"الجمهورية" ذهبت إلي قرية "تطون" بمركز اطسا بمحافظة الفيوم أكبر القري التي اشتهرت بسفر شبابها إلي ايطاليا بطرق غير شرعية حتي اطلق عليها ميلانوالفيوم سمعنا من أهلها حكايات وقصصا وراء تلك الظاهرة واسبابها وأحلام شبابها لهذه الرحلة غير الشرعية... القرية عبارة عن قطعة من أوروبا بمبانيها الضخمة وشوارعها المرصوفة وأسماء شوارعها الأجنبية ميلانو ودريم وروما ومحلات السوبرماركت مما يدل علي ثراء أهلها. ركوب البحر هربا من الفقر محمود محمد محمود مدير مدرسة من سكان تطون يؤكد ان شباب القرية يسافرون بركوب البحر منذ ما يقرب من 15 عاما وهناك ممن سافروا ونجحت رحلتهم وعادوا في زيارة لأهلهم في القرية بعد ان حصلوا علي اقامة نهائية في ايطاليا وشيدوا قصورا وفيلات علي أراض تملكوها وظهرت عليهم علامات الثراء ففتحوا ابواب الزمل لباقي شباب القرية لخوض هذه التجربة مهما كلفهم ذلك من أموال ومخاطر. يقول علي خضر إمام - نجار موبيليا - حلم السفر إلي ايطاليا هاجس يراود كل شاب في القرية خصوصا ان اعداد الموجودين هناك كبيرة وقصص نجاحهم تصل بسرعة البرق لشباب القرية فعندما يعلمون مدي سهولة الحصول علي عمل واقامة وقت قصير تزداد احلام السفر لديهم.. لكن في الفترة الأخيرة لم تعد الأحوال كما كانت وعدد كبير منهم عادوا بشكل نهائي لأسباب مختلفة كما ان صعوبة السفر وتكلفة الرحلة أدت لانحسار الظاهرة. صفية ابراهيم مسعد من سكان القرية تقول لدي ولدان سافرا إلي ايطاليا ونجحا في رحلتهما وأملي ان يلحق بهما شقيقهم الاصغر فنحن في انتظار جمع تكاليف الرحلة التي تقدر بحوالي 70 ألف جنيه لدفعها لأحد السماسرة للحاق ابنها الاصغر بأخويه حتي تؤمن له مستقبله. العودة في تابوت وتؤكد سومية ربيع - ربة منزل - ان شباب القرية يلجأون للسفر هربا من شبح البطالة والفقر آملين في الوصول إلي أحلامهم المنشودة في أوروبا لكن هناك من يسعده الحظ ويخرج ويعود من الأثرياء ومنهم من يعود في نعوش وتوابيت جثة هامدة ومنهم من يعود مكبل اليدين ومرحلا إلي أرض الوطن وقد خسر كل شيء ماله ومستقبله لكن الغريب انه يحاول تكرار التجربة مرة أخري بعد فترة. يروي سالم أبوالنجا من سكان القرية تفاصيل رحلة الموت إلي ايطاليا حيث انهم تجمعوا للسفر إلي ليبيا في ميكروباص وظللنا علي شواطيء ليبيا داخل كوخ صغير يتجمع العشرات من المسافرين لعدة ايام ثم تم نقلنا في مجموعات بمركب صغير إلي مركب اكبر تجمعنا كلنا وبدأت الرحلة التي استغرقت ايام وليالي ثم فوجئنا بأننا يجب علينا القفز في المياه والعوم لمدة ساعتين داخل المياه الاقليمية الايطالية حتي الوصول إلي الشاطيء عند مدينة صقلية وفي هذه المرحلة نجا من نجا وغرق من غرق. ويضيف عيد شعبان مهندس فقدنا خيرة شبابنا بسبب الفقر والبطالة وغيرة الشباب من بعضهم البعض فأهالي القرية لا ينسون أبدا فقدان العشرات من ابنائهم غرقا في البحر بحثا عن الثراء فقد منية القرية مئات الغرقي جراء تلك المحاولات البائسة في الفرار من الفقر وطمعا في حياة كريمة ورغد العيش. ويقول احمد حسن من سكان القرية تفاقمت ظاهرة الهجرة غير الشرعية في كل محافظات