1⁄4 رغم كثرة ما لدينا من أحزاب وتيارات سياسية وائتلافات ومبادرات وجبهات للإنقاذ وللضمير الوطني. وما تعج به الساحة من وسائل إعلام موالية ومعارضة. يُوحي صخبها وما تطرحه من أفكار وما يجري فيها من مناظرات وحوارات بأن ثمة حراكاً سياسياً يتصاعد غباره إلي عنان السماء. وتتناثر شظاياه علي الرءوس.. فإننا في حقيقة الأمر إزاء سباق إلي الخلف. ومبارزة سياسية يصر أطرافها علي مواقفهم ولا أقول عنادهم وهو ما يجعل تجاوز الأزمة الراهنة صعباً إن لم يكن مستحيلاً إذا ما ظلوا علي حالهم.. فكيف نبني السلم الأهلي وسط تدافع العنف والعنف المضاد؟! 1⁄4 لا شك أننا أمام مشهد سياسي مرتبك ومخادع ومضلل. أريقت فيه دماء. وتقطعت فيه سبل التواصل والحوار والتفاهم بين رفاق الثورة الأولي. وتوارت فيه المصالح العليا للوطن. وتجلت المصالح الذاتية والفئوية في صدارة المشهد. حتي كأن ثورة لم تقم. ولم تقدم لنا دروساً وعبراً كان تدبرها كافياً للخروج مما نحن فيه بتوافق أكبر دون تنابذ أو تناحر وانقسام. كنا نتمني بعد عامين من تنحي الرئيس السابق أن نجد مشهداً معبراً بصدق عن أهداف ومبادئ ثورة يناير. ينال فيه الجميع مكانته المستحقة في تحضر ورقي وإنكار للذات.. لكن ما نراه اليوم للأسف وطن في حالة استقطاب تام بين معسكرين يدعي كل منهما أنه علي الحق المبين. وأنه يملك الحقيقة المطلقة. ومن ثم تشتعل المعارك وتتأزم المشاكل ويفقد المجتمع أمنه واستقراره وهو ما ظهر جليا فيما نشرته إحدي الصحف مؤخراً في استطلاع أجرته علي عينة قوامها 34ألف شخص أبدي 73% منها أنهم قلقون علي المستقبل بسبب الأحداث الحالية.. وربما يكون ذلك وراء خروج استطلاع آخر أجراه مركز ¢بصيرة¢ أظهر تراجعاً في رضا المواطنين عن أداء الرئاسة بنحو 10نقاط ليقف عند حدود 53% بعد أن كان 63% نهاية ديسمبر الماضي.. وبصرف النظر عن مدي صحة تلك الأرقام أو تطابقها مع الواقع فإن ما يجري مجرد قشرة علي سطح مجتمع يمور بتفاعلات يلفها السكون ويدثرها الصمت وتغذيها عوامل تدفع في طريق الانفجار.. فالسواد الأعظم من هذه الشعب لا يعنيه ما يحدث علي سطح السفينة من صراع النخب وتنافسها علي السلطة بقدر ما يهمه ويؤلمه تلك المعاناة التي يلقاها في إشباع حاجاته الضرورية الضرورية بسبب الغلاء الفاحش الناجم عن تداعيات ما يجري علي الساحة السياسية من عنف وصدام وسباق نحو الهاوية. وهو ما هوي بقيمة العملة الوطنية وخفض تصنيف مصر الائتماني دولياً..!! 1⁄4 ولا أبعد عن الحقيقة إذا قلت إن حركة الشارع تسبق دائما حركة الحكومة والمعارضة والنخب جميعاً. وأنه لا قدرة لأحد علي السيطرة عليها إن حانت لحظة الانفجار وهبت ثورة الجوع الطائشة. التي لاحت بعض نذرها في أفق المظاهرات القريبة والتي رصدتها ¢الجمهورية¢ في صدر صفحتها الأولي مطلع هذا الأسبوع.. فإذا دققنا النظر في طبيعة الجماهير الغاضبة التي خرجت في ميادين مصر الجمعة الماضية نجدها خليطا بين شباب مخلص خرج لاستكمال