مع تزايد نداءات وقف إطلاق النار من جميع انحاء العالم أفقدت حالة الرعب التي سادت مدن الجنوب جيش إسرائيل شهيته لاجتياح غزة براً ولم يعد أمام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بديل عن قبول شروط الهدنة وإعلان وقف اطلاق النار في الوقت الذي لم تطلق حماس الصواريخ فحسب بل كان انصارها من باقي الفصائل الفلسطينية قادرين علي زرع القنابل في أتوبيس النقل العام الإسرائيلي بأحد أكثر أحياء تل أبيب حيوية مما زاد الضغوط لدرجة لم يعد المواطن الإسرائيلي قادراً علي تحملها حيث شهدت الأيام الثمانية إغلاق المدارس والمحال التجارية ومغادرة سكان مدن الجنوب باتجاه الشمال بعد ان أمطرت المقاومة مدن مثل النقب وعسقلان وأسلول بوابل من الصواريخ تخطي عددها 1400 صاروخ. ولاشك أن الفرحة العارمة التي شهدها القطاع كانت أبرز نتائج الإعلان عن وقف إطلاق النار حيث خرج أهالي غزة رافعين العلمين الفلسطيني والمصري ابتهاجاً بتوقف الطائرات والسفن الحربية الإسرائيلية عن قصف بيوتهم.. معتبرين إرغامهم إسرائيل علي وقف اطلاق النار انتصاراً كبيراً وتلي ذلك عدد من النتائج كان أبرزها: 1 - حماس لم تعد الفصيل الفلسطيني المحاصر داخل القطاع والمعزول دولياً بل أصبح من الصعب تجاهلها. حيث حققت حماس خلال تلك الحرب انتصاراً سياسياً تمثل في حجم الدعم الذي شكلته زيارات قادة المنطقة التي بدأها رئيس الوزراء المصري هشام قنديل وتلاه وزراء الخارجية العرب. كما اثبتت صمودها في وجه القصف الإسرائيلي وتماسك مواطنيها مدي قوتها وقدرتها العالية علي الرد والتفاوض في آن واحد. 2 - أثبت وصول أكثر من 70 صاروخا قلب المدن الإسرائيلية ضعف نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المسمي بالقبة الحديدية رغم ملايين الدولارات التي انفقت لمنع صواريخ حماس من ضرب أهدافهاواتضح انه العكس من ذلك فإن حماس هي الأخري تطور صواريخها لتصبح أبعد مدي وأقوي تأثيراً. 3 - أصبح الطريق ممهداً لإنجاز مصالحة وطنية حقيقية فخلال الغارات الجوية علي غزة شهدت الضفة الغربية مظاهرات رشق خلالها أهالي الضفة جنود الاحتلال بالحجارة وفجرت كتائب شهداء الأقصي أتوبيس النقل العام بتل أبيب.. وأصبحت المصالحة ضرورة يفرضها الشعب وليست توقيعات لقادة الفصائل علي الورق.. ورفع أهالي غزة أثناء فرحتهم بوقف إطلاق النار أعلام كل الفصائل الفلسطينية. 4 - محورية الدور المصري في الوساطة والتوصل إلي نتائج قابلة للتنفيذ فحماس وإسرائيل لا تجمعهما طاولة مفاوضات واحدة. وكلاهما لا يثق بالآخر ومن ثم جاءت إلي القاهرة كل الاطراف الدولية الراغبة في الهدنة بداية من الأمين العام للأمم المتحدة ومسئولي الاتحاد الأوروبي ووزراء الخارجية العرب ورئيس الوزراء التركي وأمير قطر ووزيرة الخارجية الأمريكية طالبين جميعاً الوساطة المصرية.. وجاء دور مصر الثورة جريئا ومتوازناً وأعلن وزير الخارجية المصري ونظيرته الأمريكية الهدنة من القاهرة كما قال خالد مشعل بالحرف الواحد انه لولا شهداء ثورة 25 يناير لما تمكنا من التصول لهذا الاتفاق. وكما طلبت كل الاطراف تدخل مصر أعقب الاتفاق علي وقف إطلاق النار توجيه الشكر من الجميع وعلي رأسهم الرئيس الأمريكي لما بذلته القيادة المصرية من جهد للتوصل للاتفاق. 5 - أظهرت حرب الأيام الثمانية مدي صلابة التزام الولاياتالمتحدة بأمن إسرائيل والذي وصفته هيلاري كلينتون بأنه "قوي كالصخر" فلم تهرول الولاياتالمتحدة لوقف إطلاق النار حرصاً علي وقف نزيف الدم الفلسطيني بل حفاظاً علي أمن إسرائيل.. ورغم حصول إسرائيل علي 3 مليارات دولار دعماً من أمريكا عام 2012 انفقت منها 70 مليون دولار علي القبة الحديدية إلا أنها لم تكف وبات لزاماً علي الكونجرس إرسال المزيد من الدولارات إلي تل أبيب لتطوير نظام دفاعها الصاروخي ليتمكن من التصدي لصواريخ حماس! 6 - مع المفاوضات والزيارات تم فك الحصار شيئاً فشيئاً ثم جاء النص في اتفاق وقف اطلاق النار علي فتح المعابر بين القطاع وإسرائيل من جهة وغزة ومصر من جهة أخري وهو ما يعني أن الأمل في فتح أكبر سجن في العالم بات وشيكاً بعد تمسك حماس بفرض شروطها لوقف إطلاق النار علي إسرائيل. الصورة المؤسفة التي جعلت الرأي العام المصري غاضباً من قيادته عام 2009 نظراً للتخاذل عن دعم غزة تغيرت كثيراً ليضع القادة جميعا الرأي العام المصري نصب أعينهم في أعقاب ثورة 25 يناير خاصة في أمريكا وإسرائيل وفي الوقت الذي تحافظ فيه الولاياتالمتحدة علي حقوق إسرائيل. حافظت مصر علي الحق الفلسطيني بقوة وجرأة وبندية سياسية واضحة لكن تطبيق الهدنة يواجهه تحديات رئيسية أولها مدي قدرة حماس علي السيطرة علي جميع الفصائل الفلسطينية ومنع انتهاك وقف إطلاق النار من الجانب الفلسطيني. وثانيها صدق الرغبة الإسرائيلية في رفع الحصار وفتح المعابر. وبدون هذين الشرطين يصبح من السهل اختراق وقف اطلاق النار كما حدث بين إسرائيل وحماس مراراً وتكراراً.