مصر بعد تطبيق قانون المالك والمستأجر حيث كانت الأرض في الماضي تستوعب عمالة كثيفة وكانت الزراعة تدر دخلا وفيرا للفلاح يستطيع به سد كافة متطلبات احتياجاته الاساسية وكانت الدولة ترعي قطاع الزراعة وصغار الفلاحين وبعد تطبيق القانون طرد مئات الفلاحين الصغار مما أدي لزيادة اعداد العاطلين في كل ريف مصر وقراها وتحول صغار المزارعين إلي عمالة موسمية مما أدي إلي تدهور أوضاعهم المعيشية وساهم ذلك في هجرتهم خارج البلاد من خلال سماسرة الهجرة ومكاتب السفريات. تآكل الرقعة الزراعية يشير محمد علي مهندس زراعي: تآكل الرقعة الزراعية والتوسع العمراني أدي إلي ارتفاع سعر الأراضي الزراعية والايجارات كما أدي تطبيق قانون تحرير العلاقة الايجارية وازدياد مشاكل السماد والتقاوي ومشاكل المياه إلي هجر الفلاحين للزراعة باحثين عن حياة أفضل. عمرو اسماعيل مدرس يقول: دافع الغيرة عند الشباب واسرهم من الثراء الفاحش للعائدين واسرهم المحملين بالدولارات واليورو وتشييد افخر المنازل والقصور داخل قراهم حاملين احدث السيارات والموبايلات أدي إلي تطلع باقي شباب القرية ورغبتهم في الهجرة غير الشرعية حتي لو كان علي حساب ارواحهم. يقول باسم فوزي فشل التعليم المهني في تخريج شباب مدرب علي العمل بالاضافة لاستيراد العمالة الافريقية من قبل رجال الأعمال والمستثمرين عوضا عن استخدام الايدي العاملة ساهم في زيادة البطالة في الريف وتدهور اوضاعهم الاجتماعية. سلوي حسين - دبلوم تجارة - تؤكد ان أهم الصعوبات التي تواجه الشباب الراغبين في السفر هو ضرورة تقديم ما يثبت اتقان اللغة الايطالية للمسافر مما يجعل هذا الشرط عائقا في تحقيق طموحاته علما بأن معظم شباب القرية من الحاصلين علي تعليم متوسط أو معدومي التعليم. عبدالنبي عبدالعزيز مزارع يقول اندهش ممن يترك الأرض وخيرها ويجري وراء هوس السفر والرغبة في الثراء دون تعب.. فزراعة الأرض شرف وخير ونحن مزارعون منذ ان خلق الله الأرض ومن عليها لكن هناك من توافق للسفر بعدما رأي أثره علي اشخاص تبدلت حالتهم من الحضيض إلي الرفاهية فقرية تطون اصبحت مزارا للقري المجاورة لمشاهدة القصور والفيلات والابراج الشاهقة والسيارات الفارهة. يؤكد عطية جابر عبدالعزيز - مدير عام بالمعاش - ان سوء الحالة الاقتصادية وضيق ذات اليد والبطالة والفقر سبب اساسي لسفر الشباب كما ان سوء التخطيط وغياب التوعية الثقافية والدينية والاجتماعية والوطنية وراء الهجرة غير الشرعية.. فيجب زيادة حملات التوعية الثقافية والمجتمعية علي المستوي العام وضرورة عمل حملات ارشادية تصحيحية لمفاهيم اخطاء المزارعين والفنيين والمهنيين. اضاف يجب التوجه إلي طرح عدد من المشاريع التي تستخدم الخامات البيئية التي تشتهر بها المحافظة مثل تخليل الزيتون التي تشتهر بها احدي قري المحافظة وضرورة فتح اسواق لمنتجات النخيل وصناعة الاقفاص كما يجب التفكير في اعادة احياء الثروة السمكية التي كانت تشتهر بها بحيرة قارون وتقلصت إلي مزارع سمكية تابعة للأهالي بشكل بسيط فكل هذه العوامل تحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية وهوس السفر للخارج.