حياتنا قصيرة قصيرة وواحدة وكم تكون حلوة لو أنها تعاش لكننا نموت مرتين لأننا نعيش أشقياء هذه كلمات نجيب سرور عن حياته، التى يحلو للبعض أن يصورها على أنها حياة شاعر صعلوك سكير مجنون لا يجيد غير الكتابة الإباحية فالجميع إلا قليل لا يعرف نجيب سرور إلا من خلال قصيدة " ال...ميات" التى كتبها فى مستشفى الأمراض العقلية بعد ما تدهورت حالته الصحية جراء التعذيب البدنى الذى كان يعترض له. ولكن حياة نجيب سرور أشبه بصرخة يائسة من روح عجزت عن مواجهة الواقع...والعجز عن مواجهة الواقع يصيب الانسان بأقسى أمراض العالم ألما وعذابا وفتكا...إنه القهر الذى يقود فى النهاية الى الجنون...فعندما يحدث الصدام بين الواقع والفنان النبيل المتمسك بفنه ومشاعره الرقيقة وأحاسيسه المرهفة تكون النتيجة مأساة نجيب سرور. فهذا ليس لعلة فى نفس نجيب سرور ولكن لأن هناك دائما شعرة رقيقة بين الفن والجنون... دائرة مغلقة تجمع العبقرية والجنون، الفيلسوف العظيم نيتشه قد جن بشكل كامل في أخر 11 عاما من حياته... وهولدرلين الذي يعد واحدا من أهم الشعراء في تاريخ الانسانية أمضى نصف عمره تقريباً في بحر الجنون. فنجيب سرور الذى عانى القهر منذ كان صغيرا عندما رأى أباه وأمه يضربان بالحذاء من عمدة قريته وقد جسد هذه الواقعة فى قصيدته " الحذاء" فمنذ نعومة أظافره هو يدرك أن من يملك يمارس قهرا وظلما على من يملك كما فعل العمدة مع أبيه وأمه. ولعل ذلك كان سببا فى ميل نجيب الى الافكار الشيوعية التى كانت سببا فى نفيه، فعندما ابتعثت الحكومة المصرية نجيب سرور الى روسيا 1959 لدارسة المسرح أفصح عن هذه الافكار فألغت الحكومة المصرية بعثته بعد ثلاثة أشهر بعد التقارير السرية الى كان يكتبها زملاؤه وترسل الى جهاز مخابرات صلاح نصر وهو ما أصاب شاعرنا بصدمة كبيرة أدت الى إصابته بالاكتئاب. ولكنه لم ييأس وخطاب الحكومة الروسية التى توافقت على تحمل تكاليف دراسته وظل منفيا خارج مصر حتى عاد إليها عام 1964 بعدما قام الكاتب الكبير الراحل رجاء النقاش بحملة صحفية على صفحات الجمهورية مطالبا بعودته...وبعودته حدث توهج فنى رائع للمسرح المصرى بكتابات نجيب سرور " ياسين بهية" و " يا بهية وخبرنى". الى أن كتب مسرحية "الذباب الازرق" عن أحداث الصراع الدامى بين الجيش الاردنى واللاجئين الفلسطينيين والمعروف بأحداث "أيلول الأسود ". وهنا تدخلت السلطات الاردنية وطلبت بمنع عرض المسرحية فتم طرده من عمله كأستاذ فى معهد الفنون المسرحية ومحاصرته ومنعه من النشر وإيداعه مستشفى الامراض العقلية اتهامه بالجنون. للأسف الشديد فإن القهر والظلم لم يتركا نجيب سرور حتى بعد وفاته بما تتعرض له اعماله من اغتيال أدبي فبالرغم من أنه شاعر وناقد أدبى ومؤلف ومخرج وممثل مسرحى وأستاذ للمسرح إلا أنه لا ينال من التقدير ما يناله أرباع الموهوبين والمثقفين فى زمن العهر الثقافى فعندما تذكر الاسم نجيب سرور تجد من يقول " بتاع ال ...الاميات ". أنا لست أحسب بين فرسان الزمان إن عد فرسان الزمان لكن قلبى كان دوماً قلب فارس كره المنافق والجبان مقدار ما عشق الحقيقة. نجيب سرور