عند ذكر كلمة ¢موظفي المحليات¢ يتبادر إلي ذهن القارئ مباشرة صورة الموظف ذي الوجه الكشر والصوت الأجش الذي يتعامل بغلظة مع المواطنين ويكرر كثيرا عبارة ¢فوت علينا بكرة يا سيد¢. تلك الصورة الذهنية الخاطئة رسختها للأسف المسلسلات التليفزيونية والأفلام السينمائية. وزادت عليها أنه فاسد ولا يؤدي عمله إلا بالرشوة. وللمزيد من تشويه صورته روجوا لبعض الأمثلة الشعبية مثل: ¢إذا أردت أن تنجز فأبرز الونجز¢. وللحقيقة نقول إن بعض موظفي المحليات ينطبق عليهم هذا الوصف وبلغوا درجة عالية من الفساد وخراب الذمم مما دفع بعض كبار القادة في الدولة يعترف بأن ¢الفساد في المحليات للركب¢. ولكن عندما تقترب منهم تكتشف أن الغالبية العظمي من موظفي المحليات أبرياء من هذه الصفات. ويعتبرون أكثر موظفي الحكومة تعاسة لدرجة أن أكبر أحلامهم أن يتساووا ببقية الموظفين في وزارات الدولة سواء في المرتبات أو المعاشات. يقول مصطفي حنفي مدير عام التفتيش المالي والإداري بمجلس مدينة القناطر الخيرية. بمرارة واضحة. إن أساسي راتبه 216 جنيها فقط بدون ضم العلاوات الخاصة بعد 38 عاما من الخدمة. أما العلاوة السنوية فلا تتجاوز 6 جنيهات "أي ثمن كيلو طماطم". وليس لديه أمل في الزيادة لأن هذا الأساس المتدني هو أقصي مربوط لدرجته الوظيفية التي يشغلها حاليا وحتي خروجه للمعاش. ورغم المرتبات الشهرية المتدنية لهؤلاء الموظفين لدرجة أن الفقيه العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي والعالم الجليل الشيخ محمد الغزالي - يرحمهما الله - يعتبرونهم من الفقراء الذين يستحقون الزكاة. إلا أنهم يتعايشون به طوال فترة خدمتهم نظرا لحصولهم علي بعض البدلات. ولكن أشد ما يقلقهم بلوغهم سن التقاعد والاحالة للمعاش حيث ستنخفض دخولهم بنسبة 70% رغم أن اعباءهم في هذه الفترة من العمر تتزايد. يقول حنفي إن الموظف يخرج إلي المعاش بعد خدمة تبلغ 40 عاما بمعاشات تتراوح بين 800 و900 جنيه شهريا. ومما يثير الدهشة أنها تقل بكثير عن دخل موظف في بداية عمله الوظيفي بحد أدني 1200 جنيها شهريا بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 22 لسنة 2014. ويلتقط زميله حسين حمودة مفتش مالي وإداري. طرف الحديث ليقول والحسرة تملؤه إن روشتات علاجه الشهري تبلغ 1200 جنيه وأنه سيحال للتقاعد بعد عدة أشهر بمعاش 800 جنيه شهريا فمن أين يستكمل علاجه. وكيف ينفق علي أبنائه الأربعة وجميعهم في مراحل التعليم المختلفة. أما علام سند مدير المتابعة فيكشف أن دخله الشهري بعد أكثر من 35 عاما من الخدمة يبلغ 2000 جنيه شهريا وعندما يصل سن التقاعد سيتسلم معاش 800 جنيه. مؤكدا أنها لا تكفي نفقات ابنتيه اللتين تدرسان بالجامعة. وتدخل عادل جابر مدير شئون العاملين ليكشف عن حالة من الظلم البشع يتعرض له موظفو المحليات تتعلق بمكافأة نهاية الخدمة والتي تبلغ 30 شهرا بقيمة اجمالية تتراوح بين 15 و17 ألف جنيه. في حين يتقاضي الموظفون في الوزارات أكثر من عشرة أضعاف رغم أنهم متساوون في المؤهل وفي سنوات الخدمة. وأضاف أنه علي سبيل المثال يحصل الموظف في وزارة التامينات الاجتماعية علي مكافأة نهاية خدمة تصل إلي 196 شهرا بقيمة إجمالية تتجاوز 170 ألف جنيه. ويتحسر سلامة رافع المسئول بإدارة أملاك الدولة علي حالتهم قائلا إن دخل المدير العام الذي يحمل مؤهلاً جامعياً في المحليات يقل بكثير عن دخل عامل امي في شركات الكهرباء أو الاتصالات أو البترول. واختم الكارثة بواقعة غريبة. فقد قابلت اثنين من زملاء الدراسة من خريجي كلية التجارة يعملان في مكتب واحد بإدارة الحسابات بمجلس المدينة. ورغم أنهما دفعة تخرج واحدة ويحملان نفس المؤهل إلا أن أحدهما يتقاضي راتبا شهريا خمسة أضعاف زميله لأنه معين علي كادر وزارة المالية بينما الآخر معين بالإدارة المحلية. فأين العدالة الاجتماعية يا حكومة؟! مأساة حقيقية يعيشها موظفو المحليات وهم ليسوا بالقليل فعددهم بالملايين. ويؤدون خدمات حيوية لعشرات الملايين من المواطنين المقيمين في قري ومراكز ومحافظات مصر. ونرفع مظالمهم إلي الحكومة والرئاسة وكل جهات الاختصاص للاسراع بانصافهم. وقفة: التحركات الميدانية للواء طارق زايد الرئيس الجديد لمجلس مدينة ومركز القناطر الخيرية تكشف عن جديته في حل المشاكل التي يعاني منها المواطنون. شاهدت بنفسي حسن استقباله لأصحاب الشكاوي. وقدرته علي اتخاذ قرارات بحلها بعد مناقشتها مع ذوي الاختصاص من موظفيه. وأري أن نجاحه يتوقف علي تعاون الأهالي خاصة أنه يملك رؤية واضحة للاصلاح.