* لاشك أن مصر تعيش ظروفاً اقتصادياً واجتماعية وثقافية محلية وعالمية أكثر قسوة مما واجهناه في يونيو 1967 والتي قال الرئيس جمال عبد الناصر علي إثرها ¢إن أي نظام ثورة يستند علي الجماهير وحدها لا يكفيه أن يكون الشعب وراءه راضياً ومؤثراً. وإنما هو يحتاج إلي أكثر من ذلك.. يحتاج أن يكون الشعب أمامه موجهاً وقائداً.. وذهب الرئيس السيسي لأبعد من ذلك حين قال ¢ ليس هناك شئ اسمه النظام... هناك شيء اسمه الدولة ¢ في دلالة لا تخلو من مغزي أن عصر النظام الفرد المستبد العادل ولي لغير رجعة.. والسؤال كيف يكون الشعب موجهاً وقائداً بينما مجتمعه المدني غير متسق مع الدولة.. أولوياته غير أولوياتها.. ونخبته وبال علي مجتمعها تحارب معركة غير معركته وتخوض في قضايا لا تهم السواد الأعظم منه.. تغريها المصالح الضيقة وتهيمن علي عقولها الأجندات الخاصة.. مشغولة بأمور فرعية أكثر مما هي مهمومة بواجبات الوقت ومقتضيات الصالح العام !! * وإذا كان تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن الفترة من 30 يونيو 2013 وحتي نهاية ديسمبر 2014 جاء في أغلبه متوازناً رغم إغفاله قضايا مهمة ترتبط بحياة البسطاء من المواطنين فقد وقع بعض أعضائه للأسف في سقطات لا تليق بأعضاء مثلهم في مجلس قومي . إذ قدموا بآرائهم ووجهات نظرهم الخاصة ذرائع ومبررات استغلتها منظمات ودول أجنبية تعادي مصر للنيل منها والتشكيك في أحكام قضائها المستقل النزيه خاصة فيما يخص أحكام إعدام الإخوان . حتي ان عبد الغفار شكر نائب رئيس المجلس وزميله جورج إسحاق طالبا بوقف تنفيذ تلك الأحكام لمدة 3 سنوات.. وكأنها قرارات إدارية أصدرتها سلطة تنفيذية يمكن إرجاؤها أو حتي القبول بالتعليق عليها.. ونسيا .وهما من رجال الحقوق. أن القضاء سلطة مستقلة .وأن الديمقراطية هي احترام أحكام القانون والانصياع لحكم القضاء سواء رضينا بها أو لم نرض.. فهل يتمني المتربصون بمصر أكثر من هذا مبرراً وذريعة للتدخل في شئوننا وقضائنا .وقد شهد شاهد من أهلنا بل من مجلس حقوقنا القومي الحكومي.. هل يصح التعليق أصلاً علي أحكام القضاء من شخصيات عامة كهؤلاء.. فأي دولة تريدون.. وعن أي حقوق تدافعون.. وأيهما أولي بالنقد والإدانة جرائم الإرهاب الأعمي أم أحكام القضاء المستقل.. لماذا إقحام القضاء في السياسة.. وهل نملك ترف الجدل في قضايا محسومة.. وهل يقبل الغرب أن يتدخل أحد في قضائه بل هل تقبل تركيا وقطر مثلاً أن يعقب أحد قضائهما..؟! لم يتوقف الأمر عند حد التشكيك في أحكام القضاء بل ثمة قصور شديد وتخلي واضح عن الدولة في حربها للإرهاب من ناحية .ومقاومتها لمحاولات الاستهداف وحملة الأكاذيب التي تتبناها منظمات دولية ضد مصر مدعومة من التنظيم الدولي للإخوان وقطر وتركيا وإصدارها بيانات مفعمة بالمغالطات وهو ما تتلقفه وتروج له وسائل إعلام عالمية تتخذ مواقف مناهضة للقاهرة منذ ما يقرب من العام ونصف العام . وربما كان انعكاس ذلك واضحاً فيما ادعاه رئيس البرلمان الألماني من مغالطات عن مصر.. فمن أين استقي تلك الأباطيل إلا من قنوات الشر إياها التي لا تفتأ تختلق الكذب وتروجه عن مصر ورئيسها بهدف الضغط عليها لأهداف سياسية بالدرجة الأولي حتي يتسني إدماج جماعة الإرهاب في العملية السياسية هنا وهناك.. وهو ما ترفضه مصر جملة وتفصيلاً . فهل وجدنا رد فعل -توضيحاً أو إنكارًا- من الحقوقيين تجاه ما تروجه الأطراف الضاغطة علي مصر.. هل قامت منظمات حقوق الإنسان المحلية .