وهي مشاكل وأزمات مصيرية تؤثر أو أثرت بصورة مدهشة علي كل حياتهم ومستقبلهم نتيجة الكثير من الأمراض الاجتماعية والسياسية كالفراغ المدوي في حياة هؤلاء الشباب وفقدان الأمل في مستقبل ذي ملامح وانهيار القيمة لديهم وفقدان الصورة والنموذج والغوص والاغراق في براثن الفوضي من ناحية والاغتراب من ناحية أخري صنع هذا من؟.. من مصدر الآلام للشباب المحبط الباحث عن ما تيسر من أمل في حياة أفضل وهو غارق في مشاكل التعليم والبطالة وهوس أو ضجيج وفوضي الصمت. "حالة من احتساء الموت" في زمن يأكل عظام كل أبنائه. في مجتمع يحلق البعض فيه في سماء اللا محدود في كل شيء والنسبة الأكبر التي تعاني من ضيق الحال وهمس الجنون حيث لم يتبق أن نصبح مجتمعاً يحتضن الجنون في لا مبالاة. هذه المقدمة التشاؤمية هي الخطاب الدرامي العام الذي أفضي به شباب مسرح الطليعة من خلال عرض "آخر حكايات الدنيا" بقاعة زكي طليمات و"حكمة القرود" بمسرح صلاح عبدالصبور. هذا التدفق من الشباب كاد أن يعصف به ضآلة حجم التجربة وقصرها. سواء كان هذا علي مستوي التأليف أو الإخراج وبينهما السينوغرافيا. "آخر حكايات الدنيا" هي ليست أولها وليست آخرها ولا حتي منتصفها فهي ذات بداية ووسط ونهاية تبدأ من الجد وحتي الحفيد وما بين الجد والحفيد ميراث من الألم. فهل الجد يتألم لما يتألم الحفيد هو ميراث من عذابات مغايرة ومختلفة من حيث الشكل والماهية والأسباب. هنا تطل إدانة الحفيد للجد دون النظر لتفاصيل هذه الإدانة!! فهل هي إدانة مجرد للجد من قبل الحفيد الذي رأيناه طوال العرض وهو أشبه بالطفل الأبله والعبيط رغم وصوله لسن الشباب. والسؤال هل هذا الحفيد كما صوره العرض علي وعي بقضيته وإشكاليات مجتمعه. من واقع العرض ليس هناك تفاصيل لأبعاد المعالجة فهو يضع المشكلة دون البحث في أسبابها: رغم ادراكنا بتوارث هذا الزخم الكبير من الفوضي المجتمعية وضياع الشباب والقذف به في براثن الوحدة والألم. اختار المؤلف والمخرج في نفس الوقت تيمة ربما لم تكن جديدة حيث اعتمد في بناء العرض من خلال الجد علي أسلوب الحكي. ثم الدخول في الحدث مباشرة: ومن خلال أربع أو خمس حكايات قدمها الجد التي تجول في كل الأزمنة والإبحار فيها من خلال مشاهد متعاقبة بدأها آخذاً في اعتباره "تيمة الحب" و"الجنس غير المتاح" حيث كما يقول لا حب بلا جنس ولا جنس بلا حب وفي الحالتين هو يعيش الحرمان من هذه اللذة المفقودة والمترتب عليها كل تفاصيل الحياة في كل مرحلة يحكي فيها الجد بداية من حكاية قيس وليلي ومرورا بمراحل تاريخية دون الخوض في تفاصيلها كحياة العسكر وزمن الطربوش وحتي اللحظة التاريخية التي نعيشها بكل زخمها وعولمتها وانفتاح العالم والتعامل معه علي انه عالم واحد ولكن السؤال هل هذا المعني كان متضمنا العرض؟.. هذا المعني لم يكن موجودا رغم ان هذا أحد الأسباب المؤثرة في المجتمعات العربية ومنها مصر وتأثير أمريكا وأوروبا بصورة فجة. فما يحدث في المجتمعات العربية هو انعكاس لسياسات خارجية لها تأثير واضح علي الداخل وبصورة ساخرة!!.. من صندوق حكايات الجد وبصورة لا أقول بحثية في معناها الاصطلاحي ولكن بالمعني الدارج للكلمة اعتمدت علي طرح صورة كاريكاتورية ساخرة لجانب من مشاكل الشباب. "قضية الادانة" التي طرحها العرض في خطابه الدرامي اعتمد علي فكرة "النص السيناريو" الشائع الآن في مسرحنا المصري وهو أحد ضحايا المسرح التجريبي. ودون الاعتماد علي النص المسرحي الدرامي الذي يعتمد علي ماهية الصراع والحوار والبناء الدرامي المحكم. لذلك كان الحكي والانتقال من حدوتة إلي حدوتة كان الرابط فيها هو الجد والحفيد والاعتماد علي سينوغرافيا ذات فضاء يتحرك فيه الممثل ووسط بعض الموتيفات أو الوحدات الديكورية كالكرسي الهزاز والصندوق والصندوق القائم بفتحة طولية تخرج منها الفتاة وبعض لعب الأطفال. وهنا لماذا سفه أو قلل المؤلف المخرج من قيمة الحفيد خاصة وهو يطرح قضية هامة وهي ضياع وانهيار أحلام الشباب حيث صوره طوال الوقت سواء في الحكي أو التجسيد علي أنه أبله وعبيط. وتبلغ ذروة الحط من شأن الشخصية خاصة مع نهاية العرض