أهداف ثورته والقصاص لشهدائها. وآخرين من المهمشين الغلابة الذين أخرجهم الجوع وهم الفئة الأخطر التي تتسع رقعتها يوماً بعد الآخر وهم مثل كرة ثلج تكبر كلما تدحرجت. وهو ما ينبغي أن يدق ناقوس خطر للحكم والمعارضة علي السواء لسرعة علاجه قبل أن يلتهم الأخضر واليابس. * إن حركة هؤلاء المطحونين هي من تداعيات الأزمة السياسية ومن تجليات الأزمة الاقتصادية. وهي حركة يصعب السيطرة عليها لأن قائدها هو الجوع. والبطون إذا جاعت فلا تنتظر منها رشداً ولا عقلاً ولا ضميراً. فهي لا تلتفت لصراع النخبة والأحزاب السياسية بكافة ألوانها ولا وعود السلطة ومسكناتها بل تتجاوز كل ذلك في سبيل الإشباع والدفاع عن الوجود. 1⁄4 إن معاناة الطبقة الكادحة التي يسحقها الغلاء والبطالة والأزمات المتتالية هي أهم ما يجب النظر إليه في جوانب الصورة الراهنة. بحسبانها مرآة كاشفة لما تعانيه النخبة من انعزال عن القواعد الشعبية وما تعانية أجهزة الحكومة من ضعف الأداء وغياب للرؤية وتأخر في القرار.. ولعل الآفة المشتركة بين الحكومة والمعارضة هي غياب الحلول الخلاقة والبدائل العلمية حتي أن سؤلاً مهماً لا يجد إجابته لدي الطرفين: ماذا بعد الوصول للسلطة.. ماذا أعددوا لها..؟! وأين يقع المهمشون في سلم الأولويات.. وكيف نتحول من مجتمع مستهلك لكل شئ إلي مجتمع منتج لأي شئ؟! 1⁄4 لقد كانت الأحزاب السياسية قبل ثورة يناير تشكو حصار النظام لها وتضييقه عليها. وخنقه لنشاطاتها بين الجماهير وتكبيل حركتها في الشارع. وإلزامها بالمقار والصحف.. فاستمرأت هذا المبرر. ووجدت فيه راحة من عناء الالتحام بالناس ومشكلاتهم. واكتفت بالفرجة وظلت تراوح مكانها دون رغبة أو قدرة علي التأثير في الجماهير التي ظلت تنتظر من يأخد بيدها طويلاً. ويعبر عن آلامها وآمالها ويرفع صوتها لدي أولي الأمر وأصحاب القرار دون جدوي.. وإذا كان ذلك جائزاً في زمن مضي فما عذر الأحزاب اليوم بعد ثورة كسرت حواجز الخوف وحطمت قيود الاستبداد وأطلقت صرخة مدوية للحرية والكرامة ولم يعد بوسع الحكومة أن تمنع أحداً من النزول إلي الجماهير أو الأخذ بيدها نحو حل مشكلاتها.. وإذا كانت الأحزاب علي كثرتها فقدت ثقة المواطن فلماذا تتلكأ الحكومة عن تلبية مطالب المطحونين الذين لا يكفون عن إرسال رسائل تثبت عجز الأحزاب والتيارات السياسية كافة عن دفع الحكومة للتجاوب مع مطالبهم باعتبار أن ذلك مسئوليتها الأولي. 1⁄4 بوسع أي جماعة أو حزب أو ائتلاف أن يدعي أنه يتحدث باسم السواد الأعظم من الشعب. وأن يتسابق لاستقطاب الكتل المهمشة الصامتة وضمها إليه بشعارات ووعود لم تعد تنطلي علي أحد.. لكن المؤكد أن ثمة وعياً شعبيا أخذ يسري بين الناس. ويتسع مداه يوماً بعد الآخر. وكلما تأخرت الحلول والتوافقات اتسعت الفجوة بين القواعد الشعبية والنخب السياسية جميعاً. وصار التأثير فيها حرثا في البحر. فلا الرشاوي الانتخابية ولا الوعود البراقة يمكنها أن تجذب التأييد والدعم الشعبي. بل تتحقق المصلحة بالإنجاز ووضوح الرؤية والصدق. والقدرة علي انتشال الفئات المحرومة من وهدة الفقر وبراثن الجوع والمرض والجهل والقلق علي المستقبل..؟! ينبغي للجميع أن يتوقف ليسأل نفسه: لماذا تراجع إقبال الناس علي المشاركة السياسية ممثلة في التصويت في الانتخابات والاستفتاءات.. وهل يمكن لأحد في ظل هذا التراجع أن يدعي أنه يتحدث باسم الجماهير؟! 