احتفل بيت الشعر، الأحد الماضي، بسبعينية الشاعر محمد سليمان. أدار اللقاء الشاعر السماح عبد الله، الذي أثني علي المشروع الشعري لسليمان ووصفه بالمختلف والمتجدد، كما هنأ الشاعر محمد سليمان علي صدور أعماله الكاملة. الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، تحدث عن التفرد والتميز في مشروع محمد سليمان، كما يراه ويشاركه هذه الرؤية كثيرون آخرون من قرائه ونقاده وزملائه، فقد نجح في تثبيت قدمه علي أرضية الشعر العربي المعاصر وبين أبناء جيله أيضاً، وتابع حجازي » دائماً ما يفاجئني محمد سليمان الذي استطاع أن يحول التفاصيل البسيطة في الحياة اليومية إلي شعر حقيقي، وهو زاهد في أن يقترب من الموضوعات الكبري في الشعر التي يتوسل بها الشاعر عادة وخاصة إذا كان في مستهل مشواره الإبداعي. محمد سليمان باحث حقيقي دون أن يفتعل ودون أن يصطنع ودون أن تشعر أنه يبذل جهداً خاصاً، وبرغم انهماكه وانفعاله بهذه التفاصيل البسيطة، فتجده أحياناً واضعاً يده علي جواهر ولآليء لا تتاح لكثيرين من الشعراء، وأنا هنا أهنئه علي عامه السبعين، وأعد هنا بالعودة، ربما في مقالة، للحديث عن شعر محمد سليمان« الدكتور محمد عبد المطلب، قال » الحديث عن محمد سليمان يحتاج إلي موقف خاص، فعلاقتي بمحمد سليمان ليست علاقة إبداع وشعر ولكنها علاقة تقوم أساساً علي المحبة ولذلك فشهادتي فيه مجروحة، فقد عايشته في مراحله الأولي حيث بداياته في القرية ووالده الذي وجهه إلي الحضارة والثقافة وجده أيضاً الذي وجهه نحو التصوف. كانت بداياته الشعرية لا تعدو تقليد بعض النماذج الشعرية التي درسها في المدرسة وقد ساعدته هذه المرحلة علي فتح أفقه علي الحكي وعلي الواقع الحياتي وقضايا الريف والمجتمع، أما اللقاء الحقيقي بالشعر فكان في منتصف الستينيات عندما التحق بكلية الصيدلة وبدأ انفتاحه علي شعر حجازي وصلاح عبد الصبور وبدر شاكر السياب وغيرهم ممن قدموا له شعراً مغايراً تماماً لما كان يعرفه». تحدث عبد المطلب عن بدايات النشر عند محمد سليمان فقال أنه لم يتمكن من رؤية قصائده منشورة علي صفحات جريدة أو مجلة إلا في عام 1983 عندما نشر أولي قصائده في مجلة إبداعات التي رأس تحريرها الدكتور عبد القادر القط وقتذاك، وقد شهدت هذه السنة ميلاد الديوان الأول له والذي كان بعنوان «سليمان الملك» ثم انتظر ما يربو علي أربع سنوات أخري لإصدار ديوانه الثاني وعن ذلك يقول عبد المطلب محمد سليمان من الشعراء المنقحين الذين ينتظرون علي قصائدهم ويراجعونها غير مرة ولا يرضون عنها سريعاً فتراها عندما تخرج للنور فإنها تخرج جميلة بديعة. في نهاية الثمانينيات كون محمد سليمان مع شعراء آخرين جماعة أصوات الأدبية ولكنه لم يمضِ فيها سوي عام واحد حتي خرج بعد خلاف وصراع حول مسألة التجديد التي فسرها شعراء أصوات في صورة التحرك من شكل شعري إلي آخر، بينما المغامرة عند محمد سليمان كانت الحركة من سياق معرفي إلي آخر وبالتالي كان الخلاف عميقاً فخرج وصار لشعريته طبيعة خاصة. تحدث عبد المطلب عن تجربة محمد سليمان في مجملها فقال إنه شاعر حداثي لكن حداثته هي الأصالة بذاتها، يحترم من سبقه، وقد يعارضه لكنه لا ينفيه، ومن الممكن أن يخرج عليه لكنه لا يهاجمه، فهو شاعر يحترم ماضيه لكنه لا يعيش فيه، كما أن التجريب عنده ليس انفلاتاً ولكنه تجريب منضبط. وعلي سبيل المداعبة لفت عبد المطلب إلي أن محمد سليمان كان من المعارضين لفكرة نشر الأعمال الكاملة وأنه مع المختارات الشعرية، ومع ذلك فقد وافق علي نشر أعماله الكاملة التي صدرت مؤخراً، وهنا تدخل الشاعر السماح عبد الله ليوضح أن محمد سليمان حذف بالفعل ديوانين كاملين ومن ثم فإن الأعمال الكاملة التي صدرت ليست كاملة ولكنها مختارات سليمان لنفسه. من جانبه قال الدكتور عبد الناصر حسن الذي كتب المقدمة النقدية للأعمال الكاملة للشاعر محمد سليمان » لست بصدد تقديم محمد سليمان لأن أشعاره هي من تتحدث عنه وتعلن عن وجوده، أنا فقط أعيد قراءة تاريخه الشعري قراءة نقدية عامة ترصد أهم علامات هذا الشعر ثم تكشف عما نسميه أسطورة الذات حيث تمحورت إبداعاته حول هذه الذات السليمانية، إن صح التعبير، لأبعاد وأشكال متنوعة تراها مبثوثة في المتن الشعري بامتداد دواوينه، ولقد أسهم سليمان في تأسيس جماعة أصوات التي قدمت الكثير للشعر المصري ومنهم: الدكتور حسن طلب، الشاعر أحمد طه، الشاعر عبد المنعم رمضان، محمد فريد أبو سعدة، رفعت سلام، وآخرون، وقد نجحوا في تشكيل وعي خاص بهم في فهم التجربة الشعرية وإعادة صياغتها موسيقياً وتشكيلياً، كما وقفوا في مواجهة تيارات تقليدية واعتراضات من قبل بعض المعارضين التقليديين. لقد تميزت تجربة محمد سليمان لسببين، الأول موهبته الخاصة في كتابة الشعر، والثاني ذلك الرصيد الضخم الذي كونه سليمان من تجارب شعرية سابقة عليه تجمع بين أطياف التراث وعلامات الحداثة في الشعر العربي، وعبر جدلية شعرية واضحة استطاع سليمان أن يوظف تقنياته الفنية المعقدة التي تربط بين الزمان والمكان وبين الواقعي والخيالي وبين الحقيقي والأسطوري وبين جدل الحاضر والماضي، سعياً لخلق أسطورته الخاصة علي مدي أزمان الكتابة الشعرية التي بدأت بقصائد أولي وظلت روحاً متجددة عبر دواوينه النابضة».