وعلي رأسها المجلس القومي. بتبني حملة تفنيد مضادة لتلك المغالطات.. هل قامت بتوثيق جرائم الإرهاب عندنا..وهل اتخذت موقفاً مما يجري في الغرب وأمريكا ذاتها من انتهاكات آخرها انتهاكات الشرطة ضد السود هناك . للأسف لم تضبط جماعات حقوق للإنسان المحلية مستنكرة أو رافضة لاستهداف مصر وتضخيم بعض ما يحدث فيها من خروقات بسيطة بل ربما ساوت الجاني بالضحية.. وهو ما يجعلها مثار تساؤل : هل تنساق وراء أجندات الممولين وأهدافهم تماماً كما تفعل الهيومان رايتس ووتش والأمينيستي اللتان جعلتا حقوق الإنسان ورقة ضغط سياسية وتجلي ذلك في تركيزهما المخل علي الحقوق السياسية دون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.. واهتمت بحقوق الإرهابيين المجرمين أكثر من حقوق الضحايا من الشهداء والمصابين.. وهذا هو عين النهج الذي سار عليه المخلوع حين ساوي بين الخاطف والمخطوف وطالب بالحفاظ علي حياتهما معاً في واقعة خطف جنودنا السبعة في سيناء !! * وإذا كان نهج المنظمات الأجنبية لحقوق الإنسان مفهومًا فهل مقبول من المنظمات المحلية أن تحذو حذوها.. أم آن الأوان لكي تراجع أسلوب عملها وسياستها.. وهل من المقبول أن يكون من بين أعضاء القومي لحقوق الإنسان من يقودون منظمات حقوقية تتلقي تمويلاً مشبوهاً من الخارج.. ثم كيف يستساغ لنائب رئيس المجلس القومي أن يكون رئيساً لأحد الأحزاب في الوقت ذاته.. أليس في ذلك تضارب وتناقض.. ثم ألا يقتضي ذلك إعادة تشكيل ذلك المجلس وأن توضع له استراتيجية جديدة تقضي بتواصله الفعال مع المنظمات الدولية حتي نتلاشي سلبية الإغراق في المحلية وضعف التأثير في الرأي العام العالمي ومخاطبته بلغة يفهمها ويقتنع بها . * لن أقف أمام أرقام ضحايا الإرهاب التي وردت في تقرير المجلس القومي . والتي بلغت 2600 ضحية " 700 في صفوف الجيش والشرطة و500 من المدنيين "في عام ونصف العام فقد رصد التقرير أحوال المحتجزين في أقسام الشرطة وسوء الأحوال الصحية لبعض نزلاء السجون. وهو ما يجب علي الحكومة أن تتولي علاجه جذرياً..ونفي التقرير وجود أي حالة تعذيب ممنهج وإن وقع فهو مجرد تجاوزات فردية تخضع للمساءلة الفورية والردع القانوني . انتقد التقرير أيضاً تقاعس وزارات وهيئات حكومية عن الرد علي شكاوي المواطنين وهو ما ينبغي ألا يمر مرور الكرام . فالرئيس ضرب المثل بنفسه حين خصص إيميله الشخصي للجماهير يتلقي من خلاله شكاواهم ومطالبهم . وهو واجب فات مجلس الوزراء والوزراء أن يقوموا به لإبقاء باب التواصل بين الحكومة والشعب مفتوحاً لا يوصد حتي لا يستغل أصحاب الأغراض أي حالة إحباط لدي طائفة من الجماهير لتوتير الأجواء . فالشكاوي أغلبها يتعلق بأحوال صحية واقتصادية واجتماعية وليست سياسية.. الأمر الذي يدق جرس إنذار للحكومة كلها أن تبادر بتلبية مطالب الناس والإصغاء لشكاياتهم لجسر الفجوة بينهما . وألا تتجاهل أو يضيق صدرها بما يوجه لأدائها من انتقادات سواء وردت في تقارير حقوقية أو في صفحات الصحف وشاشات التلفاز . فنبض الشارع هو بوصلتها ومعيار نجاحها أو فشلها بصرف النظر عما قد يشوب هذا النقد من شطط هنا أو مبالغة هناك.. وما يصل للحكومة عبر الإعلام قليل ..