لدي قناعة كبيرة بأن الحكومة لا تزال غير قادرة علي التواصل مع المواطنين بشكل كافي. نشعر بغيابها حين يكون وجودها حتميًا.ونفتقدها حيث يجب أن نراها تتواصل مع الرأي العام وتصوغ له حقائق ما يجري ببساطة وشفافية ..وفي يدها برهان لا يأتيه الشك من بين يديه ولا من خلفه. خصوصًا في القضايا المصيرية والأزمات العاصفة التي يترك غياب المعلومات الحقيقية بشأنها لدي عامة الناس بلبلة ومخاوف يستغلها أهل الشر في ترويج الإفك ونشر الإحباط وخطاب التشكيك والتخوين .. وفي المقابل لدي يقين بأن جماعة الشر خرجت من جحورها مجددًا لركوب الموجة والمزايدة علي الوطنية لجرجرة الوطن إلي مستنقع الفوضي والتخريب .. صحيح أنها شرذمة قليلة لكنها الأعلي صوتًا والأكثر ضجيجًا وقدرة علي بث خطاب التشكيك والتخوين والإحباط .. هذه الفئة لا تري في الكوب إلا نصفه الفارغ .. لا تري في البلاد إلا الأزمات وتعمي أن تري فيها الإنجازات وما يلوح في الأفق من بشائر الخير استقراريا وعودة للساحة الدولية والإقليمية.وهو ما جعل القاهرة مقصدًا لحركة الوفود الدبلوماسية الغربية والعربية خلال الأيام الماضية.. يتصدرها ملوك ورؤساء يرون في مصر مستقبلًا واعدًا. ويرون في الرئيس شخصية تستحق الإعجاب. وللأسف أدي سوء إخراج المشهد من جانب الحكومة في قضية جزيرتي تيران وصنافير إلي استغلال بعض أفراد المجموعة القديمة بنفس شخوصها وشعاراتها وأهدافها للموقف.. وللأسف لم يتورع بعضهم عن ترديد شعارات لا علاقة لها بقضية الجزيرتين.بل تعدتها إلي المطالبة بإسقاط النظام. وإقحام كلمة "العسكر" في المشهد من جديد.. وفي ذلك استدعاء لمشاهد مؤلمة خسرت مصر بسببها ولا تزال الكثير والكثير.. ومن ثم فعلي الحكومة أن تنتبه لما يجري وألا تهون من شأنه مهما يكن صغيرًا فمعظم النار من مستصغر الشرر.. وأن تضاعف جهودها للتواصل مع الناس خصوصًا في الملفات المهمة وألا تتركها نهبًا للتخمين والشائعات والأكاذيب.. فمكمن الخطر هنا أن البعض يتخذها تكئة لإبقاء جذوة الغضب مشتعلة في الصدور. مستغلًا ما يموج به الشارع من متاعب اقتصادية.ضاعف من صعوبتها صعود الدولار.وغلاء الأسعار بصورة مزعجة . بلغت المزايدات مداها بالبعض حتي وصلت لحد "الترخص السياسي". حيث عاد بعضهم للمتاجرة بدماء الشهداء.والتنطع باسم الوطنية والدفاع عن الأرض والعرض.متصيدين الذرائع لإطلاق شعارات التظاهر والاعتصام.تمهيدًا لاتخاذها مدخلًا للاعتداء والحرق والتدمير. وإراقة المزيد من الدم في سبيل غاياتهم المريضة . ثمة محاولات محمومة لجرجرة مصر إلي مستنقع الفوضي. واستدراج آلاف الأبرياء من الشباب الأنقياء للخروج من جديد في مظاهرات تبدأ سلمية في شعاراتها ومطالبها. ثم سرعان ما تتقلب إلي نهايات مأساوية لا يعلم مداها إلا الله. فبحجة دماء الشهداء قفز الإسلام السياسي من جديد إلي صدارة المشهد بذات الطريقة التي اختطف بها ثورة يناير بمساعدة عدد من النخبة الذين عرفوا ب ¢عاصري الليمون ¢ .. ولو أنك سألت واحدًا من هؤلاء.. وما هو البديل.. عجز أن يجيب ..