هناك انفلات أمني.. لا أحد ينكر. هناك نصف مليون بلطجي يعيثون فسادا في الشوارع.. لا أحد ينكر. ولكن في مصر الآن ما هو أخطر من الانفلات الأمني والبلطجة.. هناك انفلات أخلاقي رهيب بين غالبية الناس. واذا كنت لا تصدق.. انزل الشارع وراقب ما يجري فيه.
حال الشارع المصري الآن.. أشبه بحوض أسماك ممتليء عن آخره بكافة الأنواع والأصناف والأحجام.. والكل يبحث عن مصلحته وبقائه في حوض الأسماك.. ومن هنا تتكون ثقافة البقاء والأنانية. انزل الشوارع وراقب ما يجري فيها. حالة من الهمجية لا مثيل لها في كل الدنيا.. سيارات ملاكي وأجرة وكأنها تقدم نمرة في السيرك.. لا إلتزام بقواعد المرور ولا أخلاق في التعامل بين سائقيها. ستجد أيضا.. أسرابا من الموتوسيكلات التي يقودها شبان صغار السن يكملون فقرة السيرك رافعين لواء التهور وقلة الذوق والبلطجة. أما المشاة فحدث ولا حرج. لو نظرت إليهم من أعلي ستعتقد في البداية أنهم أشبه بالنمل.. ولكن بعد لحظات ستعرف أنهم بني البشر لأن عالم النمل مشهود له بالنظام!
وسط هذا السيرك.. لن تجد إلا عسكري مرور غلبان لا حول له ولا قوة أمام زحام البشر وهمجيتهم الطاغية علي كل شيء. لن تخطو أمتارا قليلة إلا وستتوقف أمام مشاجرة.. عراك وسباب بالأم والأب وليس هناك ما يمنع من سب الدين أيضا.. ولا تندهش إذا كان طرفا المشاجرة صبي صغير وآخر رجل مسن. وغالبا ما ستنتهي المشاجرة بتدخل أطراف أخري للصلح ولكنه صلح أشبه بفض المجالس لأن الكل يعلم جيدا أنه ليس هناك شرطة وان وجدت فلن يحصل أي أحد علي حقه تحت مسمي الانفلات الأمني.. وغياب رجال الشرطة المستمر.
الانفلات الأخلاقي ليس مكانه الشارع فقط. وانما ستجده في المصالح الحكومية والشركات وأيضا في وسائل الاعلام التي مازالت تطبل وتزمر للأسياد وكأن الاعلام وجد في الدنيا ليرفع شعار ولواء النفاق حتي يبقي! والغريب أن الانفلات الأخلاقي الذي نعيشه هذه الأيام مصحوب دائما بصب اللعنات علي ثورة 52 يناير.. وان هذه الثورة هي سبب خراب مصر وان الشعب الذي ثار ضد الظلم والفساد هو السبب في كل ما يجري الآن من مظاهر سلبية. وللأسف الشديد ان الاعلام يذكر هذا الشعور بين الناس ويطرق الحديد وهو ساخن علي مشاعر السخط من تعثر الثورة ويقول من بين السطور أن الماضي الفاسد كان أرحم(!). وان نظام مبارك وعصابته كان الأنسب لمصر لأن شعبها لا يستحق الحياة من الأصل(!)
كل هذا الانفلات الأخلاقي يجري علي أرض مصر وثوار 52 يناير الحقيقيون في غفلة.. يفضلون الغياب عن الأحداث.. وكأن مهمتهم الوحيدة كانت اسقاط مبارك لا انتشال مصر من التخلف والجهل الذي عاشت فيه سنوات طويلة. ان ما يجري في مصر الآن بسبب هذا الانفلات الأخلاقي ينذر بعواقب وخيمة. الثورة التي قام بها الشعب تسرق. ثورة 52 يناير التي يحميها الجيش مهددة بتلويث ثوبها الأبيض الناصع. وللأسف الكل يتفرج. الكل يشارك في الانفلات الأخلاقي ولو بالصمت.