لا شك أن البيت هو الملاذ الذي يأوي إليه الإنسان لينعم بالراحة البدنية والسعادة القلبية. وليأنس بأهل بيته ويأنسوا به. ويعيشوا كروح واحدة وزعت داخل عدة أجساد. لذلك فهم أسرة قوية هادئة متماسكة. يتجسد بداخلها معني الحب والرحمة والمودة والإيثار. وهذا المعني يدركه العقلاء جيداً في كل زمان ومكان. ويجعلون من أسرهم وبيوتهم حصونا قوية يفرون إليها طلباً للأمان والراحة والسعادة والمؤانسة. لكن يبدو أن الأحوال اليوم في هذا الزمان الصعب قد تبدلت. والموازين اختلت. وصار الكثير من الناس يفرون من البيت لا إليه!!. لأنه تحول إلي مصدر ازعاج نفسي وجسدي يفسد حياتهم. وأصبحوا لا يجدون بداخله راحة ولا سعادة ولا مؤانسة!!!. وتحول أفراد الأسرة الواحدة إلي مجموعة من الغرباء لا يجمعهم شيء سوي الإقامة داخل هذا الفندق "أقصد البيت". وتمزقت بينهم روابط وأواصر الأسرة الواحدة. فالأب والأم ليس بينهما أي حوار مشترك. ولا يفكر احدهما في مشاركة شريك حياته في اهتماماته. ويجلسان بالساعات الطويلة دون أن يتفوه احدهما بكلمة واحدة!!. ولا تجد منهما غير صمت كصمت القبور التي هجرها الأموات قبل الأحياء!!. وإذا ما فكرا في إقامة حوار. فهو ليس سوي مقدمة سريعة لمشاجرة طويلة تستعمل فيها كل وسائل الشتم والرفس والنطح!! والأولاد في واد والوالدان في واد آخر تماماً وغاية ما يدركه هؤلاء الأبناء عن آبائهم وأمهاتهم ان الأب هو مصدر تدبير نفقات الأسرة. والأم هي عامل النظافة والطهي داخل البيت!! فتري الأبناء يقيمون صداقات تدمر حياتهم ولا أحد يشعر بهم!!. ويحملون داخل جدران صدورهم ما يحملون من نفايات الأفكار المسمومة والعقائد الفاسدة التي تدمر دينهم ودنياهم وآخرتهم ولا أحد يدري عنهم شيئا!! وإذا وقع أحد الأبناء في مشكلة أو اصابه هم وغم يفر إلي أحد أصدقائه بدلا من والديه ليبوح له بأسراره. وليلتمس عنده الحل والمخرج!! كيف لا.. والأب لا يتواجد داخل البيت إلا في أيام العطلات الرسمية ولا يفعل شيئا سوي تقليد أهل الكهف في نومهم!!!. ووكل إدارة الشئون الداخلية للأسرة إلي أم حمقاء جهول لا تحسن قولا ولا فعلا!!. وهذه الأسر المفككة لا تجد بداخلها غير الخلاف والشقاق والأنانية والصوت العالي والفضائح التي لا تنقطع!! والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ما الذي أوصل هذه البيوت إلي هذا الانهيار!!. ولماذا عشش الخراب بداخلها ونسج خيوطه بإحكام حولها!! ولعل السطور التالية تشير إلي أهم أسباب هذا الوضع الخطير. * السبب الأول: هو سوء اختيار شريك الحياة: وحسن الاختيار معناه أن اختار شريك حياة علي دين وخلق حسن. وأن يكون مناسبا لقدراتي العقلية وأحوالي الاجتماعية والمالية والثقافية. شريك حياة عاقل مدرك لحقيقة معني الأسرة الواحدة وكيف تقام. وكيف تدار شئونها الداخلية والخارجية. وكيف نحميها من الأخطار التي تسبب انهيارها. وكيف نربي أولادنا. وكيف. وكيف. وكيف.. والجهل بهذه الأمور لا يعني غير الخراب والتدمير والضياع للزوجين وللأولاد. فسوء الاختيار يسبب فجوة بين الزوجين تتسع شيئا فشيئا مع الأيام حتي تتحول إلي هوة سحيقة تبتلع كل شيء جميل!!! * السبب الثاني: هو ضعف التدين: فالتدين الصادق الخالي من جميع أنواع المغالاة أو التهاون هو أقوي الدروع التي تحمي الأسرة من التفكك والانهيار. والإنسان إذا ضيع حق الله تعالي. كان من السهل عليه أن يضيع حقوق الناس!! * السبب الثالث: هو اعتقاد أن التربية لا تعني شيئاً غير النفقات!!: وهي كارثة كبري. فالبعض يعتقد أن دوره مع أولاده ينتهي بعد إطعامهم وكسوتهم وشراء ما يحتاجون إليه. وبعد هذا لا علاقة لهم بشيء آخر. ومن ثم أهملوا جميع مجالات التربية التي تشمل التربية الروحية والثقافية والاجتماعية والبدنية والعقلية والأخلاقية. والنتيجة الطبيعية لهذا الاهمال ان الأولاد أصبحوا يتلقون ويقبلون من المجتمع كل ما يقذفه إليهم من تربية روحية وثقافية وأخلاقية. وهذا يفسر لنا سر التناقض الموجود في ثقافة وأخلاق وتدين أفراد الأسرة الواحدة. فالناس تتعجب من اخوة أشقاء أبناء أسرة واحدة لكن لكل واحد منهم أخلاق وعادات تختلف تماما مع عادات وأخلاق أشقائه. والسبب يتلخص في أن البيت تخلي عن دوره في التربية. فتربي الأولاد علي يد جهات مختلفة!!. فهذا تربي علي يد صحبة فاسدة. وذاك تربي علي يد بعض المتطرفين. والثالث تربي علي يد أصحاب ثقافات إلحادية شاذة. ولك أن تتخيل اجتماع هذا القطيع داخل بيت واحد. ويطلب منهم أن يشكلوا أسرة واحدة متماسكة. وهيهات هيهات!!! وهناك أسباب أخري لا يتسع المقام لذكرها كاصطحاب مشكلات العمل إلي البيت. وفساد طريقة الأخذ والعطاء بين الزوجين. والجهل بإدارة وجهات النظر المختلفة. وجهل الزوجين بطبيعة الرجل والمرأة. إلي غير ذلك من الأسباب التي لا يتسع المقام لذكرها هنا. وعلي كل واحد منا أن يدرك انه مسئول عن نفسه وعن شريك حياته. وعن جميع أفراد أسرته. وأن أي اهمال أو تقصير سيكون هو أول حاصد ومتجرع لمرارته. والله تعالي المستعان.