباط يعد من الكتابات الرؤوية التي ظهرت في الفترة ما بين 210 ق. م/ 200 م، إثر ظهور اليهودية الهللينية والتأثيرات السياسية في ذلك الوقت، في المقابل كانت هناك طبقة لم تتأثر بالثقافة الهللينية، بغضت أي علاقة بالوثنية، وقد انقسمت هذه الطبقة إلي فرق تدعي كل فرقة إنها الأمثل والأشد تمسكا بأصول الدين اليهودي، كان منهم الكتبة الذين تكون منهم الفريسيين - المنعزلون- والحسيديين الذين كانوا يمثلون رجال الدين، وقد تكون منهم الأسينين الذين ابتعدوا تدريجيا عن الحياة العامة فقادتهم مشاعرهم أن يروا رؤي ويحلموا أحلاما سجلوها في أسفار أدرجت ضمت الأسفار الخارجية للعهد القديم، عرفت باسم الأسفار الرؤوية التي من بينها سفر وصايا الأسباط. وأوضحت د. رئيسة أن هذا السفر نسج علي منوال أقوال يعقوب لأبنائه قبل وفاته، وفيه تخيل الكاتب أن كل واحد من أبناء يعقوب الاثني عشر، جمع أولاده وأحفاده، وعهد إليهم بوصيته الأخيرة والوصايا في شكل نصائح أدبية تعليمية تسير علي نهج قصص التوراة. واهتم د. مصطفي عبدالمعبود (آداب القاهرة) ببيان أثر تأويل الحاخامات لقصص الغدر والخيانة في التراث اليهودي في واقع اليهود المعاصر، واختار قصة يعقوب نموذجا، فأوضح أن التراث اليهودي يضم مجموعة من القصص ارتبط معظمها بالهدف الديني الوعظي التعليمي الذي تظهر فيه قدرة الرب وقوته، ويظهر ذلك في قصة نوح والطوفان، ثم قصص الآباء بالمفهوم اليهودي، ابراهيم واسحاق ويعقوب والأسباط خاصة يوسف، ثم قصص الأنبياء بداية من موسي ويوشع إلي عزرا ونحميا وملاخي. وأكد د. مصطفي أنه اذا كان الإطار العام لهذه القصص هو الهدف الديني، فإن مضامينها تتباين في توضيح الهدف، فمنها ما تتجلي فيه القدرة الإلهية بوضوح كقصة الخلق، وحادثة الطوفان، ومنها ما يبدو الهدف فيها غامضا ويحتاج إلي تفسير لاظهار القدرة الإلهية فيه، ومثل هذه القصص في النوع الأخير تبدو فيها أركان الغدر والخيانة واضحة لتحايل أبطالها سواء علي الشرائع أو الأعراف والتقاليد لأخذ ما ليس لهم حق فيه وسلب ونهب. وقدم د. مصطفي قصة يعقوب وتحايله مع أمه (رفقة) علي أبيه اسحاق لسرقة بكورية عيسو وبركة أبيه (نموذجا)، وهنا تبدو أهمية دور رجال الدين في تفسيرهم وتأويلهم لهذه القصص وأهدافها.