"ما خفي كان أعظم". هي العبارة الأبسط تعبيرا عن المناخ العراقي الملبد بالغيوم الغامضة وخاصة العاصمة بغداد. فقد ذكرت مجلة "تايم" الأمريكية أن بغداد مازالت أكبر مركز لسفك الدماء علي وجه الأرض وفي كل زمان! وفي تحقيق بعنوان "الجراح الخفية" أجرته صحيفة "يو. إس. إيه. تود. اي" الأمريكية حيث كشفت عن مالا يقل عن 20 ألف جندي شاركوا في القتال بالعراق وأفغانستان. إلا أنهم غير مدرجين علي قوائم الجيش كمحاربين. في حين أنهم يعانون من إصابات في المخ نتيجة المهام القتالية. ويعني ذلك أن المعلومات التي حصلت عليها الصحيفة من الجيش والبحرية ووزارة شئون المحاربين أظهرت إصابات المخ بجميع أشكالها بين المشاركين تزيد نحو خمسة أضعاف علي الرقم الرسمي المعلن والمسجل من قبل البنتاجون. وقالت الصحيفة إنها حصلت علي بعض تلك المعلومات طوعا من الجهات المعنية. بينما لجأت إلي القضاء لتحصل علي البعض الآخر بمقتضي قانون حرية المعلومات. ومن بين المصادر التي حصلت منها الصحيفة علي معلوماتها المركز العسكري الطبي في ألمانيا. والذي ينقل إليه الجنود المصابون من العراق وأفغانستان قبل إعادتهم إلي الأراضي الأمريكية! وبرغم أن التحقيق الذي أجرته الصحيفة عن الجراح الخفية للولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وغير المرئية للشعب الأمريكي. وهي التي ألقت بنفسها في أتون الحرب بإرادتها المنفردة وبدون غطاء شرعي. وبرغم أن الصحيفة تناولت ما أسمته بالجراح الخفية لأمريكا في العراق. ومن باب إعلاء شأن الجندي الأمريكي علي حساب قيمة المواطن العراقي فلم تعد تتناول جراح الحرب المأساوية والخفية علي طرفي النقيض بمعني إظهار الكارثة علي المستوي الأمريكي في العراق وعلي المستوي العراقي أيضا. برغم ذلك كله تبقي قمة الأمور اللافتة للانتباه بجدارة هو لجوء الصحيفة إلي القضاء من أجل الحصول علي المعلومات بمقتضي قانون المعلومات! عند هذه اللفتة بالذات يكون محور الكلام عن الإعلام العربي العام مقارنة بالإعلام الأمريكي الذي يسانده القضاء في مسألة الحق في الحصول علي المعلومات والأرقام من واقع سجلات من المفترض أن تكون رسمية تخص الجيش والبحرية ووزارة شئون المحاربين. دعونا بداية من أن الصحيفة لم تهتم من الأصل بالخسائر البشرية في العراق باعتبارها الوجه الآخر للحرب طالما اعتبرت أن بغداد مازالت أكبر مركز لسفك الدماء علي وجه الأرض وفي كل زمان. حتي يتبين للعالم الساكت عن الحق بسبب تجاوزه لعدم الشرعية حقيقة الكارثة الإنسانية بشقيها الأمريكي والعراقي علي السواء! ومن ثم يفرض السؤال نفسه. هل لدينا "إعلام حرب" بالمعني الحقيقي علي نهج الصحافة الأمريكية. فنحن مازلنا نخطو الخطوة الأولي في مجال الإعلام عموما سواء العام أو الخاص. ولم نتجاوز عقبة حق الحصول علي المعلومات. ومازالت هي العقبة السائدة التي يصطدم بها الإعلام العربي. ففي الوقت الذي أتيح فيه للصحافة الأمريكية الحصول علي المعلومات بالأرقام بشتي الطرق المتداولة تناضل صحيفة أمريكية للوصول إلي الحصر الدقيق لأعداد المصابين في العمليات الحربية في المخ علي وجه التحديد لتبيان ما خلفته الحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان علي الشعب الأمريكي الذي بات يكره الحرب منذ فيتنام التي لم تقل خسائرها عن خسائر أمريكا في العراق وأفغانستان. والقضاء هو الذي يفصل في المسألة في نهاية الأمر في حالة صعوبة الحصول علي المعلومات احتراما لقانون حق المعلومات! من هنا فالإعلام الدولي الذي يعتبر الإعلام العربي داخل إطاره وهو الإعلام الذي يخطو حثيثا نحو الحصول علي المعلومة الواحدة بشق الأنفس وبتعتيم متعمد من بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية أصبح لا يدخل في منظومة إعلام الحرب وخارج الإطار الإعلامي بمسافات بسبب سياسات قائمة في المنطقة العربية مهزوزة ومرتعشة من الشفافية. وهذا ما يجب أن يعلمه الجميع الذي يسأل عن سر التخلف في المنظومة الإعلامية بوجه عام والعربية بوجه خاص والتي ضللت ضمائر الشعوب وتوجهاتهم نحو خصائص البوصلة الكونية الطبيعية. فكاد العرب أن يخرجوا من دائرة الزمن بلا رجعة! فالإعلام الغربي هو إعلام شامل أما الإعلام العربي فهو إعلام شمولي. وهنا مكمن الخطر الذي أودي بالعراق إلي الهلاك. وإذا تشبيه المنظومة الإعلامية بالقمر فنصفه مضيء والآخر معتم لنحصد نحن العرب بإرادتنا مساوئ التعتيم سواء علي مستوي الإعلام السلمي حتي إعلام الحرب. الذي بتنا نفتقد مقوماته منذ زمن الصدمة والرعب. ومازلنا نناقش قضية "حق المعلومات" الذي تجاوزه الغرب منذ قرن من الزمان! تحرير الإعلام العربي بات علي قمة الفضائل العربية الغائبة. وبات من الضروري إطلاق المارد الإعلامي العربي من محبسه الطويل داخل فانوس صدأ. وذلك أولي بوادر الصحوة العربية. يجب أن تتخلي "النخبة" علي الأقل في الأوقات العصيبة عن احتكارها للمعلومات. فالشفافية أول خطوة في تحرير الذات العربية من ممارسات الآخر الديمقراطي. ليبقي علي قمة الرذائل عدم الإدلاء بالمعلومات إلا بأوامر. فعلي سبيل المثال ماذا ننتظر من حكومات ابتليت بها العراق. جاءت علي أسنة الرماح الأمريكية موالية لها علي حساب ما خفي كان أعظم. حيث لا توجد شفافية ولا قاعدة بيانات معلوماتية ولا أرقام عن الشهداء العراقيين. فلا يجرؤ زعماء آخر الزمان في العراق علي الإدلاء بأية معلومات لا تخدم مبررات التواجد الأمريكي بالعراق. فبات الشعب العراقي محصورا بين سندان الإعلام العربي العاجز عن الحصول علي المعلومات بفعل فاعل من الداخل ومطرقة الإعلام الغربي الذي تجاهله أمام خسائر أمريكا من الجنود والمارينز. وعلي خلفية هذا التقهقر للإعلام العربي نشط الإعلام "الماردوخي" داخل أمريكا وخارجها ضد العرب!