استطاع النفاذ إليه من يملكون القدرة والوعي.. فما بالنا بمن لا يملكون إلي ذلك سبيلاً أو قليلي الحيلة بمعني أصح ؟! * تحمل المسئولية السياسية هي ألف باء سياسة . والاهتمام بالمواطن آلامه وآماله وتيسير أسباب حياته ليعيش بصورة آدمية دون منغصات من فقر أو بطالة أو مرض أو غلاء فرض عين علي أي حكومة..وأوجاع المصريين مزمنة معروفة أيضاً سواء قبل الثورة أو بعدها . ومعيار نجاح أي حكومة هو إحرازها تقدمًا في علاج تلك الأوجاع . فالفقراء لا يهمهم أرقام الحكومة عن النمو والاستثمار ولا خسائر البورصة ومكاسبها وإنما يشعرون بما يصل إلي بطونهم وتطمئن به أفئدتهم من معاملة آدمية ولا يعنيهم صخب الإعلام ومعارك النخبة الفارغة.. وقد تعاقبت حكومات كثيرة وظل السؤال هو هو : هل تحقق حلم المواطن في شوارع خالية من القمامة ومرور ينساب بلا اختناق ومجتمع خالي من الأمية والأمراض المزمنة والبيروقراطية والفساد والتدهور الأخلاقي.. وإهمال المسئولين وتقصيرهم في متابعة مرءوسيهم ومحاسبتهم.. وهل تراجعت شكاوي المواطن من أداء الأجهزة المحلية.. وماذا نقول فيما عايشه رئيس الوزراء بنفسه حين فاجأ معهدي القلب وتيودور بلهارس بالزيارة.. أليسا هذان نموذجين صارخين للإهمال والفساد ؟! ما رآه رئيس الوزراء هو غيض من فيض فالإهمال ظاهرة والفساد متوغل . وهو ما يتطلب مضاعفة الجهد وتكاتف الحكومة والأجهزة المحلية والبرلمان والإعلام والمجتمع المدني والمواطن لاستئصال هذه الآفات من جذوها. وتحطيم حواجز الروتين والعزلة التي ضربها بعض المسئولين علي أنفسهم مختارين . وكذلك التعجيل بميكنة الجهاز الإداري للدولة وهيكلته بأسرع ما يمكن لتفعيل أدوات الاتصالات وتوسيع قنواته لتحسين جودة حياة المواطن والموظف علي السواء . * العقيدة الإدارية وجب تغييرها لتضييق الخناق علي الفساد والبيروقراطية وبطء الأداء وغياب العدالة والشفافية ليصبح رضا المواطن هو بوصلة الحكومة وراحة الناس هي معيار نجاحها» وهو ما يدركه الرئيس جيداً . ويسعي لتحقيقه وليس اعتذاره للمحامين عما بدر في حق أحدهم من تجاوز أحد ضباط الشرطة إلا تجسيداً حياً للإحساس بالمسئولية السياسية عن مرءوسيه.. ورغم ما تحقق من إنجازات ومشروعات كبر فيي العام الأول لولاية السيسي سواء في الأمن أو الاقتصاد أو العلاقات الخارجية أو المشروعات القومية مثل قناة السويس.. لكنه لا يزال يعمل بخطوات أسرع من بقية مسئولي الحكومة وأجهزتها..فالرئيس يدرك أننا في حاجة لثورة حقيقية في الثقافة والفكر والإدارة والسلوك والعمل بإخلاص وانتماء للوطن.. يدرك أن البشر وخصوصاً الشباب أغلي ثرواتنا لذا يحرص علي رعايتهم وتمكينهم.. ويدرك عمق الفساد وتوحشه ويسعي لاستئصاله.. يؤمن بوحدة الوطن وسلامة نسيجه الاجتماعي للعبور للمستقبل يؤمن بدولة القانون وسيادته علي الجميع.. ويدرك أن الشعب هو القائد والمعلم لذا يحرص علي إشراكه في القرار واحترام إرادته.. فهل تكون الحكومة علي مستوي الرئيس.. والأهم هل تكون علي مستوي تطلعات المواطن وأحلامه ؟