عاشقة للنيل وللنخيل، وللأرض التي تطرح الثمار، مفتونة بالطمي الولاد، وبالأولاد السمر الموطنين علي صناعة المستحيل، لذا جاءت معاركها وصداماتها مع كل من يحاول النيل من قيمها التي تشبثت بها حتي اللحظة الأخيرة من حياتها المديدة، وذلك هو سر صلابة المفكرة الأديبة الراحلة د.نعمات أحمد فؤاد، التي أبحر بها زورق العمر بعيداً، نحو أرض الغروب، لتودع دنيانا، بعد ان ظلت طوال حياتها حصناً من حصون الذاكرة، وقد جاءت مواقفها الشجاعة دفاعاً عن هضبة الأهرام، وعن نهر النيل، وعن قبة الحسين وعن سائر آثارنا التي ظن البعض انها نهب مستباح، لن يتذكرها أحد، ولن يدافع عنها مدافع، كعلامات علي طريق المخلصين الذين أحبوا هذا البلد، وانتدبوا أنفسهم للدفاع عنه، غير قابلين للمساومات، ومحاولات التفريط، عدد من المفكرين والأدباء والمؤرخين يقرأ معنا مسيرة الراحلة الكريمة، ومواقفها الشجاعة، وكتبها التي تضيء للأجيال طريق الإخلاص. في البداية تقول الناقدة د. أماني فؤاد: نعمات فؤاد وأمينة السعيد وسهير القلماوي هن رموز للفكر النسائي في فترة القرن العشرين في مصر ولم يكن في حاجة للتحدث عن حقوق المرأة لأنهن بالفعل استطعن ان يثبتن وجودهن في المجتمع المصري في الحياة والسلوك والمنتج المعرفي والاجتماعي استطعن ان يتواصلن مع المجتمع وكن من قادة الفكر في هذا القرن، كما أن د. نعمات أحمد فؤاد كانت من الشخصيات التي تعتز جداً بالتراث الفرعوني، وآمنت بأن الشخصية المصرية ميزتها الأساسية، هي تواصل الحضارات للثقافة الممتدة من العصر الفرعوني مروراً بالعصر القبطي ثم العصر الاسلامي، وقد كان لها طرح في منتهي الذكاء والطرافة عندما سألت عن أن ترانيم الكنيسة المصرية تأخذ جوائز باستمرار علي مستوي كنائس العالم، فقالت لهم ان سمة ترانيم الكنيسة المصرية الأصول الموسيقية مأخوذة من ترانيم المعابد الفرعونية، وأن السمة الرئيسية التي جعلت القراءات القرآنية في مصر متميزة عن أية قراءات اخري هي أنها اكتسبت بعض المقامات وطابع الكنيسة المصرية، إذن هناك تواصل بين ترانيم المعبد الفرعوني مع ترانيم الكنيسة المصرية مع القراءات القرآنية، وقالت أن سمة الشخصية المصرية فيها تواصل بين الحضارات واندماج الثقافات علي هذا النحو وتضيف أماني: د. نعمات فؤاد كانت تضع نفسها - وهي تستحق - في مصاف قادة الدولة، وأتذكر أنها دخلت في معارك ضارية مع الزعيم الراحل انور السادات بسبب هضبة الأهرام وأصرت علي ألا يقام المشروع، وأن تظل الأهرام بعيدة عن أي نوع من الاستغلال الذي سيضر بالأثر الفرعوني، وقد نأت بنفسها طول الوقت عن أن تعمل في جامعة، وإذا عملت كانت تعمل كأستاذ زائر، وهذا تفضل منها، كما أنها نأت بنفسها أن تطلب شيئا، وهذا منتهي الزهد والترفع في العلم، ونادر أن نجد في العصر الذي نعيشه مثل هذا الرقي في العلم والعلماء، كما عاشقة للنيل ولديها كتاب بعنوان (النيل)، قد تتبعت فيه النهر من أول تاريخه واثره في الشخصية المصرية ومنابعه ورحلته وكان كتاباً في منتهي الطرافة، وكأن النيل معادل موضوعي لشخصيتها هي لأنها كانت فيها قوة وعنفوان النيل عندما يفيض، وعندما يكون بالغ الخصوبة. وتضيف الناقدة المتميزة بقولها: نقدياً من الأساليب المميزة الابداعية أسلوب نعمات فؤاد لأن جملتها فيها نوع من الرصانة، وفي نفس الوقت كأن فيها طاقة شعرية، كما ان الجملة لا تتخلي عن مفهومها المعرفي، إذن لديها القدرة أن تكون جملتها فيها الجانب المعرفي بطريقة عميقة وقوية، كما أن لديها القدرة علي إعطاء القيم الجمالية للغة من خلال كتبها الإبداعية، كما أنها