ما سر هذا الحب الإلهي المقدس المتدفق من رب العزة جل في علاه علي مخلوق من البشر اسمه محمد بن عبدالله؟ عندما تستعرض آيات القرآن الكريم تجد حالات متعددة وطرقاً مختلفة للتعبير عن هذا الحب والرضا بل والفخر والتباهي من الذات العليا المقدسة إلي النبي الخاتم. ومع بداية هذه الحالات نجد تفرداً في الخطاب السماوي للرسول محمد صلي الله عليه وسلم بعد أخطر لحظة تاريحية شهدها النبي حين أخذته الدهشة والمفاجأة وهو يري لأول مرة مخلوقاً عجيباً يهبط عليه من السماء وقد سد الأفق بجناحيه ثم يدنو منه ليأمره بالقراءة "اقرأ باسم ربك الذي خلق".. وما أن يغادر الملك جبريل الغار حتي يسرع محمد بالفرار إلي بيته مردداً: "زملوني.. دثروني". وإذ بالآيات تتنزل عليه "يا أيها المزمل" و"يا أيها المدثر" وكأن الله بذاته المقدسة يداعب نبيه الذي اختاره دون سائر البشر ليبلغ آخر رسالات السماء إلي العالم من خلال كتاب مقدس محفوظ بعناية الله إلي يوم الدين. ثم تعلو نبرة تكريم الله لرسوله في خطابه السماوي فيدعوه إلي عدم الضيق أو الحزن مما يسمعه ويشاهده من قوم رفضوا رسالته السماوية الهادية للعالمين "ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون".. أي حنان هذا وأي عاطفة تلك التي تتدفق بالحب الإلهي المقدس للنبي الخاتم والتي يعجز القلم عن وصفها أو الإتيان بشبيه لها من حب الدنيا كله "قد معلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك".. إن رحمة السماء تتجلي علي رسوله تهدئ خواطره.. تطمئن قلبه.. تزيده حناناً من لدنه.. حتي يمر من أخطر مراحل الدعوة.. تلك المرحلة التي بلغت فيها التنكيل به وبأصحابه منتهاة وشهدت أهم محاولة لقتله تم فيها سد كل الثغرات حتي لا يفلت الرسول من القتل لدرجة التفكير فيما بعد التنفيذ بإهدار دمه وتوزيعه علي كل القبائل لكي لا ينال القاتل أي عقوبة. ينتقل الخطاب السماوي للنبي محمد إلي مرحلة أخري تبدأ مع هجرة الرسول إلي المدينةالمنورة ومعاركه لرد اعتداءات قريش علي الدعوة وعلي المسلمين لنجد خطاباً سماوياً يتباهي الله فيه بنبيه.. بل ويفتخر به أمام العالمين فيكرر نداءه عليه خمس مرات في سورة واحدة هي الأحزاب.. لا يدعوه باسمه بل بشرف ومجد النبوة ليرفع ذكره أمام البشرية "يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين". "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك".. "يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا".. "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً".. "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين". ولا تكتفي المحبة والعناية الإلهية بمحمد بنداءات التكريم تلك بل تكرر 10 مرات ذكر محمد صلي الله عليه وسلم بشرف النبوة إما في صيغة خبرية مثل "النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم" أو بصيغة طلبية مثل "يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول" أو بتحذير الصحابة من أعمال قد تسبب الأذي للنبي مثل قوله تعالي "لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم".. إلي قوله تعالي: "إن ذالكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحي من الحق" حتي نصل إلي الذروة بتكريم النبي بصفته المتفردة "خاتم النبيين" ليبلغ الكرم الإلهي بنبيه محمد إلي درجات أعلي في السمو فيرفع ذكره في السموات والأرض وأمام الحضرة الإلهية المقدسة فيعلن للعالم كله "إن الله وملائكته يصلون علي النبي" ثم يأمر المؤمنين بتقليد الملائكة "يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما". الأسوة