مع بداية برنامج الخصخصة تحولت مصر بعدها من دولة مصنعة للصناعات الثقيلة إلي دولة مستهلكة وسوق لكافة المنتجات الأجنبية. المراجل البخارية من أولي الشركات التي تم تصفيتها كانت قلعة صناعة استراتيجية تم تأسيسها في الستينيات كاحدي ركائز الصناعة الوطنية من برنامج مصر النووي والتي انشأت لانتاج أوعية الضغط بسعات تصل إلي 1300 طن بخار في الساعة ومراجل توليد الكهرباء وأوعية غازات سائلة ووحدات تنقية مياة الشرب وتحلية مياه البحر لشركة انشأت لتزويد المستشفيات والمصانع ومحطات الطاقة النووية بالمراجل والاوعية وتعتبر الأولي في الشرق الاوسط التي جهزت بأحدث الاجهزة والمعدات لتشغيل الصاج السميك وتصنيع المراجل البخارية واوعية الضغط العالي كما قامت بتصنيع اجزاء من محطة كهرباء غرب القاهرة وانتاج عدد من المراجل الخاصة بمحطات القوي بالإضافة إلي تصدير مراجل سعات مختلفة لعدد من الدول العربية وقد حصلت الشركة علي شهادة اللويذر الدولية بقبولها من الهيئة العالمية كمصنع مراجل واوعية ضغط طبقا للمستوي الاول في اللحام بالانصهار وبذلك اصبحت الشركة من الشركات العالمية في انتاج المراجل البخارية. عرضت الشركة للبيع رغم إنها من الشركات الرابحة إلا انه منذ صدور قانون 91 تم اتخاذ عدد من الخطوات لتصفية الشركة منها احلال وتجديد وسحب من البنوك علي المكشوف حتي تزيد من أعباء الشركة مما أسفر عن خلل مالي كبير في الشركة الأمر الذي أدي إلي عرضها للبيع وبدأ في بيع أصول الشركة بعد أن تحولت تبعيتها من الشركة القابضة للصناعات الهندسية إلي شركة اندويلكوكس ولم تنته عند هذا الحد فقد بدأت الشركة الاجنبية في إدارة المراجل تحت اسم شركة بابكوك وولكوكس مصر منذ اواخر عام 1994 حتي عام 2000 حيث تم إسناد عمليتين لها فقط في سيدي كرير وعيون موسي ولم يسند للشركة اي مشروع بعد ذلك فأنهت الشركة نشاطها ولم تستمر ثم تم تغيير اسمها إلي الشركة الدولية لتصنيع المراجل والاعمال المعدنية وقد قام المستثمر المصري بالتبرع ب 11 فدانا من اراضي الشركة وهدم ما عليها من مبان وبيعها إلي احدي الشركات وتم تقسيم الشركة إلي شركتين الاولي تم دمجها مع الشركة الوطنية للصناعات الحديدية والثانية مع شركة اوراسكوم للسياحة والفنادق وبذلك تم تفكيك ونقل جميع المعدات والاجهزة ونقلها إلي الشركة الوطنية بالسادس من أكتوبر مع اجبار العاملين بالشركة علي العمل في مجال غير مجالهم حيث ان الشركة الوطنية تعمل في تصنيع الهياكل التي تقل في تقنيتها عن تصنيع المراجل البخارية. يقول حسن باطة عضو جمعية المستثمرين إن الإرادة السياسية هي الاهم لصنع اقتصاد حر وناجح ولكن ما تم في مصر خلال السنوات السابقة جعلنا محسوبين علي العالم كمستهلكين وليس كمنتجين وتحويلنا من مجتمع اشتراكي إلي مجتمع رأسمالي نظرية اختلف عليها كثير من الخبراء ومدي تنفيذها علي أرض الواقع فمصر كانت أول من صنعت السيارة كاملة وكان اسمها رمسيس وصنعت ايضا الطائرة وكانت رائدة في كثير من الصناعات الثقيلة في الستينيات في عهد جمال عبدالناصر والذي بدأ بمشروع 1000 مصنع في السنة بالاشتراك مع روسيا واستيراد كثير من المصانع من روسيا النظرية الاشتراكية "وهي كفاية في الانتاج وعدالة في التوزيع" وقامت نهضة صناعية كبري كانت تمول الجيش بكل احتياجاته ولكن في عهد أنور السادات ومع الانفتاح الاقتصادي واتجاه مصر من الكتلة الشرقية إلي امريكا اهمل القطاع العام وجاء عهد مبارك وفي بداية التسعينيات بدأ برنامج الخصخصة وبيع الكثير من الشركات الرابحة للمستثمرين الاجانب بهدف تطوير الشركات الخاسرة وبيعها ولكن تم البيع وتحويل الحصيلة إلي الموازنة العامة لسداد الديون والمعاش المبكر للعمال أي أن حصيلة بيع القطاع العام أهدرت بالكامل بينما خلفت وراءها أكثر من 450 ألف عامل انضموا إلي طابور البطالة عبر نظام المعاش المبكر. اقتصاد الخدمات الدكتور مصطفي الرفاعي وزير الصناعة الاسبق أكد: أن الصناعة لم تكن علي رأس أولويات السياسة المصرية علي مدي الخمسة عشر عاماً الأخيرة فمنذ عام 84 توقفت الدولة عن الاستثمار في الصناعة كلية وتحويلها إلي القطاع الخاص والاهتمام بالصناعات الصغيرة أو الموحدة فمثلا منتج واحد ينتجه أكثر من مصنع وينافس عليه وهذا الوضع مازال قائماً حتي الآن وعدم ادراك أن الصناعة هي عصب اي اقتصاد فالوزارات الأخيرة تؤمن بأن اقتصادنا اقتصاد خدمات عليها رعايته مثل قناة السويس والسياحة والبنوك فالدولة أساءت في إدارتها الصناعات الثقيلة وإذا كانت الخصخصة هي استجابة لضغوط خارجية أو لتغطية عجز الموازنة فإننا نري أنها علاج وقتي فبيع الأصول هو الطريق السهل أما العلاج الحقيقي يكون في التنمية وبناء قواعد إنتاج بمؤسسات عصرية توجه لها مدخرات المصريين في حين أن عائدات الخصخصة اتجهت إلي الانفاق العام للدولة وخدمات أو تطوير بنية تحتية وهو إنفاق لا يضيف إلي الناتج العام. ويضيف صلاح هيكل رئيس النقابة العامة للعاملين بالصناعات الهندسية أن حصيلة مصر من بيع القطاع العام هو تشريد العمال عن طريق المعاش المبكر وسداد ديون الشركات المباعة والآن أصبحت توجد شركات متعثرة ايضا مثل الحديد والصلب والالومنيوم فهل الدولة علي استعداد لتطوير هذه الشركات أم السير علي نفس السياسات فمصر خسرت المليارات بسبب الخصخصة وزادت نسبة البطالة في مصر ويشير إلي أن أهم الأخطاء التي نتجت عن تنفيذ برنامج الخصخصة هي الثغرات التي احتوتها عقود البيع والتي اتاحت للمستثمرين النيل من حقوق العمال وبيع أراضي الشركات ومعداتها مطالباً الحكومة بضرورة إعادة النظر في صياغة العقود المبرمة حتي يمكن تلافي أخطاء الفترة السابقة.