اعتاد أبي وأنا صغير أن يصطحبني معه وبشكل شبه يومي إلى محل تجاري تعود ملكيته إلى أحد المسيحيين ليجلسا معا ويتبادلا أطراف الحديث في كل ما يتعلق بحاضر مصر أو مستقبلها الذي لم يكن يعلم الاثنان أنه سيشهد يوما يقول فيه المسلم للمسيحي "لا تتعد حدودك"، فيرد عليه الأخير بأنه صاحب الأرض! لم تكن العلاقة بيننا وبين جيراننا المسيحيين شاذة بل كان ذلك هو السائد وهو الوضع الطبيعي بين أفراد المجتمع الذي لم يكن قد انفصل بعد. أذكر جيدا عندما أرسلني والدي إلى بيت صديقه المسيحي - مالك المحل - لأحضر شيئا وفي أثناء جلوسي في البيت سمعت صوت الأذان في التلفاز والجميع كانوا حاضرين فلم يتحرك منهم أحد لإغلاق التلفاز ولم أشاهد في أعينهم شيئا مما أراه حاليا فالجميع كانوا أقرباء. الفتنة الطائفية جديدة على مجتمعنا والعابثون معروفون غير أن الأمر لا يعود فقط إلى أياد تعبث بمستقبل هذا البلد فنحن دائما لدينا شعور وإيمان مطلق بنظرية المؤامرة. لماذا لا نواجه أنفسنا؟ لماذا لا نعترف أن هناك احتقانا فعليا وأن هناك مطالب للأقباط وأن المسلمين في مصر لم يعودوا مسلمين؟ أخي المسلم هل ترحم أخاك المسلم؟ هل تراعي الله في حدوده هل تذكر خطبة الوداع للرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) عندما حذرك أن المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، هل تعتقد أنك أهل للتقوى وإذا لم تكن رحيما بابن دينك فكيف سترحم أبناء الأديان الأخرى؟ يقول البعض إننا نكره اليهود وإنه يجب علينا أن نسير في طريق آخر بعيدا عن ذلك الذي يسيرون فيه..لماذا؟ لمجرد أنهم يهود أم لأن لدى "بعضهم" مخططات صهيونية واستيطانية تغذيها أفكار متطرفة. الدين لا يصنع الكراهية والدليل أننا لم ننقسم كمسلمين ومسيحيين في أي وقت مضى..الكراهية جاءت من أنفسنا ومن أطماعنا في الأرض..فهل تعتقد أن تقسيم الأرض قد يكون حلا؟ هل تذكر أدولف هتلر وأحلامه الاستيطانية بدعوى أن الجنس الآري هو الذي يستحق البقاء على سطح هذا الكوكب؟ هل تعتقد أن الأرض لم تعد تسعنا جميعا وضاقت بنا بما رحبت؟ هل تظن أخي المسلم والمسيحي أن شمال مصر سيكون أكثر أمنا إذا ما كان مسلما، وجنوبه سيكون بمنأى عن الحروب إذا ما صار مسيحيا خالصا؟ وإذا ما قال المسيحي نعم فلماذا رحب أجدادك بأجدادي عندما دخلوا هذه الأرض ليخلصوهم من جبروت الرومان وطغيانهم؟ وإذا ما ظن أخي المسلم أنه سيكون حرا في أرضه بعيدا عن مطالب المسيحيين حال التقسيم فهل تشعر اليوم بالحرية - بعيدا عن الدين - لتتغنى بها غداً؟ هل تعتقد أن المسيحي يمنعك من ممارسة عقيدتك؟ هل المختلف عن دينك يستحق القتل؟ لماذا لا نصارح أنفسنا؟ أنا مسلم وفي عقيدتي يعتبر المسيحي كافرا...وعلى الجانب الآخر، يعتقد المسيحي بأنني كافر واليهود يعتبروننا نحن (المسلمين والمسيحيين) كافرين..لماذا نهرب من تلك الحقيقة ولماذا تكون هي الدافع وراء الكراهية؟ من حق المسيحي أن يعتبرني كافرا لأنني أخالف تعاليم دينه التي يؤمن بها..وإذا لم يعتبرني كذلك فسيكون هو كافر في عيون نفسه وفي أنظار المحيطين به من أتباعه. المسألة لا تتعلق بالكفر والإيمان وإلا لما كان هناك استقرار وحياة على هذه الأرض فمن غير المقبول أن أحارب الجميع ليدينوا بديانتي..علما بأن الإسلام لم يحارب أحداً ولم ينتشر بحد السيف وإنما حاول نشر دعوته سلما وهذا جائز..كما أن المسيحيين يقودون حملات تبشيرية كبيرة في العالم أجمع ولكنها تفتقر إلى عنصر الأخلاق. من حقك أن تدعو لنشر دينك ولكن ليس لك الحق في أن تستغل حاجة الناس إلى المال لتحيدهم عن الطريق الذي ساروا فيه بإرادتهم. وعلى الجانب الآخر، أنا لا أرى مبرراً لتلك الضجة الكبيرة التي صاحبت أزمة كاميليا شحاتة أو غيرها فمن حق الجميع أن ينتهج الدين الذي يراه قويما..وإذا ما كانت أسلمت بالفعل وتم اعتقالها في إحدى الكنائس فهي لم تستجر بالمسلمين لإنقاذها من براثن الأعداء فما أدراني أن ما سمعته صحيح؟..لطفا أيها الناس فالقصة ليست بطولية. أيها الشاب المصري البعيد عن أخلاق الدين الإسلامي الحنيف هل توهمت نفسك ذات يوم صلاح الدين الأيوبي؟ وهل فعل الأخير مثلك عندما دخل بيت المقدس منتصرا في مشهد لن ينساه التاريخ؟ وهل لو قدر الله لك أن تدخل بيت المقدس ستحرق الكنائس وتعتدي على المسيحيين؟ ألا تذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفض الصلاة في كنيسة القدس حتى لا يقوم التابعون بتحويلها إلى مسجد؟ أليس ذلك اعترافا بحريتهم في ممارسة العقيدة؟ بالرغم من أننا لسنا في حاجة لضرب أمثلة أو الاستشهاد بالتاريخ لمنح الإنسان حرية العبادة والعقيدة. هل تعتقد أن البطولة هي الصوت العالي وأن تفرض رأيك على الآخرين؟ على الجانب الآخر، هل تعتقد أخي المسيحي أنك أسأت عندما قلت لي إنني ضيف في وطنك وأنك صاحب الأرض؟ هل تظن أنك قدمت عملا بطوليا عندما تهكمت على النبي محمد في مسرحية هزلية؟ هل قرأت سيرة محمد؟ هل تعلم أنه سار في الطائف ودمه يسيل بعدما ألقى عليه الأطفال الحجارة فواساه مسيحي؟ أخي المسيحي.. أين تقطن؟ في عمارة سكنية؟ هل بها مسلمون أم أن كل سكانها مسيحيون؟ تخيل معي أن مسلما متطرفا جاء ليحرق بيتك لأنك مسيحي فهل سيقول له جارك المسلم أحرقه إنه كافر أم سيهب ليدافع عن نفسه وأهله وأنت معهم؟ الاحتقان بات شائكا في كل مكان.. الإسكندرية، القاهرة، الجيزة ،المنيا، سوهاج، أسيوط وقنا.. وفي كل بقعة في أرضنا التي تعاني الكثير ولا تجد وقتا لإقناع الجهلاء بأنهم أصبحوا متأخرين وأنهم يوما تربعوا على القمة بالعلم والأخلاق والفكر فباعوا كل ذلك فتكالبت عليهم الأمم.