حيث يقول بنفس البلادة والبلاهة عندما "مات الجد" "مش بعرف أحكي يا جدي.. مش علمتني.. باسمع منك وبس" أيضاً السؤال هل الحكايات كما هي في العرض كافية لطرح السؤال لماذا فقدنا القدرة علي استيعاب التراث والحفاظ عليه وإعادة صياغته واستخدامه كسلاح هام لمواجهة العالم الآخر وخطر العولمة؟.. ان فكرة النص السيناريو الدخيل علي المسرح ليس في مصر فقط وإنما في العالم كله هو كفيل بتدمير المسرح تماماً"!!" ابتغاء عدم الاطالة في التحليل نؤكد رغم كل التحفظات اننا أمام عرض صنعه شاب ومن معه علي قدر ما بحقيقة مشاكله وتوسطهم فنان صاحب خبرة كبيرة هو أحمد الحلواني والشاب كريم الحسيني والموهبة ايمان لطفي والجميع كانوا علي قدر المسئولية مع اكتمال الصورة السينوغرافية بموسيقي أحمد هاشم وديكور علاء سليم وعلي رأسهم الموهبة المبشرة محمد الدرة. العرض الثاني بالقاعة الكبيرة "حكمة القرود" يتواصل مع فكرة الأول في طرحه لخطابه الدرامي إلا أن طرحه الأحادي وضعه في مغبة الكثير من النواقص. ولد وبنت يرغبان في الزواج أو الجنس المشروع. بنفس فكرة النص السيناريو تجول العرض لكاتبه عصام أبوسيف ومخرجه محمد مرسي في الكثير من الأزمنة مع سينوغرافيا اعتمد علي القليل جداً من التمثيل والكثير جداً من التشكيلات التعبيرية والحركية مستخدما الرمز التاريخي للهرم ثم تفكيكه ليمر بكل مرحلة زمنية لتفضي إلي إحباط الولد والبنت. فلا زواج بدون حضارة أو أن الحضارة هي الأهم. ومن قال إن مصر بلا حضارة؟!!.. مصر هي التي صدرت الحضارة للعالم والدنيا بأثرها من أقصاها إلي أقصاها هذه واحدة.. إذن الفكرة لم تكن علي الصورة الأفضل في طرح الخطاب وهو قهر وإحباط الشباب وانتزاع حق الحياة الكريمة منهم في البحث عن وظيفة وتوفيرها في العدالة الاجتماعية في الحصول علي مستوي تعليم أفضل. محاربة الفساد. القضاء علي البطالة وأوجه الانحراف كالمخدرات والتحرش الجنسي. بدأ العرض بالولد والبنت وهما يقلدان القطة في الحركة والصوت ثم تشكيل حركي ثم ظهور القرد الحكيم الذي يظهر علي هذه الصورة في كل "نقلة" حدث زمني مغاير وربما يأخذ أسماء متعددة تصور فكرة الحكيم النصاب المضلل. ويظل هذا المرور الزمني عبر هذا السيناريو مع تفكيك جزء من الهرم ومع كل فترة أو حقبة يردد هذا الحكيم "الهكسوس اسرعوا" ومع تواصل وتعاقب الحقب حتي نصل إلي زمن العسكر والثورة والنكسة وما شابه في إشارات أساسها رغبة الولد والبنت في الزواج وترديد الفتاة "أريد طفلة"!!.. وما بين رغبة الشباب المتمثل في الولد والبنت ومجموعة الراقصين. البنت تبحث عن فرصة الزواج والنتيجة لا زواج بدون حضارة والسؤال مع علاقة الزواج بالحضارة والشباب بالحضارة ومن منع الحضارة؟.. ولماذا لا نعود إلي تراثنا. إذ أن العالم يسعي دائماً وهذا هدفه وهو طمس الحضارة والقضاء علي الجذور والأصول. هناك أهداف عدة غائبة عن العرض وانحساره في خطاب درامي فكان يجب أن يجيب العرض عن الكثير من الأسئلة المطروحة لكن فكرة النص السيناريو فرض انعدامية الحركة "داخل إطار معرفي" وهنا ينقص الكاتب المرجعية الثقافية. كما ينقص المخرج نفس المرجعية بالاضافة إلي نقص المرجعية الفنية في طرح صورة مسرحية ذات أبعاد جمالية ومع فقدان هذه الأبعاد رغم قصر العرض كان هناك حالة من الملل. النص السيناريو أغرق كاتبه في محاولة ارتياد كل الأفكار وطرحها وترديدها في حين الاعتماد علي ماهية النص الدرامي يجعل كاتبه محاطاً بمرجعية ثقافية وتقنية والتمحور حول "أحادية الفكرة والمضمون" والتعامل مع صورة مسرحية ذات جماليات. جاذبة فيها قدر من التفاعل بين العرض والمتلقي. رغم هذا القدر من "الإنفلات" أو "المراهقة المسرحية" إلا أن الذي يغفر لصناع العرض هو القدر الرائع من الإلمام بقضايا الشباب بداية من الكاتب عصام أبوسيف والمخرج محمد مرسي وتمثيل: أحمد رجب ومصطفي عبدالفتاح وإيمان سليم. في هذا السياق تجدر التحية لمدير مسرح الطليعة هشام عطوة النشيط وأدعوه أن تكون هناك متابعة للشباب في الثقافتين المعرفية والتقنية. ليس من خلال ورش ولكن من خلال إشراف مخرج كبير علي تجارب الشباب.