الاحتفال بيوم عاشوراء في العالم الإسلامي يختلف من بلد إلي آخر ولكنه في مصر له طقوس مهمة ومشهورة وأهمها الصيام وصلة الأرحام. وقد اعتاد الناس علي صلة الأرحام في عاشوراء خاصة في الريف الذي اعتبرها "موسماً" مهماً للود والتراحم ولذا فإن الاحتفال بهذا اليوم في القري أفضل منه في الحضر عدا مظاهر الصيام التي تعود عليها البعض في هذه المناسبة. غير أن الأهم أن يوم عاشوراء كثرت بشأنه الأقاويل وتنوعت الاحتفالات واختلفت المذاهب خاصة بين السنة والشيعة وتدخلت الأحداث التاريخية فيه بقوة في محاولة لتبديل العبادات بخلافات لا دخل للأمة بها رغم الأحداث الخطيرة التي توجب الوحدة وتنبذ الفرقة. ناقشت العلماء والفقهاء في الطريقة المثلي للاحتفال بعاشوراء وبحثت في صحة الحديث الذي يستند عليه أساتذة الشريعة لصيام هذا اليوم وتناولت أسانيد الشكوك التي ارتابت في مثل هذه الروايات وتداولت في العادات والتقاليد المنتشرة والتي صاحبت الاحتفال بهذا اليوم الواقع في أحد الشهور الأربعة التي وصفها الله من فوق سبع سماوات بالأشهر الحرم. الدكتور بكر زكي عوض أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر يقول إن الفلسفة التشريعية في مسألة الاحتفال بيوم عاشوراء أنه يجوز الاحتفال ببعض المناسبات التي وقعت أحداثها قبل الإسلام مادامت لا تتعارض مع الثوابت الدينية والعقائدية بدليل إقرار الرسول صلي الله عليه وسلم لفعل اليهود في هذه المناسبة عندما علمم أنهم يصومون هذا اليوم احتفاء بنجاة الله لموسي وبني إسرائيل من بطش فرعون. "سبب الحديث" أما الأقاويل الأخري أو الاحتفالات المتعارضة مع الأساس الديني للاحتفال بعاشوراء والمذكور في الحديث الصحيح المشهور عن النبي صلي الله عليه وسلم عندما أتي إلي المدينة فوجد اليهود يصومونه فقال "أنا أولي بموسي منكم" وصامه وأمر بصيامه.. فإن كل الاحتفالات أو الأقاويل أو الأفعال التي تخالف ذلك لا أساس لها من الصحة مثل يوم كربلاء أو التشكيك في الحديث وغيرها.. ولابد أن نعرف أن الأحاديث لها أسباب ورود مثلما الآيات لها أسباب نزول. ولكن لماذا انتظر الرسول صلي الله عليه وسلم للسنة التاسعة من الهجرة ليخبر أصحابه بأنه لو قدرت له الحياة ليصومتي التاسع والعاشر.. لماذا لم يكن ذلك في العام الهجري الأول من وصوله إلي المدينة. الدكتور بشير عبدالله أستاذ الفقه والشريعة بالأزهر يقول إن صيام النبي صلي الله عليه وسلم كان ضمن عباداته التي يتعبد بها حتي قبل بعثته لأنه كان يصوم شهر محرم باعتباره من الأشهر الحرم التي كانت مشهورة قبل الإسلام والتي كان يؤخرها أحياناً القرشيون حسب أمورهم السياسية والعسكرية في المنطقة.. فلو تعجلوا الحرب لأي سبب خاص بهم دارت عجلة القتال دون احترام للأشهر الحرم وجعلوا الشهر الذي يليه أو شهراً آخر بدل هذا الشهر يحرمون فيه القتال ولذا حكم الله علي فعلهم بالكفر بل جعله زيادة في الكفر فقال "إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم". ولذا كان الرسول صلي الله عليه وسلم يصوم شهر محرم قبل أن تأتيه الرسالة ويفرض عليه صيام شهر رمضان ثم يجعل صيام يوم عاشوراء سنة في لفتة مهمة تؤكد أن الأنبياء كلهم جاءوا بدين واحد. وقد قال العلماء في ذلك إن النبي صلي الله عليه وسلم كان يوافق أهل الكتاب في الأفعال التي لم يؤمر فيها بنهي عنها من باب استئلافهم واستمر كذلك حتي قيل إنه يوم تعظمه اليهود فقال ..