لاشك ان العقل الواعي لا يستغني عن النقد لأن النقد ولاسيما النقد الذاتي يعني أن من يمارسه يؤمن بضرورة حرية الاختلاف وضرورة التغيير بالحوار المستمر مع كل الاتجاهات. فالنقد اداة مراجعة للمعايير التي اصابها العجز أو الفساد أو الجمود باكتشاف تناقضها مع ما كان متوقعا من تطبيقها من نتائج فعالة. ومن ثم لابد من البحث عن جديد يدعم التطور المستمر في عالم متغير دوما. ومن الطبيعي أن يتم ذلك في حدود الممكن لا المحتمل وعلي نحو عقلاني علمي منظم لا علي نحو عاطفي متهور وعشوائي. بحيث يتم احلال ما نتمناه من معايير جديدة وقيم مختلفة محل المعايير والقيم والعرف التقليدي الجامد والراكد الذي لا يري في نفسه إلا انه الحل الوحيد. في الواقع ان هذا ما اتسم به الحوار اللذان اجراهما السيد جمال مبارك إلي قناة الجزيرة وبرنامج مصر النهاردة. فلم يكن مبالغا في رسم صورة وردية للواقع. بل تحدث بصراحة عن وجود تحديات كبيرة في مجال التعليم وهو المجال الذي سأركز عليه حيث اوضح بدقة أنه تم الانتقال في الخمس سنوات الماضية من مجرد التركيز علي الكثافة ببناء مدارس إلي "ثقافة الجودة" حيث تم ادخال تعديلات تشريعية جديدة للارتقاء بدخل المدرس والاستاذ الجامعي وكذلك اقامة دورات تدريبية لضمان تطوره المستمر وانشاء هيئة ضمان الجودة في التعليم ما قبل الجامعي والتعليم الجامعي من خلال مشروعات التطوير المستمر والتأهيل للاعتماد والتي نشعر بالفخر ان اكثر من عشر كليات من جامعة عين شمس علي وشك الحصول علي الاعتماد فضلا عن قيام الأستاذ الدكتور ماجد الديب رئيس الجامعة بتشكيل فريق جاد للحصول علي مرتبة عالمية Ranking للجامعة. هذا الحراك في مجال التعليم من خلال مشروعات الجودة والتأهيل للاعتماد هي الجسر الذي سينقل مصر إلي عتبة مستقبل أمن. لأن "الطالب المنتج" من العملية التعليمية انغرست في داخله "الجودة" من خلال مناخ عام يؤمن بها بدءا من المعيد إلي الاستاذ ويتجلي ذلك في الرغبة الذاتية في تطوير المدرس لنفسه كما تتجلي في ادائه لعمله كنموذج محترم يترفع في هذه المرحلة التي ينقل فيها كليته أو جامعته نقلة نوعية ان يسأل عن كم سيقبض مقابل جهده فهو يعي جيدا انها مشروعات تطوير محدودة المبالغ فإن المشاركة في التغيير سيجني به ثمارا أكبر كثيرا مما يشغل به من مبالغ ضئيلة بعد الاعتماد. لأن انتاج طالب جيد ومنتج يعمل بنجاح في المجتمع سيعيد له المكانة والريادة والسوق المشترك لابحاث علمية عالمية وبطبيعة الحال سيكون العائد المالي كبيرا. لعلي في نهاية المقال استطيع القول ان مفهوم ضمان جودة التعليم في مصر ليست فحسب تطوير التعليم وفقا للمعايير القياسية العالمية بما يحافظ علي هوية الأمة وانما هو في نفس الوقت احياء للضمير الاخلاقي في صورة "قوة اجتماعية" تنقل وطننا من مرحلة السلبيات والتحديات إلي مرحلة البناء والتطوير من خلال "الضمير" الذي وصف به حضارتنا المصرية القديمة "الجذر الاصلي لأمتنا" المؤرخ جيمس هنري برستيد في كتابه القيم "فجر الضمير" وترجمة الدكتور سليم حسن ولقد اهتم بتعاليم الحكيم "أمنموبي" لأبنه وسأذكر ابياتا ادهشتني تؤكد ان الجودة صفة تضرب بجذورها في الضمير المصري يقول امنموبي: * عن طريق درس الحياة والارشاد إلي الخير "التعليم". * تعرف كيف تجيب عن سؤال يلقي عليك * وان ترد "كتابة" علي مسألة لمن يستفسر عنها * وان تفلح الأرض وتبتعد عن الشر. * وينجيك من فم الناس وبذلك تكون ممدوحا في افواه القوم "الاعتماد عالميا".