الأمر الذي يعني أن الفوضي هي النهاية الحتمية لمثل هذه الدعوات رغم اعتراف بعض قياداتهم بأنه ليس هناك بديل سياسي جاهز في المشهد الحالي .. والسؤال ففيمَ المزايدة.. ولماذا العودة إلي طريق جربنا نتائجه وكانت وبالاً علي مصر وأهلها ومنطقتها والعالم أجمع ..؟! فهل من المقبول أن تتجدد الإساءات لمصر من فئة قليلة تلوّح بالعودة للميادين .. والحشد الجماهيري .. هل فكر هؤلاء في مصلحة مصر وأهلها وسوادها الأعظم الذي يعاني ظروفًا لا تتحمل مثل هذه المهاترات.. هل من الوطنية تشويه صورة مصر مثلما حدث في قضية الشاب الإيطالي ريجيني. وتهييج المشاعر الوطنية في قضية " تيران وصنافير " ..والتشكيك في وطنية الرئيس ؟! غالبية الشعب المصري تدرك تمامًا أن من تاجروا بدم الشهيد هم من أسهموا في وأد الثورة بأنانيتهم ونفعيتهم وذواتهم المريضة وأجنداتهم الخارجية .. وها هم يعودون من جديد استغلالاً لأزمة تلو الأزمة للدعوة إلي الخروج في تظاهرات تتلهف عليها الجماعة الإرهابية وأحلاف الشر بشتي الطرق لتركيع مصر اقتصاديًا. وضرب نسيجها الوطني.وفك الارتباط بين الشعب وقيادته .. الأمر الذي يدفعنا للتساؤل : لماذا كل هذا التباطؤ في كشف الحقائق للناس وترك الشباب البريء فريسة لماكينة الشائعات والكذب التي تبث في عقولهم معلومات مغلوطة أو منقوصة أو غير ناضجة حتي يتشبثوا بها. بدعوي أنها أفكار ثورية لا تقبل المساومة أو التصويب.. وما عداها فهو ضد الثورة. ما أحوجنا إلي وحدة الصف وطرد اليأس والإحباط ومؤازرة القيادة التي طالبناها بالترشح وانتخبناها بإجماع مشهود.. وما أحوجنا إلي حوار عقلاني هادئ مع المجتمع كله وخصوصًا الشباب.. حوار يقبل بحق الاختلاف والنقد الهادف والأخذ والرد.. فالشباب مستعد للإنصات لكل معلومة صادقة وكل رأي مقنع لتفويت الفرصة علي المتربصين به نهازي الفرص الذين لا يتورعون عن الحشد والرفض ولو علي أنقاض الوطن .. فهؤلاء لا يعرفون للوطن قيمة ولا للدماء حرمة ولا للاستقرار معني ..هؤلاء نوعية نبتت خارج الرحم المصري الطاهر .. هم كخبث الحديد سوف يتخلص منهم الوطن ويطهر نفسه منهم لتعود من حيث جاءت بعد أن تجف ينابيع التمويل .. ليذهبوا إلي حيث يستحقون غير مأسوف عليهم .. فهؤلاء نسوا قيمة مصر التي قال عنها الرسول الكريم ¢ إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جندًا كثيفًا فإنهم خير أجناد الأرض.. فسأله أبو بكر لمَ يا رسول الله فرد عليه صلي الله عليه وسلم لأنهم وأزواجهم في رباط إلي يوم القيامة ¢ ..مصر التي قال عنها ابن عباس ¢ سُميت مصر بالأرض كلها في عشرة مواضع بالقرآن ¢.. ووصفها يوسف عليه السلام بأنها خزائن الأرض ¢ . مصر بلد آمن .. من يدخلها يشعر بنعمة الأمان والسلم ومهما يعتريها من أمراض فإنها أبدًا لا تموت .. فالمرض عرض.. والجوهر صحيح أصيل عفي عصي علي الهضم والتذويب ..فيا أبناء مصر احترسوا من دعاة الفتنة والهدم.. ويا برلمانها المنتخب ..الشعب في انتظار القول الفصل مشفوعًا بأدلة وحجج قانونية وتاريخية في أمر جزيرتي صنافير وتيران بعد سماع جميع وجهات النظر حتي يتوقف الجدل والتشكيك وتستمر علاقاتنا المتينة مع السعودية الشقيقة لا تشوبها شائبة. * في أدبيات قضائنا ما تقر به أعيننا.وتستقيم به حياتنا.وتستقر به أمورنا ..ففي حكمها التاريخي قضت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار حسونة توفيق نائب رئيس مجلس الدولة في عام 2013 بإلزام الحكومة بوقف بث وإغلاق قنوات الجزيرة مباشر مصر واليرموك والقدس وأحرار 25 وجاء في حيثيات الحكم التي لم يلتفت إليها لا نقابة الصحفيين ولا المجلس الأعلي للصحافة -أن العمل الإعلامي في مصر مسموعًا كان أو مقروءًا. مرئيًا أو رقميًا.