كان نهر النيل في العصور القديمة المحور الرئيسي للنقل بين مختلف أنحاء مصر حيث يمر النهر في 18 محافظة وكان النقل الشراعي هو الوسيلة للنقل من الجنوب إلي الشمال وبدأت بعد ذلك ظهور الوحدات النهرية التي عرفتها مصر. وعلي اثر بناء السد العالي بدأ الاهتمام بترشيد استخدام المياه وظهر في الثمانينيات مشكلة قلة المياه ونقصت الاستثمارات المتاحة لتجديد وتطوير الوحدات النهرية. ومع تزايد مشاكل ارتفاع الكثافة المرورية فقد أصبح من الضروري العودة إلي احياء وتنشيط النقل النهري وذلك نظراً لما يتميز به النقل النهري من مزايا تتمثل في الاقتصاد في استهلاك الوقود وانخفاض التكاليف الاستثمارية للنقل النهري والتي تتضمن أعمال الصيانة للمجاري الملاحية والأهوسة وتوافر إمكانيات التصنيع المحلي للوحدات النهرية وانخفاض القوة المحركة للجر وعدم التأثير السلبي علي البيئة. ذلك ان الوحدة النهرية تستطيع نقل حمولة 900 طن وهو ما يوازي حمولة 30 سيارة نقل مما يؤدي إلي تخفيف العبء علي الطرق البرية. وبالإضافة إلي ذلك فإن من مزايا النقل النهري نقل البضائع ذات الأطوال الكبيرة التي تتعدي 30 متراً وتزيد علي 400 طن. وفضلاً عن ذلك فإنه في الوقت الذي تعاني فيه شوارع القاهرة والمدن بالمحافظات من الاختناق المروري يبدو النقل النهري كحل يمكن أن يخفف من مشكلة ازدحام النقل البري. وعلي الرغم من هذه المزايا إلا ان النقل النهري لا يسهم بأكثر من 5% من إجمالي حجم نقل البضائع في مصر في الوقت الذي يسهم فيه النقل النهري في هولندا بنحو 47%. وفي حقيقة الأمر فإن النقل النهري يواجه بعض المشاكل والتي تتمثل في وجود مراسي عشوائية تعمل دون الالتزام بقوانين الهيئة العامة للنقل النهري وكذلك انخفاض منسوب المياه نتيجة السدة الشتوية ونقص العمالة الفنية والهندسية في بعض الإدارات التابعة للهيئة. وعلي ضوء هذه المشاكل تبرز أهمية العمل علي الحفاظ علي نسبة المياه في جميع الأوقات بحيث لا يقل العمق عن 2.3م لغاطس 1.8م ورفع كفاءة الأهوسة الواقعة علي المجاري النهرية للعمل علي مدار 24 ساعة. كما تبرز أهمية زيادة عدد المراسي النيلية "محطات الأتوبيس النهري" والتوسع في زيادة أعداد الأتوبيسات النهرية مع أهمية وجود علامات ملاحية بما يسمح بانتظام الملاحة. وتبدو من الأهمية بمكان تطوير المعهد الإقليمي للنقل النهري بمنطقة مصر القديمة وتزويد إدارة التفتيش بالهيئة بالفنيين والمهندسين نظراً لدور تلك الإدارة في متابعة الأعمال المرتبطة بالنقل النهري بما فيها الإشراف علي إنشاء الكباري. ونأتي إلي المحطة الأخيرة والتي تتضمن إنشاء موانيء نهرية جديدة للبضائع بالقاهرة علي أن تكون بمنطقة جنوبالقاهرة بالقرب من الطريق الدائري الإقليمي ليتم من خلاله نقل البضائع إلي محافظات الصعيد. نخلص من ذلك إلي أن تطوير النقل النهري قد أصبح ضرورة قومية في ظل المزايا التي يتمتع بها هذا القطاع والتحديات التي يواجهها هذا القطاع وهو الأمر الذي يمكن من خلاله تطوير التجارة وزيادة حركة السياحة من جانب ومواجهة الاختناقات المرورية من جانب آخر وذلك من خلال العمل علي تطوير البنية الأساسية والتكنولوجية وربط الموانئ النهرية والطرق الملاحية بالموانيء البحرية وتطوير التشريعات الخاصة بالنقل النهري وتأهيل العاملين بهذا القطاع.