** حظي تعيين المستشار عادل عبدالحميد وزيرا للعدل بتوافق جموع القضاة وبارتياح شعبي لما يملكه الرجل من تاريخ مهني مشهود. حيث كان رئيسا سابقا لمحكمة النقض والمجلس الأعلي للقضاء. ووزيرا للعدل في حكومة د.الجنزوري إبان ثورة يناير. * الارتياح والقبول لم يولدا من فراغ. ويكفي أن نعرف أن القضاء لم تمسسه شائبة. ولا انتهاك لسيادته وقت تولي المستشار عبدالحميد لوزارة العدل. علي عكس ما حدث في عهد الوزيرين السابقين مكي وسليمان أثناء حكم الإخوان. إذ حوصرت المحاكم وعُطلت أحكام القضاء. وطعن الرئيس المعزول في ذمة أحد رجالاته علي الملأ دون أن يتمعر وجه الوزيرين غضبا ولا غيرة علي انتهاك قدسية القضاء وحرمته. بل قبل كل منهما الاستمرار في منصبه بما يعني ضمنا القبول والتسليم بما يجري. وجاءت استقالة مكي متأخرة رغم ما أصاب القضاة في عهده من تدخل سافر في شئونهم وافتئات وتغول غير مسبوق من جانب السلطة التنفيذية عليهم وحصار فج للمحكمة الدستورية وإصدار إعلان دستوري أدي لتقسيم البلاد والعباد.. ولا أدري كيف يُحسب الوزيران السابقان علي تيار الاستقلال .. وأي شيء سيكتبه التاريخ عنهما وقد لاذا بالصمت ممالأة للسلطة ونزولا علي إرادتها..؟! * أمام الوزير الجديد تحديات ومهام فارقة يعرفها جيدا. وقد صرح هو نفسه بأنه سيعمل علي إصلاح منظومة العدالة. وسوف يدعم استقلال القضاء بتعديل قانون السلطة القضائية بعد توافق القضاة عليه. وأنه يملك بالفعل مشروعا متكاملا يتمثل في مشروع قانون للسلطة القضائية أعده عندما كان وزيرا للعدل. يضمن نقل تبعية التفتيش القضائي لمجلس القضاء الأعلي بدلا من وزارة العدل لضمان عدم هيمنة أو تدخل السلطة التنفيذية في أعمال القضاء.. وهو الأمر ذاته الذي طالبت به لجنة شباب القضاة والنيابة. كما طلبت إعادة النظر في اختيار المساعدين ورؤساء المحاكم الابتدائية. وتشكيل إدارة أبنية المحاكم. وإبعاد أهل الثقة. والاعتماد فقط علي الكفاءات وغيرها من المطالب المشروعة التي تصب في صالح جموع المتقاضين والشعب قبل القضاة أنفسهم. وظني أن الوزير عادل عبدالحميد بما عرف عنه من انحياز للعدالة واستقلالها لن يتواني عن اتخاذ كل ما من شأنه علاج الخلل وتحصين القضاء. واتخاذ قرارات عاجلة بإجراء تغييرات سريعة علي بعض مساعديه المنتمين أو المحسوبين علي تيار سياسي بعينه. ناهيك عن ضرورة إصدار قانون جديد للسلطة القضائية.. وإلي أن يحدث ذلك فثمة ضرورة لأن يبادر الوزير - وهو قادر وراغب في ذلك - بإصدار قرار بنقل صلاحياته بشأن التفتيش القضائي وجهاز الكسب غير المشروع. وتعيين رؤساء المحاكم الابتدائية لمجلس القضاء الأعلي ليقدم بذلك نموذجا يُحتذي في ضرورة الفصل التام بين السلطات. وإنزال القضاء منزلته المستحقة. واستعادة الوجه المضيء للعدالة الذي حاول النظام السابق تشويهه وتكبيله وتطويعه لخدمة أغراضه ومقاصده. ناسيا أن القضاء تحكمه تقاليد عريقة ومباديء أخلاقية و قانونية رصينة. ولا سلطان عليه إلا لضميره. 1⁄4 لا يخفي علي أحد أن ألف باء الديمقراطية هو استقلال القضاء وسيادة القانون. وأن القضاء النزيه المستقل هو ميزان العدل وقبلة الضعفاء وناصر المظلومين.. إليه يلجأون. وبه يستغيثون.. وأولي مهام الوزير الجديد استخلاص هذا الوجه. وإعادة هذا الرونق الحضاري لقضائنا الذي دلت التجارب كلها أنه محل للثقة والفخر. وضمير نابض بالإنصاف والحق وصمام أمان للمجتمع والدولة. وقائد للتغيير الحقيقي. وعمود الخيمة. ورأس الحربة ضد المعتدين الظالمين أيا ما تكن مناصبهم.. فكم تصدي قضاتنا الأجلاء علي مدي عصور سابقة لموجات عاتية ومذابح دامية دبرتها الأنظمة السياسية ضدهم لكن إرادة الله شاءت أن ينهزم الطغاة وينتصر القضاة.. فالحق أحق أن يتبع. * القضاة دائما في طليعة القوي الثورية. وكم رأيناهم ينزلون بأوشحتهم إلي الشارع رافضين استبداد الحاكم وجبروته وفساده ليقولوا كلمة حق في وجه سلطان جائر. وقد آن الأوان لكي ينالوا استقلالهم. ووضع حد لتغول السلطة التنفيذية في شئونهم لتتحقق مقومات الدولة الديمقراطية بالفصل التام بين سلطاتها.. فتلك أهم ضمانات العدالة والنزاهة ودولة القانون والديمقراطية.. فقضاة الأمة هم ضميرها النابض بالحرية. وعيناها الساهرتان علي العدالة.. ومن دون ذلك يصبح الحديث عن استقلال القضاء ودولة القانون لغوا وعبثا لا طائل منه.. نحن في انتظار مبادرات الوزير القاضي وأحسب أن انتظارنا لن يطول ..!! متي نعيد كتابة ثورة يوليو..؟! * لم تكن ثورة يوليو التي احتفلنا أمس الأول بذكراها الواحدة والستين حدثا عابرا.