فإذا كان العام المقبل لأصومن اليوم التاسع". فصيام يوم عاشوراء لم يبدأ في العام التاسع ولكنه بدأ مع وصول النبي للمدينة في العام الأول الهجري وعلمه بصيام اليهود له اتباعاً لموسي عليه السلام. سألته هل أنت متأكد من صحة الحديث الوارد بهذا الشأن؟ رواية ابن عباس أجاب الحديث صحيح وهو رواية لابن عباس يقول نصها بالضبط عندما قدم النبي المدينة رأي اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال ما هذا؟.. قالوا هذا صالح.. هذا يوم نجي الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسي فقال الرسول صلي الله عليه وسلم أنا أحق بموسي منكم فصامه وأمر بصيامه ثم بدأت الأحداث تتوالي مع اليهود ومنها عهوده معهم ثم نقضهم لهذه الاتفاقيات وموالاة أعدائه وتحريضهم عليهم ووقوفهم إلي جانبهم ثم تأديب الرسول لهم في خيبر والنضير وبني قريظة وغيرها من الأحداث التي أكدت عدم اتباع هؤلاء لكل ما أتي به موسي عليه السلام في شريعته ومنها اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم. خالف اليهود شريعتهم التي أمرتهم باتباع النبي الخاتم وتآمروا عليه ولذا قال الرسول صلي الله عليه وسلم بعد 9 سنوات من المعاناة معهم لأن عشت لقابل.. أي العام القابل لأصومن التاسع والعاشر حتي لا يكون صيامه مجرد تقليد لهم ولكنه اتباع لموسي بتشريع محمدي. لذا فإن أي تشكيك في الحديث لا مجال له.. والاحتفال باستدعاء أحداث تاريخية أخري لا علاقة لهذا الجيل بها وقع في كربلاء هي أشياء تضر العالم الإسلامي كله وتبث الفتنة بين أفراد الأمة. عادات إسلامية ولكن هل يقتصر الاحتفال بعاشوراء علي صيامه فقط؟ أجاب الدكتور بشير عبدالله بأن البعض يصلون أرحامهم في هذا اليوم وهذا مطلوب لأن صلة الرحم واجبة طوال العام فإذا كانت المناسبات الدينية وسيلة لفعل هذا الواجب أو تذكير المسلمين به فهذا محمود لا شك فيه وهذه ضمن العادات والتقاليد التي أمر بها الإسلام أيضاً. الدكتور عبدالحليم منصور وكيل كلية الشريعة بجامعة الأزهر بالدقهلية يؤكد صحة الحديث وصحة صيام عاشوراء والمناسبة التي دعت الرسول صلي الله عليه سلم لجعل صيامه سنة ويقول إن هذا أيضاً يؤكد أن الاحتفال بمناسبة تخص غير المسلمين ليس بدعة ولا حراماً مادام لا يضر بالعقيدة لأن جميع الأنبياء جاءوا برسالة السماء لإرساء مكارم الأخلاق. وهذا يعني أيضاً أن مشاركة إخواننا غير المسلمين في مناسباتهم الاجتماعية أمر حسن ولا يخالف العقيدة. قلت ولكن الرسول خالف اليهود عندما قال لأن عشت لقابل لأصومن التاسع والعاشر؟ أجاب الدكتور عبدالحليم منصور بأن هذه المخالفة ليست علي سبيل الإلزام والوجوب. سألت ولماذا الانتظار حتي السنة التاسعة للهجرة؟ أجاب من الوارد أنه لم يطلع علي هذا الأمر بشكل كامل أو لم يؤمر بالوحي إلا في هذا الوقت فالرسول لاينطق عن الهوي فالأحكام لم تنزل دفعة واحدة كما أن العقل الإسلامي في هذا التوقيت اكتملت معظم أحكامه ومنها احترام فكر وثقافة الآخر. أما بالنسبة للعادات الأخري في عاشوراء فإنها أعراف خاصة بنا وهي فرصة للتواد والتواصل الذي يتفق مع الشرع الإسلامي وربما تنفرد به مصر ولا نجده في بلاد أخري.. وهذا شيء حسن ومطلوب بل مؤكد بنصوص قرآنية غاية في الأهمية حذرت من قطع الأرحام مثل قوله تعالي "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم". قضايا فقهية الشافعية وأوقات العشاء السبعة الشرط الباطل في عقد القرآن محمد زين العابدين هل يجوز للزوجة أن تشترط علي زوجها في عقد القرآن عدم الإنجاب تجنباً للمشاكل وهل صلاة العشاء قبل الفجر مباشرة جائزة أم مكروهة.. ولماذا جعل الله لعباده ملائكة كاتبين يسجلون كل صغيرة وكبيرة رغم علمه بكل شيء. وردت إلينا هذه الأسئلة وأجاب عنها علماء الفقه والعقيدة في السطور التالية.. المال والبنون تسأل القارئه م.