ارتفعت نسبة الإدمان في مصر إلي 7% لتتخطي بذلك المعدلات العالمية التي تبلغ 5% لتصبح مكافحة المخدرات مسألة متعلقة مباشرة بالأمن القومي تتطلب خطة عاجلة تشمل جميع الجهات السيادية والوزارية في الدولة للتصدي لها. ويمكن الاسترشاد بتجارب الدول الناجحة في هذا الصدد خاصة التجربة الايرانية التي تعتبرها الأممالمتحدة من أنجح التجارب العالمية وأعدت مجلة فورين أفيرز الصادرة عن مجلس العلاقات الأمريكية تقريراً حول الدروس المستفادة منها. ويشير التقرير إلي نجاح جهود إيران في محاربة الادمان ومكافحة الاتجار في المخدرات تقوم علي عاملين أساسيين هما الوقاية والعلاج. ولفتت المجلة الأمريكية النظر إلي أن إيران أنفقت معظم القرن العشرين في مكافحة المخدرات عن طريق وقف التهريب وحرق المحاصيل من المواد المخدرة "كما تفعل مصر مع زراعات البانجو في الجبال" لكن فترة السبعينيات كانت دليلا علي فشل هذه الطريقة في تحقيق أهدافها وتبنت السلطات سياسات تقوم علي الوقاية والعلاج وكانت النتائج الأولية واعدة. ومع قيام الثورة الايرانية عام 1979 تبني النظام الجديد اجراءات رادعة في معاقبة المهربين والمتعاطين للمخدرات ليس فقط باعتباره أمرا ضارا بالصحة العامة ولكنها تعاملت علي أساس أنه عمل غير أخلاقي منافي للدين وشددت علي تطبيق القانون بصرامة. وتضمنت العقوبات الغرامة والسجن والجلد بالنسبة للمدمنين لكنها تعاملت مع تجار المخدرات علي أنهم يحاربون الله في الأرض وطبقت عليهم أحكام الاعدام. وفي نهاية الثمانينيات أقامت الحكومة معسكرات اعتقال أرسلت إليها آلافاً من المدمنين من المفترض أن يمتنعوا فيها عن المخدرات لتتخلص أجسادهم من المواد المخدرة فضلا عن القيام بأعمال قسرية بهدف التكفير عن ذنوبهم. تزامنت هذه الاجراءات الوحشية ضد تجار المخدرات والمدمنين مع عمليات عنيفة لمنع تدفق مخدر الأفيون عبر الحدود الأفغانية حيث تنتشر زراعته في أفغانستان حيث كان 50% من انتاجها يتم تهريبه الي ايران بخلاف الهيروين والمورفين. وفي فترة التسعينيات نشرت الدولة 260 كيلو مترا من النقاط الدفاعية حيث تم بناء سدود من الخرسانة بين الممرات الجبلية وسواتر ترابية مضادة للشاحنات وتم حفر خنادق وزرع ألغام وبناء حصون وأبراج فوق الجبال للمراقبة وهو ما تكلف في ذلك الوقت حوالي 80 مليون دولار بخلاف العمليات العسكرية والأمنية لمكافحة تهريب المخدرات التي شارك فيها نحو 100 ألف فرد من قوات الشرطة والجيش. لكن هذه الاجراءات لم تؤد الي نتائج ملموسة حيث زاد إنتاج الأفغان من الأفيون وارتفعت معدلات التهريب كما زادت معدلات الادمان حيث تحولت مراكز اعتقال المدمنين الي مقر رئيسي لتبادل الخبرات والمخدرات خاصة مع تسرب المخدرات إليها والاستعمال المشترك للحقن وهو ما أدي لانتشار الأمراض الخطيرة خصوصا "الايدز" مرض نقص المناعة المكتسبة. وأدت هذه النتائج المؤسفة إلي تغير كامل في استراتيجية المكافحة فبدلا من التركيز علي معاقبة المدمنين ووقف تهريب المخدرات تم فتح مراكز علاج صحية في العاصمة طهران وفي محافظات أخري للحد من آثارها الضارة والطلب عليها وفي عام 2002 تم تخصيص 50% من موازنة مكافحة المخدرات الي أغراض الوقاية والعلاج عبر حملات للصحة العامة استهدفت التعليم والاعلام. وفتحت الحكومة الباب أمام منظمات المجتمع المدني لاطلاق برامج خاصة لمكافحة الادمان عبر أنشطة الوقاية والعلاج بصورها المختلفة. كما وفرت الحكومة بشكل غير مباشر الحقن النظيفة في السجون لضمان عدم استخدام المسجونين للابر الملوثة بمرض الايدز وفيروس سي الكبدي وقامت مراكز العلاج الطبي بتوفير الافيون في صورة حبوب لمنع تناوله عبر الحقن الملوثة بهدف تحول المدمنين الي متعاطين تحت العلاج.