يعتبر الكاتب أنيس منصور من بين أعظم الكتّاب والفلاسفة والصحفيين في مصر. بعد تخرجه في كلية الآداب جامعة القاهرة.. كتب قصصاً وروايات ومقالات في الصحف والمجلات المصرية بأسماء مستعارة. عرض عليه الأخوان علي ومصطفي أمين العمل صحفياً في دار أخباراليوم. اضطر بناء علي ذلك إلي تقديم استقالته كمدرس بكلية الآداب. تولي أثناء عمله في دار »أخبار اليوم« رئاسة تحرير مجلة »الاثنين« الاسبوعية، ومجلة »آخر ساعة«. أرسلته »أخباراليوم« في رحلة استغرقت مائة يوم حول العالم. كان أول صحفي في العالم يزور »التّبت« ويقابل »الدلاي لاما« زعيم الطائفة، ويجري حواراً معه. طلب منه الزعيم الراحل أنور السادات إصدار مجلة أسبوعية أطلق عليها اسم »مجلة أكتوبر«. تولي رئاسة مجلس إدارة دار المعارف، ورئيس تحرير مجلة أكتوبر. عُرف عنه أنه صاحب »أطرف المقالب الصحفية« مع زملائه. إليكم الآن بعض المقالب الصحفية التي كانت معي أثناء فترة عملي معه »محرراً« بمجلة أكتوبر.. عندما بدأت كتابة هذا الموضوع اقترح عليه زميلي وصديقي »محمود صلاح« رئيس تحرير أخبار الحوادث، أن أكتب أطرف أو أحرج المواقف التي تعرضت لها أثناء فترة عملية بمجلة أكتوبر منذ أول عدد صدر منها، وكان رئيس تحريرها الكاتب الصحفي الكبير أنيس منصور. لقد ابتسمت.. ورأيت أنه رأي وجيه يستحق أن أكتب فيه رغم أنني تعرضت لمواقف كثيرة طوال سنوات العمل بمجلة أكتوبر أو في جريدة »الأخبار« اليومية. الواقع أنني ظللت حائراً فترة من الوقت لاختيار موقف من المواقف التي تعرضت لها خلال عملي أو كتاباتي. وأخيراً.. اخترت موقفاً تعرضه فيه مجبراً للتوقف عن الكتابة لمدة أكثر من شهر تقريباً، وهو موقف أجبرني عليه أنيس منصور »نفسه«!! لقد بدأت أولي مقالاتي الأسبوعية بمجلة أكتوبر تحت عنوان »قل لي يا...؟« كان المقال عبارة عن انتقادات حادة وعنيفة لتصرفات بعض المسئولين في الدولة، أو الشخصيات العامة. كتبت ذات يوم »مقالاً« قلت فيه »إن الهيئة التنفيذية لحزب مصر« وهي بمثابة مجلس إدارة الحزب برئاسة الدكتور فؤاد محيي الدين رئيس الوزراء ورئيس الحزب.. اجتمعت لبحث بعض الموضوعات المهمة. وقلت.. هل تعرفون يا حضرات القراء ماذا بحث أعضاء الهيئة التنفيذية للحزب؟ طبعاً كنت أعتقد- مثل كثير من المواطنين- أن أعضاء الهيئة سوف يناقشون تدهور حالة المواصلات ومعاناة المواطنين! وأيضاً.. كنت أعتقد أنهم سيناقشون مشكلة شغل أرصفة الشوارع بالباعة الجائلين مما يصعب علي الناس المشي علي الأرصفة! وكنت أعتقد أيضاً أن أعضاء الهيئة التنفيذية لحزب مصر سوف يناقشون كيفية ارتفاع أسعار عدد من السلع الغذائية والتموينية! وكنت أعتقد أنهم سيبحثون كيفية معالجة كثير من مشاكل الفلاحين في قري مصر.. والمشاكل الأخري! ولكن.. خاب ظني للأسف..؟ هل تعلمون يا حضرات القراء ماذا بحث أعضاء الهيئة التنفيذية لحزب مصر- في هذا الاجتماع السري- برئاسة الدكتور فؤاد محيي الدين رئيس الوزراء..؟! إليكم يا حضرات القراء ما حصلت عليه من أسرار في اجتماع الهيئة التنفيذية لحزب مصر. أولاً: حصول جميع أعضاء الحزب علي »سيارات نصر« معفاة من الدور..! ثانياً: حصول جميع أعضاء الحزب علي »كارنيهات« لركوب جميع المواصلات بالمجان.. سواء كانت قطارات أو أتوبيسات! ثالثاً: الحصول علي قروض من خزينة الدولة بدون فوائد! رابعاً: علاج جميع الأعضاء من حزب مصر وعائلاتهم في مستشفيات مصر علي نفقة الدولة! و.... و.... و.... و.... إلخ. وقلت في نهاية المقال: هل تعرفون يا حضرات القراء ماذا حدث أيضاً أثناء الموافقة علي كل هذه الامتيازات؟ لقد حدث أن قال أحد الأعضاء.. إنني أخشي أن تعرف الصحافة بما دار من قرارات في هذا الاجتماع؟! هنا أتوقف قليلاً لأذكر شيئاً مهماً من مقال أنيس منصور.. لقد كتب أنيس منصور- أو أضاف هذه العبارة في نهاية مقالي-. لقد كتب يقول: يبدو أن العضو الذي قال: إن الصحافة علي جزمتي ولد وعاش حافياً.. لذلك فإنني أقترح أن تفتح مجلة »أكتوبر« باب الاكتتاب لشراء »جزمة لهذا العضو«! بعد أن صدرت مجلة »أكتوبر« وفيها هذا المقال بيوم واحد.. استدعاني أنيس منصور رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير إلي مكتبه، وعندما رآني ظل يضحك كثيراً ولمدة دقائق.. بعد أن انتهي من الضحك.. قلت له: خير يا ريِّس قال: خير منين.. أنت نيِّلتها خالص؟! قلت له: ماذا حدث؟ قال: أنت محكوم عليك بالتوقف عن كتابة مقالك لمدة شهرين؟! وأيضاً.. لازم تغّير عنوان المقال..!! قلت له: ومن الذي أصدر هذا الحكم؟ قال: أنا! قلت وأنا ابتسم: طيب ما السبب أو الأسباب التي من أجلها صدر هذا الحكم؟ قال وهو مستغرق في الضحك: إن المقال الذي كتبته ونشر في »أكتوبر« قد أثار عليك جميع أعضاء حزب مصر.. وليس أعضاء الهيئة التنفيذية فقط.. بل وأثار عليك أيضاً جميع الوزراء! واستمر أنيس منصور يقول: إن المقال أثار ضجة كبيرة في مجلس الوزراء برئاسة الدكتور فؤاد محيي الدين رئيس الحزب، وقد بحثوا معاقبتك ولكنهم لم يطلبوا مني إيقافك عن الكتابة، ولكنني شخصياً اتخذت هذا القرار حتي تهدأ الثورة عليك! ثم قال أنيس منصور: إن الذي أبلغني هذا القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء هو(؟؟) وهو كما تعلم صديقي. وفعلاً.. لقد ظللت حوالي الشهرين متوقفاً عن الكتابة، وصلني خلال هذه الفترة مئات الرسائل من القراء تشيد بما كتبته، ويتساءلون في نفس الوقت عن أسباب توقفي عن الكتابة.