ف.ر من الإسكندرية قائلة: تزوجت مرتين وفشلت فيهما ويرغب أحد زملائي في العمل الزواج مني. ولا أرغب في الانجاب خوفاً من خلاف قد يحدث فهل يجوز أن أشترط ذلك عند عقد القران؟ يجيب عن هذا السؤال فضيلة الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء يقول: قال الله تعالي:"المال والبنون زينة الحياة الدنيا" ويقول رسول الله صلي الله عليه وسلم:"تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة". ويستفاد مما ذكر أن الفقهاء أخذوا من هذه النصوص من مقاصد الزواج الإنجاب فينبغي أن تكون الزوجة منجبة. ولذلك لما خاطب رجل أمرأة عقيماً لا تلد ذهب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال: يارسول الله اني خطبت أمرأة ذات حسب وجمال. وأنها لا تلد. فقال له رسول الله:" تزوجوا الودود الولود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة" وعلي ذلك فلا يصح للمرأة أن تشترط علي زوجها قبل الزواج ألا تلد حت لاتفوت عليه مقصداً من مقاصد الزواج وهو التناسل والتكاثر. فان اشترطت عليه ذلك أثناء العقد فان العقد يكون صحيحاً والشرط باطل يعني أن الزواج قائم والشرط كأنه لا وجود له. والله أعلم الكرام الكابتون يسأل القارئ إبراهيم حسن محمود من الإسماعيلية. قائلاً: ما الحكمة من إيجاد الكرام الكاتبين مع أن الله عز وجل يعلم كل شيء؟ يجيب عن هذا السؤال فضيلة الدكتور عزت عطية الاستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر يقول: لله تعالي في شئون عباده تدبير محكم لا يعلم حقيقته إلا هو سبحانه. لكن بحسب علمنا المحدود وفي اطار ما ورد في الكتاب والسنة النبوية المطهرة في الحكمة من وجود الكرام الكاتبين أن يجري أمر الناس في حياتهم علي ما قامت عليه هذه الحياة من ارتباط بين الأسباب والمسببات وبين الخلق فيما يتصل بالمعاملات فلو أجري الله عز وجل معاملاته مع الخلق علي ما يليق به سبحانه وتعالي لما تيسر شئون الخلق بوجود ذاتي أو استعلام في أمر من الأمور كما أن اطلاق التصرف لله تعالي يمنع من الاعتراض أو تفسير أمر من الأمور في مقابل ما يمضيه علي الانسان. أما التعامل مع الخلق بشراً وملائكه أو جنا فهو قابل للمعارضة واختلاف التفسير والاجتهاد والتوضيح والاعتراض ومن هنا كانت الحكمة في اختيار الكرام الكاتبين والله أعلم تسأل القارئة ناهد حسين علي من الاسماعيلية قائلة: أصلي العشاء بعد منتصف الليل فهل يعتبر ذلك قضاء؟ يجيب عن هذا السؤل فضيلة الدكتور عبداللطيف محمد عامر أستاذ الشريعة بكلية الحقوق بجامعة الزقازيق يقول: الأصل في توقيت الصلوات المفروضة قول الله تعالي:" فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون". وقد ورد عند بعض المفسرين في قوله تعالي:" حين تمسون" إن المراد بذلك صلاة المغرب والعشاء كما بينت السنة النبوية أوقات الصلاة حيث صلي الرسول "صلي الله عليه وسلم" المغرب حين غربت الشمس وأفطر الصائم ثم صلي العشاء حين غاب الشفق والمقصود بالشفق هو البياض الذي يظهر في جو السماء بعد ذهاب الحمرة التي تعقب غروب الشمس ولقد صلي الرسول العشاء مرة اخري حين ذهب ثلث الليل ثم قال: التفت إليّ جبريل وقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك. وقد ذهب الشافعية إلي أن العشاء سبعة أوقات وقت فضيلة وهو أوله. ووقت اختيار إلي ثلث الليل أو نصفه لحديث: "لولا أن أشق علي أمتي لأخرت العشاء إلي نصف الليل". ووقت جواز بلا كراهة إلي طلوع الفجر الأول ووقت كراهة إلي طلوع الفجر الثاني ووقت حرمة ووقت ضرورة ووقت عذر والمشهور في مذهب المالكية أن آخر وقت العشاء هو ثلث الليل ثم يكون الوقت بعد ذلك إلي طلوع الفجر ووقت ضرورة كأن يكون مريضاً شفي مرضه أو حائضاً أو نفساء طهرتا. ولكن هناك رواية عن رسول الله أن أول وقت العشاء حين يغيب الشفق وآخره حين يطلع الفجر فثبت أن الليل كله وقت للعشاء وبناء علي ما ذكرنا فإن الوقت المستحب في صلاة العشاء هو إلي ما قبل ثلث الليل أو نصفه. والتأخير إلي النصف مباح وإلي ما بعد النصف مكروه. ولكن لا يقال للمصلي بعد منتصف الليل أن يقضي صلاته قضاء لأنه قد أداها في وقت من اوقاتها وإن كان قد ترك وقت الاستحباب وهو أداء الصلاة لوقتها قال الله تعالي:" إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتاباً موقوتا". الإعجاز التشريعي في القرآن والسنة أئمة الفقه ملكوا أدوات الاجتهاد ولبوا دعوة الله بقلم : د.محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية كانت رسالة الإسلام فتحاً جديداً للبشرية جمعاء. فيما احتوت عليه منظومة الشريعة الإسلامية في معلمها الأساسي. المتمثل في إصلاح أمر الدنيا والدين بتصحيح المعتقد. واسعاد الإنسان. وتتميز منظومة الاعجاز التشريعي في القرآن والسنة النبوية بعدة سمات. فهي تجعل العقل والتفكير ملازماً للنص والعقل:" إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" الرعد: 3. وفي الوعي بعظمه الكون:" ويتفكرون في خلق السماوات والأرض" آل عمران: 191 وكشف دواخل النفس: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" الذاريات: 21 والاحتفاء بقيمة العقل في أكثر من آية تختم بقوله تعالي "أفلا تعقلون" وتحرير الفكر من أسر الاتباع وأغلال التقليد وتأمل الحكمة والبصيرة كأساس الدعوة والتشريع:" قل هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة" يوسف: 108 "فاعتبروا يا أولي الابصار" الحشر: وهو ما يقتضي النظر والبحث والاستدلال. وهي من أدوات الاجتها. كما نوه الخطاب الشرعي في القرآن والسنة إلي العقل. فمن لا عقل له لا تكليف عليه ففي الحديث:" رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتي يبلغ. وعن النائم حتي يستيقظ. وعن المجنون حتي يفيق أو يعقل". لذلك كان النظر العقلي السبيل لتحصيل الإيمان الصحيح. فالعقل حاكم صاحب سلطة يحتكم إليها في الاجتها. وصاحبه جدير بالحضارة والتقدير. بجانب ذلك فإنها تقوم علي الحوار وسيلة التفاهم والتواصل:" وأنا أو إياكم لعلي هدي أو في ضلال مبين" سبأ: 24 وهي تقوم علي أصول وكليات تواكب متطلبات التطور. وتعالج كل مستجدات الحياة وأحداثها "ما فرطنا في الكتاب من شيء" الأنعام: 38 و"نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء" النحل: 89. وعلي هدي الاجتهاد العقلي. في النصوص نشأت المدارس أو المذاهب الفقهية فقد وعي