المحصلة النهائية للقمم الثلاث واللقاءات التي عقدت بالرياض علي مدار الأيام الماضية. هي فوز الولاياتالمتحدةالأمريكية بعقود وصفقات تجارية واستثمارات قيمتها 400 مليار دولار. وضمان تشغيل مصانعها وشركاتها لمدة 10 سنوات قادمة. وتوفير الآلاف من فرص العمل والوظائف للمواطنين الأمريكيين.. أما الحديث عن مكافحة الإرهاب والكلمات التي قيلت عن ضرورة التنسيق وتعزيز الجهود للتصدي للعنف والتطرف فهي كلها تمثل الإطار النهائي الذي يغلف ويبرر صفقات السلاح الذي تخطت ال 120 مليار دولار. قمم الرياض الثلاث كانت أول اختبار دولي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. الذي انتقل من مقعد المرشح إلي مقعد الرئيس. وصدقت كل التوقعات التي أكدت أنه سيتعامل مع الملفات السياسية بمنطق رجل الأعمال. وانطلاقاً من الخلفية الفكرية التي جاء بها. بغض النظر إن كان من قبل رجل أعمال ناجح أو فاشل. وبغض النظر ايضا عن كونه تاجر عقارات أو تاجر سلاح. ترامب الذي هاجم الإسلام والمسلمين ودعا لمنع دخولهم للولايات المتحدة. ووصف الإرهاب دائماً بأنه "الإرهاب الإسلامي".. لم يتطرق - وهو في أرض الإسلام - لسماحة وقيم الدين الإسلامي. لكنه اكتفي فقط بذكر الإرهاب دون أن يضيف إليه الصفة الإسلامية.. كما أنه لم يذكر شيئاً مما كان يردده في حملته الانتخابية واتهاماته لمنافسته هيلاري كلينتون وحزبها بأنهم هم من أنشأوا تنظيم داعش ومولوا أعضاءه كما فعلوا من قبل مع طالبان.. لكنه كان صادقاً فقط حين قال في كلمته التي ألقاها في القمة إنه لا يمكن لدول الشرق الأوسط أن تنتظر القوة الأمريكية لسحق الإرهاب نيابة عنها. وأن الولاياتالمتحدة مستعدة فقط للوقوف بجانبكم. وهو ما يعني أن علي العرب والمسلمين أن يدفعوا تكلفة المعركة ضد الإرهاب. وهو بذلك يترجم عملياً ما أعلنه في حملته الانتخابية قبل توليه السلطة. حين قال إن علي دول الخليج أن تدفع للولايات المتحدة مقابل حمايتها. أما الرئيس السيسي فقد كان أكثر وضوحاً وعقلانية. وكانت كلمته عن الإرهاب أكثر تحديداً. حين قال إن التصدي للإرهاب يعني مواجهة جميع التنظيمات الإرهابية دون تمييز.. وأنه لا مجال لاختزال المواجهة في تنظيم أو اثنين.. فالتنظيمات الإرهابية تنشط عبر شبكة سرطانية.. تجمعها روابط متعددة في معظم أنحاء العالم.. تشمل الأيديولوجية.. والتمويل.. والتنسيق العسكري والمعلوماتي والأمني.. ومن هنا.. فلا مجال لاختصار المواجهة في مسرح عمليات واحد دون آخر.. وإنما يقتضي النجاح في استئصال خطر الإرهاب أن نواجه جميع التنظيمات الإرهابية بشكل شامل ومتزامن علي جميع الجبهات. وأن المواجهة الشاملة مع الإرهاب تعني بالضرورة.. مواجهة كافة أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل والتسليح والدعم السياسي والأيديولوجي.. فالإرهابي ليس فقط من يحمل السلاح وإنما ايضا من يدربه ويموله ويسلحه ويوفر له الغطاء السياسي والأيديولوجي. ثم طرح الرئيس أسئلة محددة ومنطقية: أين تتوفر الملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية لتدريب المقاتلين.. ومعالجة المصابين منهم.. وإجراء الإحلال والتبديل لعتادهم ومقاتليهم؟ ومن الذي يشتري منهم الموارد الطبيعية التي يسيطرون عليها.. كالبترول مثلاً؟ ومن الذي يتواطأ معهم عبر تجارة الآثار والمخدرات؟ ومن أين يحصلون علي التبرعات المالية؟ وكيف يتوفر لهم وجود إعلامي عبر وسائل إعلام ارتضت أن تتحول لأبواق دعائية للتنظيمات الإرهابية؟ وأكد الرئيس أن كل من يقوم بذلك هو شريك أصيل في الإرهاب.. ثم كان الرئيس أكثر وضوحاً حين قال إن دولاً تورطت في دعم وتمويل المنظمات الإرهابية وتوفير الملاذات الآمنة لهم.. كما أن هناك دولاً تأبي أن تقدم ما لديها من معلومات وقواعد بيانات عن المقاتلين الإرهابيين الأجانب.. حتي مع الإنتربول. ترامب يري أن محاربة الإرهاب تكون بالسلاح المنتج في مصانع الولاياتالمتحدة. أما الرئيس السيسي فعلي قناعة بأن "المعركة ضد الإرهاب هي معركة فكرية بامتياز.. والمواجهة الناجحة للتنظميات الإرهابية يجب أن تتضمن شل قدرتها علي التجنيد واجتذاب المتعاطفين بتفسيرات مشوهة لتعاليم الأديان.. تخرجها عن مقاصدها السمحة.. وتنحرف بها لتحقيق أغراض سياسية". لقد أثارت قمم الرياض ردود أفعال متباينة ما بين متفائل بعودة توازن القوي للمنطقة. وبين مخاوف من عودة آلاعيب الولاياتالمتحدة بإثارة الاضطرابات ونشر الفتن بين السنة والشيعة واستثارة إيران لنشر الفزع من حرب جديدة علي غرار مسلسل العراق والكويت أو إيرانوالعراق. وهو الأمر الذي سيضمن تشغيل مصانع السلاح الأمريكية إلي ما لانهاية.