ولدت الفنانة عقيلة راتب في 22 مارس 1916 بحي الجمالية بالقاهرة لأسرة ميسورة الحال فوالدها هو محمد شاكر رئيس قسم الترجمة بوزارة الخارجية والذي كان يحلم أن تكمل ابنته مسيرته وتلتحق بالسلك الدبلوماسي إلا أنها حطمت أحلامه على صخرة الفن. ففي منتصف العشرينيات من القرن الماضي وهي في عامها الأول بالمرحلة الابتدائية بمدرسة التوفيقية القبطية حضرت "كاملة محمد شاكر" المعروفة فنياً باسم "عقيلة راتب" الحفل الختامي للمدرسة وانبهرت بزملائها وهم يؤدون على المسرح، وقررت في عامها الثاني بالمدرسة الالتحاق بفرقة التمثيل ولكن الإدارة اشترطت عليها موافقة ولي الأمر، وعندما أخبرت والدها برغبتها تلك كان نصيبها علقة ساخنة لم تنسها طوال حياتها. وعلى الرغم من ذلك ظلت عقيلة تتابع زملاءها في البروفات حتى حفظت أدوارهم عن ظهر قلب حتى جاءتها الفرصة عندما حدث ظرف طارئ لبطلة العرض وعرضت عقيلة القيام بدورها وكان لها ما تمنت، وأدت دورها بنجاح لافت. إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، حيث كان من بين الحاضرين للعرض ابن عمها الذي أخبر والدها بما شاهده وتمت معاقبتها أشد العقاب إلا أن ذلك لم يردعها عن هدفها خاصة أنها أصبحت نجمة المدرسة. ويبدو أن طريق عقيلة الفني كان ممهداً نحو المجد والشهرة على الرغم من الأشواك والصعاب التي كانت تواجهها، فقد كان هناك في ذلك الوقت شخص ما ظل يراقبها عن بعد حتى بلغت المرحلة الثانوية هو الفنان المسرحي "زكي عكاشة" صاحب إحدى الفرق الشعبية آنذاك وعرض عليها الانضمام لفرقته المسرحية وعندما سألت والدها عن إمكانية ذلك كاد أن يقتلها، فتركت المنزل وذهبت للعيش مع عمتها التي آمنت بموهبتها وشجعتها على الالتحاق بالفرقة دون علم أسرتها وتدربت عقيلة على بروفات أوبريت "هدي" في منزل عمتها. وواجهت عقيلة مشكلة الاسم الفني فاختارت اسم صديقتها المقربة "عقيلة" وربطته باسم شقيقها "راتب" الذي توفي وهو رضيع وأصبح اسمها عقيلة راتب. وكانت تلك المسرحية بداية الانطلاق لموهبتها في الغناء والتمثيل وهي في سن ال14، وعلى الرغم من النجاح الساحق في أول ظهور لها على المسرح إلا أنها لم تفرح كثيراً حيث أصيب والدها بالشلل بمجرد معرفته أنها تمثل. وذاع صيتها في مسارح عماد الدين وروض الفرج وانتقلت للعمل بفرقة "علي الكسار" لإنقاذ الفرقة من حالة الركود التي أصابتها وقدمت بها مسرحية غنائية بعنوان "ملكة الغابة" لتنضم بذلك لنجوم كبار في الفرقة مثل بلبل مصر "حامد مرسي" الذي انبهر بجمالها وموهبتها فقرر أن يتزوجها وأنجبت منه ابنتها الوحيدة "أميمة"، وكانت هذه هي الزيجة الأولى والأخيرة للفنانة عقيلة راتب وهي في سن 19 عاماً. وكونت مع حامد مرسي دويتو غنائياً ضمن فرقة "علي الكسار" لمدة سبع سنوات من خلال ألحان زكريا أحمد ثم قامت بالاشتراك مع زوجها بتكوين فرقة مسرحية وظلت معه نحو 25 عاماً حتى انتهي زواجهما بالطلاق، وانتقلت إلى فرقة أنصار التمثيل. وفي منتصف الثلاثينيات بدأت علاقة عقيلة بالسينما وهي المحطة الثانية في تاريخها الفني لتحقيق الشهرة التي تحلم بها كمطربة تنافس مطربات