إذا فاتك مشاهدة ثلاثية فرانسيس فورد كوبولا الرهيبة ¢ الأب الروحي¢ فقد فاتك الكثير ليس في مجال متعة مشاهدة السينما في أرقي تجلياتها فحسب . وإنما في إدراك الكثير من خفايا صعود وهبوط قادة المافيا أو العصابات المنظمة وأساليبهم السحرية لغسل أموالهم وسمعتهم وقدرتهم المدهشة علي التطهر من كل جرائمهم وادعاء النضال وتزييف التاريخ و الحقائق والتخفي في رداء رجال البر والإحسان ووداعة الحملان. ما الذي ذكرني بهذه الثلاثية الآن؟ أظن أن الكثير مما نراه علي برامج ¢التوك شو¢ يجعلني استحضر بداية ونهاية الشخصية الفذة دون فيتو كورليوني ورغم الأداء المبهر للممثل العبقري مارلون براندو الذي أدي شخصية فيتو كورليوني العجوز وأداها بمرحلة الشباب الممثل المدهش حقا روبرت دي نيرو,وبرغم ما قدمه آل باتشينو من إبهار في تمثيله لدور مايكل الابن المنظم لشئون العصابة والمؤسس لمرحلة التطهر من تاريخها الإجرامي. إلا أنني أنبهر أكثر بأداء ¢الدونات الجدد¢ في الساحة السياسية والثقافية والإعلامية المصرية المعاصرة. دون فيتو كورليوني استغل غياب التوثيق وندرة المعلومات لكتابة تاريخ جديد لعائلته الإجرامية وأدرك مبكرا أهمية استغلال فساد أهل السياسة وجشع بعض رجال الإعلام وحاجة المنتسبين لعالم الفن لمن يمول نجوميتهم. لضمان ترويج صورته الجديدة كزعيم وطني ورجل بر وإحسان يدعي عشقه للفنون والآداب وهو لا يعرف الا كيف يستغلهم لتجميل صورته و يزعم احترامه للقانون بينما هو ينتهكه يوميا .ويعلن تقديره للمجتمع وفي الوقت نفسه يحشد بلطجيته لترويع الآمنين وإسكات المعارضين الشرفاء المطلعين علي فساده . يخوض معاركه في ساحة القضاء بالشهادات المجروحة وشهود الزور وألاعيب المحاماة. ويحقق طموحاته علي الأرض بقوة السلاح ورعب الميليشيا الذي يصدره للجميع وأولهم بقية العصابات المنافسة. ¢الدونات الجدد¢ يكررون الثلاثية نفسها دون اجتهاد في تجديد أو إدراك لمقتضيات عصر. ولا يقض مضجعهم إلا تزايد وسائل تدفق المعلومات في يد شباب الثورة وتضاعف أدوات التوثيق التي تجعل من مهمتهم في غسل سمعتهم شبه مستحيلة . وتقلل كثيرا من فرص نجاتهم من الخضوع يوما أمام قاض عادل يقتص منهم دماء الشهداء ويستعيد ثروات الوطن و يعيد لمفاهيم الوطنية والشرف والإيمان معناها الحقيقي.