معلمة اللغة العربية فاطمة علي السيد في مدرسة أسامة أبوزيد الابتدائية بأسيوط انزعجت من سوء سلوك الطالب حسن ياسر حسن فعاقبته بالضرب غير المبرح لتأديبه حتي لا يستمر في التجاوز أمام زملائه. وولي أمر الطالب رفض أن تقوم المدرسة بعقاب ابنه فقرر أن يتوجه بشكوي لمديرية التربية والتعليم بأن المدرسة قد اعتدت علي ابنه بالضرب. ووكيل وزارة التربية والتعليم في أسيوط انزعج من تناول مواقع التواصل الاجتماعي لهذا الموضوع فأعلن أن المديرية قد فتحت تحقيقاً وأنها قررت مجازاة المدرسة بخصم ثلاثة أيام من راتبها..! ومادام المدرس هو المخطئ دائماً. ومادام عليه أن يقف للتلميذ ويوفه التبجيلا ويطبطب ويدلع فإن طالباً آخر في مدرسة القوصية الثانوية للبنين أحضر معه والده إلي المدرسة ليعاقب مدرساً عاقب ابنه. والأب بدلاً من أن يعتذر للمدرس أو يطلب منه أن يفعل ما يشاء لتربية ابنه فإنه أمر ابنه أمام الأساتذة والتلاميذ بأن يصفع المدرس علي وجهه حتي لا يتكرر منه الجرم مرة أخري..! والابن استجاب وصفع المدرس. ومدير المدرسة حاول احتواء القضية لولا أن المدرسين قاموا بالاعتصام في فناء المدرسة احتجاجاً علي إهانةزميلهم. ووصل الأمر إلي اللواء إبراهيم جمعة محافظ أسيوط الذي أمر بفصل الطالب نهائياً وإحالة مدير المدرسة إلي التحقيق. وما حدث في أسيوط يؤكد أنه لم تعد هناك تربية ولا تعليم. ولا أمل في أن تعود للمدرس هيبته وللعملية التعليمية نظمها وقوانينها واحترامها. فنحن أمام واقع جديد غريب ومخيف. حيث أصبح المدرس الذي يقوم بواجبه ويحاول تحقيق الانضباط السلوكي للطلاب هو الذي يدفع الثمن وهو الذي يعاقب ويخصم راتبه ويصفع علي وجهه أيضا..! وإذا كان المدرس لا يملك حق العقاب والتأديب في حدود ما هو متعارف عليه فإننا بذلك نحول مدارسنا إلي ساحات للفوضي وإلي تجمعات لتخريج أجيال من المشاغبين ومن الطلاب الذين يتسربون من مدارسهم ويهربون منها للوقوف أمام مدارس البنات والتعرض والتحرش بهن وهم آمنين من أي عقاب ومن أي مساءلة. وتكتمل المأساة عندما ينجح هؤلاء الطلاب في التخرج والتفوق أيضا بفضل الغش الجماعي الذي يتم في المدارس وحين يخاف العديد من الأساتذة من غضب الأهالي وانتقامهم وخاصة في مدارس الأقاليم ويغمضون أعينهم عن غش الطلاب الذي أصبح مضاداً ومباحاً..! ويصل إلي الجامعة طلاب لا يجيدون القراءة ولا الكتابة. ولا يهتمون بالتعليم مادام الحصول علي الشهادات قد أصبح مضموناً وسهلاً وبلا عناء..! ويضيع بذلك التعليم والتربية لأن المسئولين عن التعليم لم يقفوا في صف المدرس أو يقوموا بحمايته والدفاع عنه. ولأن أولياء الأمور قد أصبحت لهم الكلمة العليا ولا يساندون المدرسين في تأدية رسالتهم التربوية والتعليمية. وإذا كان محافظ أسيوط قد تدخل وأمر بفصل الطالب الذي قام بصفع معلمه فإن العدالة تقتضي رفع الجزاء عن المعلمة فاطمة علي السيد التي حاولت تقويم طالباً شقياً اعتاد أن يقوم بأعمال مخلة للآداب أمام زملائه..!! إن مسار العملية التعليمية في خطر إذا ما استمر مسلسل إهانة المدرسين وتدليل الطلاب... وهي ليست قضية فردية وإنما هو واقع موجود في معظم المدارس الآن وحيث أصبح الأساتذة يخشون الطلاب وانتقامهم بعد أن أصبح أولياء الأمور يشجعون أولادهم علي ارتكاب الأخطاء بدلاً من أن يتعاونوا مع المدرسة علي تربيتهم وتهذيب سلوكهم.. وكان الله في عون المدرسين الذين يدفعون الثمن منذ أن ظهرت مسرحية مدرسة المشاغبين..!! *** ** ملحوظة أخيرة : في القرون الوسطي كانت الكنيسة هي من يمنح "صك الغفران" لمن يدفع لها. والآن فإن هناك صكا جديدا هو "صك الوطنية" ويمنحه عدد من مذيعي الفضائيات الذين نصبوا من أنفسهم أوصياء علي المجتمع..!!