الحسنة لا تكتفي المحبة والعناية الإلهية برسوله بهذه الدرجة من التكريم بل تذكره بشرف ومجد الرسالة القرآنية التي أرسل بها إلي العالم لهدايته إلي الحق ويتكرر هذا 12 مرة في السورة ليذكر لفظ الرسول مقترناً ومضافاً إلي لفظ الجلالة أو بضمير عائد علي لفظ الجلالة.. مرة ينبه المؤمنين إلي أن الرسول هو الأسوة الحسنة لهم وللعالم "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" ومرة يحذر من عصيانه "ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً" وثالثة يحذر من التعرض له بالأذي "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله" ورابعة يصب لعنته علي كل من يؤذي الرسول "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة" وخامسة يعد بالفوز العظيم لمن يطيعه "ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً" وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره.. أبعد هذا كله يمكن أن يهز المؤمنين أحد الصراصير يسخر بالنبي كاريكاتورياً أو غيره بزعم حرية التعبير التي تهزأ بسيد البشر وتخشي من أي سخرية مما يسمي ب "الهولوكست" أو محرقة اليهود.. أي عالم هذا الذي يكيل بعدة مكاييل وتتحكم به بل وتطوعه الأصابع الصهيونية الماكرة؟! أمر وجوبي سألت الدكتور سعد خلف عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر عن معني أمر الله للمؤمنين بالصلاة علي النبي.. هل هو وجوبي أم جوازي؟ أجاب الدكتور سعد خلف أن الأمر هنا أمر وجوبي كالأمر بالصلاة وهو أمر للإنس والجن من المؤمنين ولذلك توعد الرسول في حديثه البخيل بالويل فقال: "ويل للبخيل. قيل وما البخيل يا رسول الله؟ أجاب: البخيل هو من سمع اسمي ولم يصل عليَّ" بل إن صلوات الرسول كانت قربة ورحمة للأعراب "ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته".. بل إن سيدنا آدم وهو يتجول في الجنة وجد علي بابها مكتوباً "لا إله إلا الله.. محمد رسول الله" فسأل ربه ما هذا الذي قرنت اسمك باسمه؟ فأجابه ربه: هذا آخر الأنبياء حبيبي ومصطفاي محمد.. من نسلك يا آدم.. فصل عليه.. فأنا أصلي عليه والملائكة والخلق أجمعين" بل إن من شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم تقبل شهادته.. ومن آمن بالله وكفر بمحمد لا يقبل إيمانه.. قد رفع الله ذكره بأن قرن اسمه باسم محمد فلا يذكر الله إلا ومعه محمد صلي الله عليه وسلم ولا ينادي إلي الصلاة إلا بذكر الله ومحمد صلي الله عليه وسلم ولا تقرأ التحيات إلا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.. ولا يصلي أحد علي رسول الله إلا وناله ثواب وعطاء إلهي لايعلمه إلا علام الغيوب. أضاف الدكتور سعد خلف عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر أن الله كرم رسوله في الأرض وفي السماء وشرفه بإمامة الأنبياء ليلة الإسراء والمعراج ووصف الرسول لأصحابه بعض الأنبياء ومنهم موسي وعيسي وإبراهيم بل إن الله قال له في سورة الزخرف: "واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" ولا يمكن للرسول أن يلتقي بمن قبله من الأنبياء في الدنيا إلا إذا كان ذلك ليلة الإسراء والمعراج.. وقد تحول الرسول من البشرية إلي الملائكية عندما عرج به إلي السموات العلي ثم وصل إلي حالة تفوق الملائكة عندما توقف جبريل فجأة ليقول له تقدم يا محمد فإنك لو تقدمت اخترقت أما أنا فلو تقدمت لاحترقت. إن هذا الرسول الذي عمر نوره السموات والأرض والناس أجمعين ووصفه الله بالرحمة التي أرسلت للعالمين لن تطفئ أنواره ظلمات الشرك والمنافقين ولو حشدوا لها من أبواق النفاق الملايين.