ائمة الفقه صناعة الاجتهاد وملكوا أدواته ولبوا دعوته:"فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون" التوبة: 122 فهم مدفوعون نحو الاجتهاد لما دعاهم إليه القرآن. بالفهم العميق للنص. وتنزيله علي الواقع المعيش وواجب عليهم تفهيمه والتوعية به. كما اشارت إليه الآية. كما أن المجتهد في العلم الفقهي. حقق الرضوان الألهي. كما في الحديث "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. قواعد أصولية ولا يتم تحصيل الفقه "القانون السماوي" إلا بإعمال العقل. والتبصر في النص. والتدبر في الموارد والسياق. وهو مكافأ أو مأجور حال الصواب وحال الخطأ. ومن أجل ذلك صنف العلماء علم الفقه من علوم العقل. ووضعوا له قواعد أصولية ونظريات فقهيا. وشيدوا صرحه علي موازين وقوانين. لإحكام صنعته وضبط أحكامه. ومن هنا يبرز الملمح البارز في الشريعة في أمرين: قواعد عامة حاكمة للعلاقات والمعاملات قوامها العدل والانصاف. وقانون استثنائي يقوم علي مواجهة الضرورة التي تجعل من الالتزام بالقاعدة العامة مسألة متعذرة. بل مستحيلة. وتطبيقاً لذلك جاءت قاعدة:" ما كان محرماً لذاته يباح للضرورة" حماية للحقوق الأساسية للفرد والجماعة "وما كان محرماً غيره يباح للحاجة". "وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه" الأنعام: 199 "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه" البقرة: 173 مناحي الإعجاز التشريعي: يستمد التشريع اعجازه من اعجاز مصدره. أخصها القرآن ذاته. والوحي النبوي الذي لا ينطق عن الهوي. ومن عصمة اجماع الأمة . وهو ما يضفي تفرداً وعبقرية للشريعة المتمثلة في النصوص بطابعها المقدس من الوحي المعصوم. وأهم جوانب التفرد في النظام التشريعي شموله وعمومه للعلاقات الدينية والمجتمعية في شئون العبادات والمعاملات والعقوبات والنظام الدولي. مما لا يوجد في غيره من التشريعات. كما هو الحال في العبادات. 2 مراعاته للحقوق الخاصة والعامة والمسلم وغير المسلم. والمواطن والأجنبي. واستدعاؤه للضمير الإيماني. 3- دقة الصياغة وعمق الصنعة والحبكة القانونية بالرغم من ديمومته علي تعاقب العصور والأجيال وصلاحيته لكل زمان ومكان. 4- قدرة التشريع علي تنظيم وتقديم الحلول لمشكلات الشعوب والمجتمعات برغم اتساع الأقطار وتنوع الأجناس. وعلي هدي ذلك فقد أقامت الشريعة الإسلامية مجتمعاً نموذجاً تنظم فيه العلاقات الاجتماعية في شتي مناحي الحياة بمنهج محكم يعتمد علي العموم والاجمال في بعض القضايا. والتفصيل والتفريع في قضايا اخري لأسباب واعتبارات وظروف وأحوال تقتضيها مصلحة الانسان. ومواكبة جديد الحياة. ومراعاة سنة التطور. ويعجب الفقيه كيف أن جملة الاحكام التشريعية في القرآن خمسمائة آية في كل مجالات الحياة علي أكثر تقدير لا غير. وقال البعض إنها ثلاثمائة آية. علي هذا النسق المدرك لطبيعة الانسان وفطرته وناموس الحياة في تجددها تأسست الشريعة علي الثوابت والمتغيرات. فالثوابت وجدت لما لا غني عنه لصلاح الفرد والمجتمعات. وكان الباعث للاجتهاد لإيجاد الحلول للقضايا التي مصدرها المتغيرات لملاءمة الايقاع السريع لحركة العصور. واختلاف الأمم والشعوب. بناء علي القاعدة: "إجمال ما يتغير. وتفصيل ما لا يتغير". وهي من أصول الصنعة التشريعية. أما العدل الذي أقام أسسه الإسلام وشهادة علماء الغرب له واهتمامه بالإنسان ونبذ العنصرية.. فهذا حديث آخر.
