يوم الأربعاء الماضي سقطت القصير في ايدي نظام بشار الأسد . والقصير بلدة استراتيجية تربط بين دمشق معقل طائفة الأسد العلوية علي المتوسط وموانيء سوريا والقاعدة البحرية الروسية . ما حدث هو تحول استراتيجي رئيسي في الحرب الدائرة في هذه الدولة، حيث يمكن لقوات الأسد الآن التقدم إلي المناطق التي يسيطر عليها المعارضون في الوسط وفي الشمال . وبالنسبة للمعارضة تعد خسارة مؤلمة للأرض ومعنوية وفيها إغلاق لطرق الإمداد التي تربطهم بلبنان . ولا أحد يعرف ما إذا كان انتصار الأسد سيكون الأخير، ولكن ما يعرف الآن أن الأسد أصبحت له اليد الطولي . المتغير الوحيد الذي أحدث الفارق في معارك القصير هو ببساطة التدخل الخارجي، من جانب قوات حزب الله المدربة والمسلحة جيدا من طائفة الشيعة التي تهيمن علي لبنان وتوالي إيران، والتي عبرت إلي سوريا وطردت المعارضة المسلحة من القصير، التي دكتها مدفعية الأسد . ويعد هذا بمثابة انتصار ليس فقط لإيران ولكن أيضا لموسكو التي تدعم بقاء الأسد في السلطة، وتحتفظ بقاعدة عسكرية في ميناء طرطوس، وهي القاعدة الروسية الوحيدة المتبقية من الاتحاد السوفيتي القديم . وفي مياه الميناء الدافئة نشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عشر سفن حربية أو أكثر لحماية قاعدته العسكرية، وزبونه السوري بشار الأسد . ولكن هؤلاء هم الفائزون فماذا عن الخاسرين ؟ .. هم بالطبع تركيا عضوة حلف شمال الأطلنطي " ناتو " الداعم الأكبر لمعارضي الأسد، والأردن أقرب حلفاء أمريكا العرب، التي تمتلئ بنصف مليون لاجئ سوري وحلفاء أمريكا في الخليج موردي الأسلحة الرئيسيين لمعارضي بشار. من الخاسرين أيضا الولاياتالمتحدة التي أعلن رئيسها أن الأسد يجب أن يرحل بعد أن فقد مشروعيته، وأن رحيله فقط مسألة وقت. الرئيس أوباما لا يريد أن تطأ أقدام قواته الأراضي السورية. حسنا. ولا أحد يريد ولكن بين التدخل العسكري المرفوض وبين عمل لا شيء والاكتفاء بالفرجة تبقي هناك إجراءات عاجلة كثيرة يتعين اتخاذها : تسليح المعارضة، ومساعدة تركيا للاحتفاظ بمنطقة آمنة شمال سوريا، وفرض منطقة حظر طيران ، لمنع مقاتلات الأسد من شن عملياتها، وشل أنظمة دفاعه الجوي . وكان بمقدور أوباما أن يصعد اي درجة من درجات سلم الإجراءات، بيد أنه لم يفعل، ويظل واقفا أسفله لا أحد يعلم ماذا ينتظر . كل ما فعله أنه قال إن واشنطون قد تسلح المعارضة ثم لم يفعل أي شئ . ويري أوباما أن عدم قيام واشنطون بأي شيء، وترك الحرب تستمر يمكن أن يتحقق معه الهدف في النهاية ( سقوط نظام الأسد )، ويري أن تدخله يمكن أن يشعل العداء من جديد ضد الأمريكيين في المنطقة كما حدث مع غزو العراق. في عام 1958 أرسل الرئيس الأمريكي الراحل دوايت أيزنهاور قواته إلي لبنان لحماية الحكومة الموالية لأمريكا من تهديدات مصر وسوريا .وفي حرب أكتوبر عام 1973 هددت روسيا بإرسال قواتها للقتال إلي الجيش المصري حال تدخل أمريكا عسكريا لصالح إسرائيل . هكذا تجري الأمور : قوة تردع قوة . ولكن بالنسبة لأوباما حتي لا يستخدم مبدأ الردع، وكل كلامه عن الشرعية الدولية ومجموعة أصدقاء سوريا هراء لا معني له . وعلي النقيض، الأسد له صديق مقرب وهو بوتين . وأوباما علي علاقة طيبة للغاية مع بوتين . ويعرف بوتين أنه يمكنه أن يفعل ما يحلو له في سوريا، وأن أوباما لن يفعل شيئا . وكانت النتيجة، أن دفع بوتين بالأسلحة الروسية إلي نظام الأسد كالمطر، ودفعت إيران بالحرس الثوري الإيراني كمستشارين عسكريين للأسد، وكمدربين وقياديين لجيشه، وغزا حزب الله سوريا، وحاصر القصير . ولم يفعل أوباما شيئا . ربما يكون قد بعث فعلا وزير خارجيته جون كيري للقاء بوتين في موسكو، إلا أن شيئا لم يتحقق، ومعروف أن بوتين ترك كيري ينتظر بمكتبه أربع ساعات، حتي التقاه!