العالم يأكل نفسه بدلا من أن ينمو ويتقدم ويتحضر وينعم المرء فيه بالمزيد من الحرية والرفاهية والأمان. هذا ما وصل إليه الحال من حولنا فإذا بنا نشعر أننا لسنا وحدنا في هذا الكون نعاني من الفقر أو الفساد أو القهر والظلم. الفرق الوحيد هو أننا نصنف عالماً ثالثا أو ناميا لأننا ليس لدينا تقدم علمي أو تكنولوجي ولأن شوارعنا ليست نظيفة ومواصلاتنا مختنقة ومياه الشرب معكرة والكهرباء متقطعة والقمح لا يكفي والحديد في البورصة والإعلام بعافية.. لكن الواقع المرير هو ان العالم من حولنا قد أفسد الحياة علينا وعلي أهله وناسه والبداية: موقع ويكيليكس اسم الموقع يعني تسرب المعلومات وهي ليست مجرد معلومات تافهة أو فضائح شخصية ولكن المثير والمخيف ان تلك المعلومات والفضائح عالمية سياسية تكشف النقاب عن أخطر القضايا وتهدم مفهوم الحرية وتقوض أركان الديمقراطية المزعومة وتذبح كل ما ينتمي إلي معني حقوق الإنسان. أي إنسان يتحدث عنه العالم وخاصة بلد الحرية الكاذبة والزائفة حرية الأقوياء وقوة الأثرياء وجبروت العسكر وخداع التقارير والمنظمات المسماة دولية فها هي أمريكا تفضح نفسها عندما تتسرب معلومات من جهازها الاستخباري الأول علي مستوي العالم في التقنيات الحربية والعلمية وتكشف من خلال موقع غير معروف الهوية وثائق حربية وعسكرية وسياسية واقتصادية عن جرائم حرب وتعذيب في أفغانستان والعراق وعن علاقات دولية مشبوهة وصفقات بين القطبين الروسي والأمريكي وبين دويلات صغيرة ودول جرار وخيانات وخداعات وانتهاكات لكل المواثيق الدولية والحقوق الإنسانية كما وصفها أو وضعها العالم المتحضر في قوانينه ودساتيره ولكأن ما ينشر يوميا عبر هذا الموقع يخطف الأمل ويسرق النور ويغتصب الاطمئنان والأمن والأمان من الإنسان البسيط الذي كان يتصور انه يعيش في عالم عادل حتي ولو لم يصل إليه العدل والحرية ولم ينعم بالأمان والرفاهية في وطنه إلا ان العالم المتحضر المتقدم وقوانينه سوف يضمن له حياة أفضل لو طبقت قوانين حقوق الإنسان ولكن كشفت التقارير المسربة عبر هذا الموقع عن كذب وخداع ورياء ولكأن ذلك الفانوس السحري المسمي الانترنت قد خرج منه مارد ليدمر الأخضر واليابس بدلا من أن يلبي رغبات وأحلام من حضر ذلك العفريت وهذا الجن المدعو العلم والتقدم. اليورو والجنيه والقرش المتابع لمشاكل المصريين وهمومهم اليومية يعرف ان قضية الانتخابات أو ما يدعونه من فتنة طائفية أو حريات دينية أو سياسية لا تشكل سوي جزء بسيط من حياة المصريين ومشاكلهم والتي تنحصر في قضية "الأجور" وكل ما يندرج تحت هذا العنوان العريض حتي الفلاحين لا يهمهم من أمر الحكومة أو الحزب الوطني أو المحظورة سوي قضية أسعار المبيدات والتقاوي واسعار المنتجات والمحصول الذي يبيعونه بأسعار لا تفي بالاحتياجات اليومية للفلاح البسيط ولا تقارن بالأسعار العالمية للسلع الغذائية أو الصناعية ومن ثم فإن هموم الفلاح تنعكس بشكل متكرر علي هموم أهل المدينة والموظفين والعمال والمدرسين وكل فئات المجتمع التي تتقاضي أجورا من الحكومة تقع تحت بند الفقر وتحول المواطن المصري إلي شحاذ أو مرتش أو فاسد أو ناقم وحاقد حتي يصل إلي مدمن أو مريض أو مجرم بالصدفة أو مع الاصرار والترصد وليس هناك أخطر من أن يصبح الجنيه مساواً بالقرش أو المليم بالرغم من ان شكله الجديد يضاهي صورة ووزن اليورو المعدني وهذا اليورو ذاته قد أصبح نقمة علي العالم في اليونان والبرتغال واسبانيا وايطاليا وبولندا وايرلندا وها هو الاعلام يبث مصادمات شعبية مع الشرطة في بلاد الفرنجة ونري البوليس والأمن يوسع المتظاهرين ضربا وركلا واهانة والأصوات تتعالي في ايرلندا وبولندا تطالب بزيادة الأجور بعد أن تم تخفيضها وزيادة الضرائب فإذا بالصور والشخوص تتشابه هنا وهناك لكن الفرق هو المصارحة والمكاشفة وعدم الخجل من مواجهة الفقر والأزمة الاقتصادية والصراحة في تحليل الحالة المالية حتي ان وزراء المالية في الاتحاد الأوروبي يتبادلون الاتهامات والانتقادات وقد يصل الأمر إلي اعلان فشل الاتحاد في ادارة الأزمات وقد يصل اليورو إلي مستوي الجنيه المصري لأن سياسة الاقتصاد الحر والرأسمالية المزعومة فشلت علي مستوي العالم أجمع ما عدا الصين وعملتها السحرية "الين" والتي صارت عملاقا يلف العالم مثل سور الصين العظيم ومن الممكن أن يعود العالم المتحضر المتطور المتقدم الحر إلي الاشتراكية أو الشيوعية وحكم الفرد والديكتاتورية العسكرية ليحقق الاستقرار والرخاء ووداعا لحقوق الإنسان والحريات والانتخابات ومرحبا بالكل في واحد.. العالم هنا وهناك لم يعد مختلفا سواء سياسيا أو اقتصاديا ولكن سيظل دوما فرقاواحد بين كل الانظمة السياسية الا وهو إيمان الإنسان بأنه إذا كانت الحياة من حولنا غير عادلة إلا ان الله هو الحق وهو العدل... فلتأكل أسماك القرش الصغار وتهاجم البشر وتنتشي برائحة الدماء وتنشر الرعب والخوف حتي يفيض البحر وتثور الطبيعة وينتهي الشر في يوم ما قد نراه أو لا تدركه.