1⁄4 لقد وقعت الأغلبية من المهمشين والفقراء بين نارين. عجز الأحزاب عن تقديم نفسها بشكل كافي ومؤثر. وتعالي النخبة الغارقة في السجالات والعناد السياسي والخلاف الأيديولوجي. وتقاعس حكومة عن أداء أوجب مهامها وهي تلبية حاجات المواطن والاستجابة لمطالبه.. وهو ما أقام سداً عالياً من الإحباط وفقدان المصداقية بين أطراف العملية السياسية من ناحية والجماهير من ناحية أخري.. فالثورة رفعت سقف الطموح والمطالب. وقد دفع الشهداء الثمن غالياً لكن الثمار تأخر جنيها. بسبب غياب التوافق وظهور الصراع والتناحر وانعدام الرؤية والشفافية والافتقاد لبرنامج علمي يطرح حلولاً واقعية لمشكلات مزمنة كثيرة. في صدارتها التعليم والصحة والإسكان والبطالة وتدني الأجور وارتفاع الأسعار من خلال برنامج عمل يتم تنفيذه خلال الدورة الرئاسية الحالية ويأتي بعده كما هو الحال في دول العالم المتقدم الحساب والمراجعة. فمن أحسن عملاً فسوف يبقي ومن أساء فسوف يرحل. 1⁄4 لاشك أن عودة السلبية للمواطن وإحجام عن المشاركة السياسية يرجع لإحساسه بعدم الشفافية وانحياز الأجهزة الحكومية لمرشحي النظام أي نظام فاستقلال مؤسسات الدولة عن نظامها السياسي أيا ما تكن هويته ثقافة لا تزال غائبة في مصر.. لكن الأهم هو عزلة معظم المرشحين وافتقادهم القدرة علي الالتحام بالجماهير فلا نجد مثلا شخصية مؤثرة مثل أردوغان رئيس وزراء تركيا الذي صعد سياسيا بجهد هائل رفع تركيا لمصاف الدول العشر الأولي اقتصادياً في العالم ولم نجد شخصية وطنية جامعة قادرة علي التوفيق بين الأضداد كما نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا.. أما نحن فمازلنا حديثي عهد بالديمقراطية والإدارة الرشيدة. ومازلنا مصرين علي التعلم بالتجربة والخطأ والإصرار علي اختراع العجلة وليس تسييرها!! 1⁄4 الإنجاز وحده القادر علي كسب التأييد والشعبية. والحلول السياسية هي وحدها القادرة علي جسر الفجوة بين التيارات السياسية بعضها والإنتاج والنهضة.. أما الحلول الأمنية فهي تزيد المشهد تعقيداً والشارع انقساماً والعنف اشتعالاً.. الشباب في حاجة إلي فرصة حقيقية لدمجه في السياسة وإخراجه من سخطه وإحباطاته وعزلته التي فرضت عليه في ظل صراع أخرجه من المعادلة رغم أنه طرف فاعل فيها وجرفه إلي العنف لإحساسه بأنه ينطبق عليه قول نابليون بونابرت: ¢ هناك نوعان من الرجال. أحدهما يصنع الثورة والآخر يستفيد منها ¢.. فمتي نلتفت إلي هتاف الصامتين وأنات الجوعي قبل أن تنفجرثورتهم في وجوهنا ونندم ولات ينفع الندم..؟!