ولا مجرد ثورة قام بها الجيش وأيدها الشعب.. بل كانت نقطة تحول فارقة تجاوزت في تأثيرها كل الحدود.. وأحسب أن ما نجهله عنها أكبر بكثير مما نعرفه.. والسبب في ذلك أن التعتيم كان سمة بارزة لكل أحداث تلك الثورة.. وظلت صفحات كثيرة منها مجهولة. وحين كتب تاريخها لم يكتب بمداد من التجرد والموضوعية والحياد ولكنه كتب بتوجيه من السلطة ..وبقيت أسئلة عديدة بلا إجابة حقيقية.. لماذا - مثلا - لم تتحقق الديمقراطية.. وما حقيقة الصراع والأدوار التي قام بها أعضاء مجلس قيادة الثورة.. إلي أن نصل للسؤال الأهم وهو متي تجد الأجيال الجديدة تقييميا موضوعيا لمثل هذا الحدث الجلل.. وهل آن الأوان لتجد تلك الثورة مكانها اللائق في ميزان التاريخ. لتخرج من دائرة الاستقطاب الحاد الذي وضعها بين طرفي النقيض. فإما مديح فج يبلغ حد النفاق. وإما انتقاد وتطاول يبلغ حد التشويه والتجريح.. ومتي تصاغ حقائقها كاملة بلا أكاذيب ولا تزييف.. متي يتم إنصاف ثورة يوليو وتوضع حسناتها ومنجزاتها الكثيرة موضعها الصحيح خصوصا في السنوات العشر الأولي لقيامها بلا تهويل ولا تهوين؟! * صحيح أن ثورة يوليو لم تكن منزهة عن الهوي والخطايا بل فيها الصالح والطالح. وقد شابتها صراعات محمومة. وتفرقت برفاقها السبل. ونازعتهم المصالح وأغواهم النفوذ.. لكنها رغم ذلك كله حققت للشعب ما لم يكن يحلم به ولا خطر علي قلبه.. فهل كان ممكنا أن يتملك بدونها الفلاحون البسطاء أرضا أو يجدوا لأولادهم تعليما يرفعهم لمراتب النبوغ ومصاف العالمية..؟! * ثمة أسئلة عديدة لم يجب عنها المؤرخون إجابة شافية مثل: هل كانت ثورة يوليو مجرد محاولة للتغيير أم كانت فكرا متكاملا لثورة عظيمة.. ما الأسباب الحقيقية للصراعات التي اشتعلت بين أعضاء مجلس قيادتها.. هل كانت سعا للاستحواذ علي السلطة أم كانت خلافا حول كيفية إنجاح التغيير المطلوب أم هي الظروف التي فرضت مثل هذه الصراعات؟! * النقد الهادف أمر مقبول ومطلوب.. لكن المدهش حقا أن ينقلب علي ثورة يوليو المبشرون بها. المادحون لقائدها رغم أنهم لم يكونوا أعداء ولا خصوما جردتهم الثورة من مزاياهم أو امتيازاتهم. بل بالعكس هم ينحدرون من أصول اجتماعية كادحة استفادت من الثورة ورغم ذلك يهيلون عليها التراب. ويكيلون لها الاتهامات. متجاهلين ما منحتهم من فرص حقيقية في التعليم والترقي الاجتماعي والرعاية الصحية.. وكان الأولي بهم أن يصححوا ما اعوج من مسارها بالنصح الصادق وليس نفاقها بالمدح وتزيين سوء الأعمال لقادتها حتي رأوه حسنا ثم الانقلاب عليها. وإهالة التراب عليها.. لكنها آفة بعض كتابنا ومؤرخينا!! * أما لماذا أكلت ثورة يوليو أبناءها ابتداء بمحمد نجيب الذي لم ينل حقه الواجب من الإنصاف. بتسليط الضوء علي دوره الحقيقي في نجاح الثورة. مرورا بالبغدادي والشافعي وخالد محيي الدين ويوسف صديق وحسن إبراهيم وكمال حسين وزكريا محيي الدين وانتهاء بعبدالحكيم عامر الذي تمثل وفاته لغزا حقيقيا لم يكشف النقاب كاملا عنه..!! وإذا كانت ثورة يوليو - كما يري البعض - أكلت أبناءها. فإن الأبناء أيضا أكلوا ثورتهم بما أقدموا عليه من نزاعات وخلافات بددت وحدتهم. الأمر الذي يحتاج لإعادة تقييم واستجلاء من مؤرخين لا يخشون في الحق لومة لائم في عصر أبرز سماته حرية التعبير والرأي والكلمة والحق في المعرفة.. ليجيبوا عن أسئلة مهمة في تاريخنا: هل كانت حركة 23يوليو انقلابا عسكريا أم ثورة حقيقية.. وهل حققت مبادئها الستة التي قامت لأجلها أم استمرأ قادتها مقاعد السلطة ولم يسندوها لأهلها من السياسيين كما وعدوا.. أم كان بقاؤهم فيها ضرورة حتمتها الظروف.. وما حقيقة ما قيل عن الاعتقالات والتعذيب والفساد..؟! من حق الأجيال الجديدة أن تعرف تاريخها الحقيقي الذي يكتبه مؤرخون منصفون وليس مؤرخو السلطة.. فهل آن الأوان لإعادة كتابة تاريخ ثورة يوليو..؟!