بعض الصحابة أطلقوا اسم بدر علي سورة الأنفال لآياتها التي صورت المعركة وحديثها عن بعض المباديء والأسس التي يجب علي المقاتلين المسلمين الالتزام بها في الميدان وتحذيرها من سلوكيات قد تضر بخطط المعركة أو تؤثر سلبا في نفوس القادة والجنود.. انها سورة توجه الجميع في ميدان المعركة وتصدر أحكاما مهمة لجميع المقاتلين المسلمين لابد من الالتزام بها حتي قيام الساعة. معركة بدر ليست مجرد غزوة وانتهت ولكنها تطور خطير حدث في الواقع السياسي والعسكري والموقف الاستراتيجي لقوة بازغة بدأ الكثير يترقبها ويدبر الخطط المضادة لمواجهتها.. معركة بدر تطور فكري وعقائدي وايديولوجي ليست للجزيرة العربية فقط بل للجزيرة وما حولها انها انذار لآت قريب لم تمر سنوات قليلة حتي احدث تغييرا شاملا في المنطقة كلها. معركة بدر أكبر بكثير من مجرد عقد بعض الندوات واقامة بعض الاحتفالات والقاء بعض الخطب والمواعظ المكررة وسرد ممل لبعض وقائع المعركة لا يسمن ولايغني من جوع ولا يغير من واقع المسلمين ولا يدفعهم إلي الأخذ بأسباب القوة والعلم ليستطيعوا رد اعدائهم والانتصار لقضاياهم الكبري وأولها مسجدهم الاقصي الاسير. ماذا استفدنا من غزة بدر وما هي التعليمات التي وجهتها الآيات القرآنية لجيوش وقادة المسلمين.. متي تبدأ المعركة ومتي يصبح القتال واجبا علي الأمة وكيف صورت الآيات ميدان القتال في ضوء تعدد المشاهد للمعركة الخالدة؟ الدكتور محمد الزناتي عميد كلية الدراسات الاسلامية السابق واستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر يبدأ بقوله تعالي في سورة القنال "ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقداكم" ويعقب بأن هذه الآية تبدأ بحرف يسميه النحويون ان الشرطية.. أي ان الشرط الأول للانتصار في المعارك الكبري ضد اعدائنا هو العمل علي نصرة الله في كل القضايا.. ونصرة الله تقتضي شيئا نعرفه جميعا وهو البعد عن محارم الله والانتصار الدائم لأوامره وتعليماته ولذا كانت المعصية أشد علي جيوش المسلمين من اعدائهم ولذا ايضا بدأت سورة الأنفال بعد السؤال عن توزيع الغنائم بحديث مهم جدا عن التقوي والصلاح.. وجميعنا يعرف ان الصلاح ضد الفساد وإذا استشري الفساد في قوم فلا يمكن ان تنتظر لهم نصر فالله لا ينصر الفاسدين. وهذا طبيعي جدا لأن الفساد ينتج تخلفا في كل شيء في الاقتصاد والتعليم والتربية والأخلاق والسلوك وكل ما يهم الأمة ولا يمكن لأمة هذا دينها ان تنتظر نصرا من الله.. فالله لا يغير سننه وإذا نصر الفاسدين فلمن تكون الهزيمة؟ يسرد الدكتور محمد الزناتي بعض آيات سورة الأنفال التي بدأت قبل تصوير المعركة بقوله تعالي "فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم واطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين" ان الآيات تتحدث عن النفوس وعن اصلاح ذات البين فهل تري هذا اليوم في واقع المسلمين؟ ان الاصلاح وانهاء الخلافات بين أمة الإسلام مبدأ أساسي قبل أي معركة لمواجهة اعدائهم وهي شرط أساسي من شروط النصر.. ان خلافات الأمة هي للأسف وفود النصر لأعداء المسلمين لذلك قبل ان تبدأ سورة الانفال بالحديث عن مشاهد المعركة قدمت للحديث بشروط النصر وكان أولها اصلاح ذات البين ثم عرفت المؤمنين فقالت انما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلي ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون.. أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم وهي شروط تفصيلية تضعها السورة للمؤمنين قبل ان تبدأ بما حدث قبل المعركة وما حدث اثناء المعركة ثم توجه تعليماته لجميع المقاتلين المسلمين. فتبدأ بالحديث حول من كان مكرها علي الخروج مع الرسول للمعركة من بعض المؤمنين يجادلون الرسول في أمر المعركة بزعم انهم غير مستعدين لها وان فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين والحق هنا هو وجوب القتال "اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله علي نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله" ان ما حدث قبل المعركة من هذه الصورة البشرية للبعض كانت جديرة بوقوع خلافات هائلة بين المؤمنين ولكن هذا لم يحدث بل كانت الغلبة لرأي المؤمنين الذين قالوا للرسول لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد. ان الذين كرهوا الخروج لملاقاة الأعداء صورتهم الآية الكريمة