كانت مؤمنة بالتواصل، وحدث ذلك من خلال كتابها الشهير »إلي ابنتي» التي نقلت لها خلاله كل الخبرات التي عاشتها في الحياة، وكأنك تصنعين »إيزيس المصرية» وهي تهب المعرفة إلي جيل آخر تتواصل معه، وتنقل اليه خبراتها، إنها سيدة من علامات القيادة النسائية نفخر أنها كانت موجودة وستظل في الوجدان والأدب المصري وإنها كانت من قوة الشخصية وقوة الاداء الإبداعي، وسيظل أسلوبها ذا بصمة في الحياة المصرية. أما الناقد د. مدحت الجيار فيقول: د. نعمات أحمد فؤاد أضافت الاهتمام بالتاريخ والحضارة المصرية، كما أضافت الاهتمام بالمدارس المصرية الأصيلة في النقد الادبي أو في الثقافة بوجه عام، وهذا واضح من المؤلفات التي تركتها والمعارك التي خاضتها للاحتفاظ بالهوية المصرية والتراث المصري، مثلما حدث بالنسبة لمعركتها حول هضبة الاهرام، ورفضها قيام أية مشروعات استثمارية عليها حفاظاً علي آثار مصر القريبة منها بالاضافة إلي انها كانت تهتم بالقضايا العامة في كتاباتها الصحفية، كما أن بعض مؤلفاتها حلت بعض القضايا القومية ودافعت عن مصر في وقت كانت تعاني فيه من مشكلات كثيرة، ويضيف الجيار قائلا: أضاف إليَّ الكثير كتابها عن ابراهيم عبدالقادر المازني، وكنت أعد لرسالة الماجستير، رحم الله د. نعمات، كانت نموذجاً طيباً للمرأة المصرية التي تشارك في العمل العام دون أن يكون لها مطامع شخصية. الشخصية المصرية ويقول المحقق والمؤرخ د. أيمن فؤاد سيد رئيس الجمعية التاريخية المصرية: من أهم أعمال د. نعمات فؤاد كتابها عن النيل وكان هذا كتاباً يمثل عودة إلي الإصالة والقيم التي تستشعر ضمير المصريين، وبالتأكيد النيل هو أحد الروافد الأصيلة في تكوين الشخصية المصرية، فهو يعتبر من العلامات بالاضافة إلي معركتها في الفترة المتأخرة، والصراع الذي قام بينها وبين وزارة الثقافة حول هضبة الأهرام للمحافظة علي طبيعة المكان وعدم الخضوع لفكرة الاستثمار التي كانت شائعة في هذه الفترة، وهذه كانت مرحلة حاسمة في تاريخ مصر، كما أنه كان لها اهتمام خاص بمكونات الشخصية المصرية فلها كتاب عن أم كلثوم وعن العلامات البارزة في تاريخ مصر. الهوية المصرية وفي الختام تقول الناقدة د. هويدا صالح: أنا أنظر الي د. نعمات فؤاد بقراءة مغايرة، التكوين الثقافي كله كان تقريباً في الأربعينيات أي في الفترة الملكية، والثورة أتاحت مجانية التعليم، ولكن (نعمات) كان تكوينها الثقافي حتي» الماجستير والدكتوراه تقريباً قبل ثورة 1952، وبعدها بقليل وبرغم أنها صعيدية وقادمة من المنيا إلا ان منجزها يجعلنا نقول إن المرأة في أحلك الظروف في وقت مبكر استطاعت أن تواصل مشوارها العلمي حتي تصل إلي هذه المكانة وتضيف هويدا قائلة: وهكذا نري كيف دعمتها الأسرة وكيف آمن المجتمع بقدراتها في ظل الدعاوي التي تنادي بعودة المرأة إلي المنزل، منذ 60 عاماً كانت البنات يجدن لهن مكانة، وهذا يستحق الاشادة كما أن الحس الوطني لنعمات جعلها تفتح موضوعات وملفات تخص الهوية الوطنية، وخاصة الثقافة المصرية والنيل وارتباطنا بالعمق الافريقي، والدفاع عن القضايا المصرية، فهذا يثبت أنها آمنت بدور المثقف، ودافعت عن الهوية المصرية، وهذا يجعل ذاكرة المجتمع تحفظه وتثمن جهده وليس المثقف الذي لا يتفاعل مع المجتمع، والقضايا التي طرحتها بالفعل هي قضايا ثقافية تصب في صميم أولويات الوطن، هذه السيدة في الحقيقة محتاجة إلي قراءة مغايرة لا تقتصر علي دورها في الأدب العربي، فقط ولكن علي دورها في الثقافة والهوية المصرية الحراك المجتمعي التي كانت تقوم به من خلال كل ما يهم الدولة المصرية.