كان التصور المؤكد لدي كل الاطراف المتابعة للأزمة المشتعلة بخصوص التعديلات المقترحة لقانون السلطة القضائية، في المشروع المقدم لمجلس الشوري بهذا الخصوص، من حزب الوسط بالاتفاق مع الحرية والعدالة، هو قرب انفراج هذه الازمة بعد تدخل مؤسسة الرئاسة فيها، واجتماع الرئيس بالمجلس الاعلي للقضاء، وما أعلن بعدها عن بدء الترتيب لمؤتمر للعدالة يتم خلاله اعداد مشروع قانون للسلطة القضائية بمعرفة القضاء أنفسهم. وقد رسخ هذا التصور في اذهان كل الضالعين والمهتمين بالازمة وجميع المتصلين بها من قريب أو بعيد، بعد ما صدر عن مؤسسة الرئاسة من تصريحات وبيانات تؤكد الاحترام الكامل لاستقلال القضاء، والحرص الشديد علي عدم التدخل في شئونه، والتمسك بحق السلطة القضائية في اعداد قانونها وابداء الرأي في اي تعديلات مقترحة علي هذا القانون. وازداد هذا التصور رسوخا بعد ان بدأت الاجراءات والترتيبات الأولية لانعقاد مؤتمر العدالة، بعد المشاورات والمداولات التي جرت بين رؤساء الهيئات القضائية والمجلس الاعلي للقضاء، ونادي القضاة، واستبشر الجميع خيرا في ظل التوقع المتزايد بانتهاء الازمة ونهاية الاحتقان. ولكن ذلك لم يحدث، بل عادت الازمة للاشتعال من جديد، في ظل ما أعلنه مجلس الشوري فجأة عن طرح المشروع الخاص بالتعديلات المقترحة للتصويت علي استعجال المناقشة والبحث، وما تلا ذلك من الموافقة علي احالته للجنة التشريعية للمجلس لبدء مناقشته، وهو ما اعاد الحالة الي ما كانت عليه من احتقان سابق، مما دفع المجلس الاعلي للقضاء والهيئات القضائية لتعليق جميع الاجراءات الخاصة بالاعداد لمؤتمر العدالة، وبذلك عادت الازمة الي المربع الاول. وفي ظل هذه التطورات المفاجئة، ازدادت الشكوك، وتاهت الحقيقة، وازداد الاحتقان حيث يري القضاة بأن هناك تربصا بهم عن طريق مجلس الشوري الذي يتعجل مناقشة المشروع المقدم من الاحزاب المتحالفة مع الحرية والعدالة وجماعة الاخوان، بالتعديلات المقترحة علي قانون السلطة القضائية، وذلك بهدف التخلص من آلاف القضاه بتخفيض سن الاحالة للمعاش الي الستين بدلا من السبعين، ثم التمكن بعد ذلك من السيطرة علي القضاء.. ويرون ان مجلس الشوري ليس له الحق في مناقشة قانون السلطة القضائية، دون اخذ رأي الهيئات القضائية، وفي غيبة البرلمان، حيث ان سلطة التشريع التي يتمتع بها الآن استثنائية، وبالتالي لابد ان تكون في اضيق الحدود، كما ان قانون السلطة القضائية من القوانين المكملة للدستور، وهو ما يجب مناقشته في البرلمان وليس الشوري. ولكن مجلس الشوري يرد علي ذلك كله بالتأكيد علي انه يمارس دوره وحقه الدستوري، وليس من حق سلطة أخري التدخل في شئونه وتحديد أعماله،...، وهكذا أصبحت الحقيقة تائهة، بل وغائبة ايضا!!