يتعين أن ينهض بوظيفة اجتماعية.فيقيم التوازن بين حرية الرأي والتعبير. وبين مصلحة المجتمع وأهدافه وحماية القيم والتقاليد والحق في الخصوصية.. فالحرية حق وواجب ومسئولية في وقت واحد.والتزام بالموضوعية والمعلومات الصحيحة وتقديم ما يهم عموم الناس بما يسهم في تكوين رأي عام مستنير وعدم الاعتداء علي خصوصية الأفراد.والحفاظ علي سمعتهم والالتزام بالضوابط الأخلاقية والقانونية الحاكمة للعمل الإعلامي .. وما دون ذلك يعد خروجًا عن الرسالة الإعلامية لإيذاء المشاهدين وتثبيت همتهم ونشر الفتنة بينهم بأكاذيب وافتراءات.ويكون ما ارتكبته هذه القنوات مخالفًا لجميع القوانين والأعراف والنظام العام والآداب .. ويبقي السؤال : كم قناة أو صحيفة أو موقع إلكتروني تلتزم بالضوابط الأخلاقية والقانونية الحاكمة للعمل الإعلامي في مصر ..؟! ظني أن معظم برامج التوك شو تسهم ليس في إيذاء المشاهدين فقط بل إيذاء الوطن بما تنشره من افتراءات وأكاذيب معظمها منقول عن الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي حتي صدق فيها قول المهندس أسامة الشيخ أحد أهم رجالات صناعة الإعلام في مصر والعالم العربي.. بأن الإعلام الفضائي صار دكاكين للمذيعين. وأن مذيع التوك شو يشتغل من وجهة نظره. ويعمل وفقًا لأجندته الخاصة وثقافته. ويغلب مصالحه الشخصية واعتقاداته علي مصالح أمته.ولا تملك القناة السيطرة عليه. لأنه مصدر دخل من الإعلانات.. وهنا أصبح المذيع مدركًا أن استمراره وقوته التفاوضية الخاصة بتجديد عقده أو زيادة راتبه مرتبطة بترتيب برنامجه في نسب المشاهدة. وأن ما يقال عنها غرفة صناعة الإعلام رغم دورها الإيجابي في كثير من الأحيان لكنها تعمل بانتقائية ومن ثم فلا بد من سرعة إصدار تشريعات الإعلام لكي تقدم إعلامًا متوازنًا منضبطًا يوازن بين الحق في المعرفة والحق في الحرية .. وأعتقد أن الغرفة لا تستطيع أن تفرض قراراتها علي القنوات.وأعتبرها -والكلام للشيخ- مجرد نادي لمجموعة من أصحاب القنوات اللي حبوا يتفاهموا مع بعض أو حسوا إنهم كبار والباقي صغار. وأن هذه الغرفة يجب ألا تقتصر علي أصحاب القنوات فقط ..ولكنها يجب أن تمتد إلي شركات الإنتاج والتوزيع والأبحاث والتسويق وكل ما يخص صناعة الإعلام. أشار الشيخ أيضًا إلي أن الدولة مسئولة عن غياب القوانين المنظمة للعمل الإعلامي.فالقنوات الخاصة منذ نشأتها حتي الآن لا توجد جهة تحاسبها أو قانون يحكم عملها.. فأين قانون المجلس الوطني للإعلام .. إن سبب غضب المواطنين من الإعلام رغم أهميته أن هناك عدم تقدير للأولويات أو المصلحة الوطنية. فعندما يقوم الرئيس بزيارة للخارج ويبرم اتفاقيات نجد إعلامنا يتحدث عن أشياء أخري .. وهذا إسفاف.. وهنا يتعاظم دور المجلس الوطني للإعلام الذي عليه أن يوازن بين 3 جهات.. أولاً الجماعة الإعلامية والصحفية ثم الجمهور وأخيرًا الدولة .. والسؤال أما آن الأوان لصدور مثل هذه التشريعات لضبط الأداء الإعلامي.. والأهم هل يتزامن مع ذلك أو يسبقه صدور قانون إتاحة المعلومات لتمكين الصحفيين والإعلاميين من أداء عملهم بشفافية ومنع الشائعات والبلبلة.. نتمني !