تصويرا غريبا فقالت "كأنما يساقون إلي الموت وهم ينظرون" هذا مشهد واحد مما حدث قبل المعركة. المشهد الآخر تنتقل الآيات إليه لتصور حال المؤمنين وهم يتمنون النصر علي الأعداء رغم ان الله وعدهم احدي الحسنيين اما النصر واما للشهادة "وإذ يعدكم الله احدي الطائفتين انها لكم وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم" ولكن الله أراد ان يحق الحق وان تكون هذه المعركة فاصلة لقطع دابر الكافرين ليبطل الباطل ولو كره هؤلاء المجرمون المغترون بقوتهم وعددهم وعدتهم. ثم تبدأ الآيات بتصوير حال المسلمين وهم يستغيثون يناشدون الله يرجونه بخالص الدعاء تنهمر دموعهم كالمطر والمشهد هنا خطير قوم جاهزون بكل عدتهم وحليهم وقوتهم الاقتصادية والعسكرية وقوم عراة جوعي حفاة لا يملكون إلا فارسين اثنين وباقي الجيش اما مترجلين أو علي بعير. وإذ بالبشري تنزل من السماء اني ممدكم بألف من الملائكة مردفين أي يردف بعضهم وراء بعض.. ان الآيات مازالت تصور حال المؤمنين قبل المعركة حيث يغشيهم النعاس أمنة منه "إذ يغشيكم النعاس" ليذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل علامة علي النصر والطمأنينة.. انها طمأنينة وتثبيت في القلوب لا يقدر عليه إلا من كانت قلوب العباد بيده. ان الآيات تقرر عدة أحوال بدأت قبل المعركة فعقب استغاثة المؤمنين ووعد الله لهم بالمدد ثم طمأنة قلوبهم يغشيهم النعاس في وقت لا يستطيع أحد آن يطمئن إلي نعاس فتمطر السماء تذهب عن الجيش رجز الشيطان تطهر الجنود والقادة تثبت الاقدام.. تصدر الأوامر للملائكة اني معكم فثبتوا الذين أمنوا.. فهل يهزم جيش معه الله؟ سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ولا يستطيع فارس ان يمسك بلجام فرسه ولا بسيفه إذا اصيب بالرعب كما لا يستطيع طيار ان يتحكم في طائرته في الأجواء إذا اصيب بالرعب.. انه سلاح لا يملكه أحد إلا الله.. ثم تأمر الآيات المقاتلين ان يضربوا اعداءهم ولا يهابونهم مهما اظهروا من قوة والاخطر ان الآية تحدد لهم مكان الضرب فوق الاعناق لتطاير رءوس الأعداء في الميدان فيدب الرعب اكثر في قلوبهم واضربوا منهم كل بنان. ان تصوير خطير لمعركة بدأت بحبيش توافرت في جنوده وقادته شروط النصر.. وأولها الايمان والتقوي ونصرة الله وضمن هذا الايمان وضمن شروط الاستعداد والاعداد الجيد للمعركة اعداد القوة وتجهيز الجيش بالسلاح بأحدث ما وصلت إليه التقنية العسكرية والتكنولوجية. ثم تبدأ الآيات بالقاء التعليمات علي المقاتلين "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار" ثم يبدأ التحذير من مخالفة شروط الميدان "ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلي فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير". ان الآية تبين انه لابد من اعداد الخطة للتحرف في القتال واعداد الفرق ومناوشة الأعداء.. ان الآية توضح ان الأمور الفنية في القتال أنتم ادري بها ولكن اياكم ان تفروا من الميدان أو تخافوا اعداءكم إلا إذا كان هذا تكتيكا خاصا بالمعركة من التحرف في القتال أو التحيز إلي فئة بعينها.. أما الفرار لمجرد الفرار فإنه يعرض الجيش لغضب الله وكل من يفعل ذلك فليس له عقاب مناسب إلا جهنم وبئس المصير. ان الآيات لم تقتصر علي ذلك ولكنها تحدثت في أمور أخري كالحديث حول الأسري "ما كان لنبي ان يكون له أسري حتي يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم" ومشكلة الأسري كانت مثار خلاف بين الصحابة وبينهم أبي بكر وعمر حيث رأي الأول اطلاق سراحهم بالفداء ورأي الآخر وجوب قتلهم ونزلت الآية لتنصر رأي عمر بعدما أخذ الرسول برأي أبي بكر. وهذه آيات خاصة بهذه الواقعة كما يؤكد الدكتور الزناتي حيث ان سورة القتال وضعت قاعدة عامة في الاسري "فإمامنا بعد واما فداء حتي تضع الحرب أوزارها" ولذلك كان شأن الأسري في الاسلام يخضع للعهود والمواثيق التي وقعتها الدولة الاسلامية مع الدول الأخري كما يخضع لظروف المعركة ووضع الاسري في الجانبين والاتفاقيات المبرمة في هذا الصدد. ان الآيات ايضا تحدثت عن الغنائم وتوزيعها وعن اليهود الذين يدسون انوفهم في كل شييء والذين غاظهم نصر المؤمنين وقالوا للرسول لو قابلتنا لعرفت اننا الناس. ان معركة بدر لم تكن مجرد غزوة وانتهي أمرها ولا مجرد مشاهد لمعركة ولكنها كانت تعليمات وتوجيهات لكافة المجاهدين حتي قيام الساعة.