جيلها حينذاك وهو ما تحقق لها في بداية الأمر في فيلم "اليد السوداء" عام 1936 فكانت تمثل وتغني في أفلامها التي قدمت فيها دور البطولة المطلقة أمام عد كبير من الفنانين الذين منحت بعضهم الفرصة للظهور بالسينما كأبطال، فقد أقنعت المخرج كمال سليم بمنح أنور وجدي دور البطولة في فيلم "قضية اليوم" عام 1943، وكان المخرجون وقتها يسندون له أدوار الشر فقط، وعادت لتقدم معه فيلم "أرض النيل" عام 1946، وفيلم "طلاق سعاد هانم" عام 1948 كما قدمت مع عماد حمدي فيلم "السوق السوداء" عام 1945. وكانت عقيلة راتب أول من أشركت نجوم الرياضة في التمثيل مثل بطل الملاكمة البورسعيدي "عرفة السيد" الذي لعب دور البطولة أمامها في فيلم "الجولة الأخيرة" عام 1947 وبعدها توالي دخول نجوم الرياضة إلى السينما. ومع تقدم العمر بعقيلة راتب بدأت تنحسر عنها أدوار البطولة وخاصة مع ظهور وجوه جديدة من نجمات السينما آنذاك مثل ليلى فوزي، وفاتن حمامة، وشادية، فمنحتها السينما الدور الثاني كزوجة أو أم. ونجحت عقيلة فى أواخر الخمسينيات وهي في عمر ال43 عاماً تقريباً في لعب دور الأم الحنونة طيبة القلب ببراعة فائقة، وكان أول فيلم مثلت فيه هذه الشخصية هو فيلم "أيام وليالى" مع عبد الحليم حافظ. وفي عام 1987 بدأت معاناة الفنانة عقيلة راتب مع المرض إذ أصيبت بارتفاع في ضغط العين أثناء تصوير فيلمها الأخير "المنحوس" وأجرت عملية جراحية تسببت في فقدان بصرها، لتستكمل تصوير الفيلم وهي مريضة، واعتزلت بعدها الفن لمدة 12 عاماً عاشت خلالها وحيدة مع ابنتها حتى وافتها المنية في 22 فبراير 1999 عن عمر يناهز ال 83 عاماً. تركت الفنانة عقيلة راتب كنزاً تاريخياً من الأعمال الفنية فقد قدمت للمسرح نحو 200 مسرحية من أبرزها: مطرب العواطف، وحلمك يا شيخ علام، الزوجة آخر من تعلم، خلف البنات، الزوجة في القاهرة 30، وهدى، وملكة الغابة. وقد تعاملت عقيلة راتب مع التليفزيون في بداية إرساله من خلال مسلسلها الشهير "عادات وتقاليد" بشخصية حفيظة هانم" في 338 حلقة عام 1960 ومسلسل القاهرة والناس عام 1972. وأثرت السينما المصرية بنحو 60 فيلماً من أشهرها: "قضية اليوم" عام 1943 الذي قدمت فيه دور محامية تنشغل بعملها وهو أول فيلم بالسينما المصرية يناقش قضية حق المرأة في العمل، وفيلم اليد السوداء، وقلب المرأة، والفرسان الثلاثة، ومحطة الأنس، وغروب، ولا تطفئ الشمس، وعائلة زيزي، والقاهرة 30، والحب وحده لا يكفي. حصلت عقيلة راتب على العديد من الجوائز منها: شهادة تقدير من الملك فاروق، كما كرمها الرئيس جمال عبد الناصر في عيد العلم عام 1963، وحصلت على جائزة أحسن ممثلة عام 1963 عن دورها في فيلم "لا تطفئ الشمس" وجائزة الدولة في المسرح عام 1963 عن دورها في مسرحية "حلمك يا شيخ علام" ووسام الدولة سنة 1978 من الرئيس الراحل أنور السادات. كما حصلت على جائزة الجدارة من وزارة الثقافة، ودرع المسرح عام 1992. كذلك جائزة الريادة من جمعية الفيلم، وميدالية طلعت حرب بمناسبة مرور نصف قرن على صناعة السينما، وأخيراً جائزة من الرئيس الأسبق مبارك عام 1998 قبل وفاتها.