منذ مولدي في عام 1981, حدثني أبي رحمة الله عليه عن انجازات الزعيم الخالد جمال عبد الناصر وعن ذلك الكيان المصري الذي تحول من "الانغلاق" السياسي إلى "الانفتاح" الرأسمالي حتى أصبح كل ما فيه سلعة قابلة للبيع والشراء أو ربما "التوريث" بداية من العمل والعلم والشرف وانتهاء بالأرض والعرض. ومنذ أيام, أخبرني شاهد عيان كان متواجدا في مقهى الإنترنت, الذي شهد حادث قتيل الإسكندرية خالد سعيد, أن حقيقة الأمر تتلخص في أن الشاب السكندري كان بصحبة صديق له وشهرته "قطة" وكان بحوزتهما لفافة من مخدر "البودرة" وعند دخول اثنين من رجال الشرطة, الأمين محمود صلاح والرقيب عوض إسماعيل, هرول خالد خارج المقهى وعندما لحق به المخبران قام بابتلاع اللفافة, التي لا تؤدي إلى الاختناق, ثم تمكن رجال الشرطة من إلقاء القبض عليه وقاما باصطحابه إلى العقار المجاور للمقهى وضربه "تحت أنظار الجميع" حتى فاضت روحه فقام الشرطيان بحمله في سيارة الشرطة "البوكس" ثم عادا به بصحبة ضابط المباحث وألقوه أمام منزله. لم كل هذه الثورة بعد مقتل الشاب السكندري؟ ليست هذه هي الحالة الأولى التي تثبت بالدليل القاطع أن "الشرطة لم تعد في خدمة الشعب" وإنما لقهره وإذلاله وتمثيل دور "الشبح المخيف" لتكون الوجه المرعب للنظام الحاكم أملا في الاحتفاظ بالسلطة إلى ما شاء الله. شهد قسم سيدي جابر, قسم الشرطة التابع له المخبران اللذان قاما بقتل خالد سعيد, حادثتين مشابهتين في وقت سابق تؤكدان منهجية التعذيب وأنه ليس وليد الصدفة. وكان مركز "ضحايا" لحقوق الإنسان قد عقد مؤتمره الصحفي السادس والذي تطرق إلى ضحايا انتهاكات ضباط شرطة بقسم سيدي جابر, وتم عرض الحادثتين الآتي ذكرهما. الحادثة الأولى: تعذيب معاق ذهنيا يدعى رجائى محمد منير "47عاما" بشكل مروع من قبل العقيد أكرم أحمد سليمان, رئيس قسم تراخيص الأسلحة بمديرية أمن الإسكندرية, ما أدى إلى تعرض المواطن السكندري إلى كسر في الجمجمة وإصابته بعاهة مستديمة. وترجع أحداث الواقعة عندما كان المواطن المذكور يسير بمنطقة عمارات ضباط القوات المسلحة بمصطفى كامل ثم قامت قوة من مباحث قسم رعاية الأحداث بمديرية أمن الإسكندرية باعتراضه وتوقيفه واحتجازه بمديرية الأمن. وعند عرضه على العقيد السالف ذكره, تعرض المجني عليه للاعتداء بالضرب والسب وقام الضابط بضرب المعاق ذهنيا بعصا غليظة على رأسه وكتفه وصدره ثم تناوب على ضربه مع أحد المخبرين, الأمر الذي أفقده الوعي إلى أن تم نقله إلى المستشفى وأجريت له جراحه عاجلة لإزالة تجمع دموي بالمخ, وبعدها تم نقله بواسطة شقيقه إلى غرفة العناية المركزة في حالة حرجة بعد إصابته بنزيف دماغي وارتجاج وتورم بالمخ وتجمع دموي بالفص الأمامي الجانبي من المخ، وكسر بعظمة اليد اليسرى بالقرب من مفصل الكتف، وكسر بأحد الضلوع الصدرية من الجهة اليمنى مع وجود كدمات متفرقة بالجسم والوجه وعدم القدرة على تحريك الساق اليسرى من تأثير التجمع الدموي بالجمجمة نتيجة الاعتداء عليه وضربه على رأسه. الحادثة الثانية: تعذيب مواطن سكندري يدعى خليل إبراهيم خليل (62عاما) في ليلة 27 رمضان عندما فوجئ بقوة من الشرطة, تحت قيادة ضابط القسم أحمد عثمان وأحمد المنيسي معاون المباحث, تهاجم بيته ومن ثم تم إلقاء زجاجة حارقة عليه ما أدى إلى اشتعال النار في جسده وإصابته بأضرار بالغة لا يزال يعاني منها حتى الآن. وترجع أحداث الواقعة إلى محمد خليل, ابن الضحية المذكور, الذي كان يعمل سائق سيارة أجرة "ميكروباص" وذات يوم توجه الضابط المنيسي إلى المقهى الذي كان يتردد عليه الشاب السكندري وقام باصطحابه إلى قسم الشرطة والاستيلاء على سيارته, فقام شقيق محمد ويدعى شعبان بالتوجه إلى القسم أملا في إنقاذ أخيه من براثن الشرطة فما كان منهم إلا تهديده ومحاولة القبض عليه ما أجبره على الهروب والاختفاء. وظل ضابط القسم يبحث عن شعبان لفترة ومن ثم قرر التوجه إلى منزله بصحبة عدد من المخبرين والمسجلين الخطرين المعروفين لدى أهالي المنطقة وأغلقوا الشارع بأكمله شاهرين سيوفا وشوما وقطع مواسير حديدية وزجاجات حارقة وعندما حاول الأب السؤال عن السبب, قاموا بإحراقه أمام أنظار زوجته وأبنائه ومن ثم تدمير مسكنه بأكمله. ويروي أحد شهود العيان أن أحد المخبرين أشهر سكينا وقام بوضعه على رقبة ضحية التعذيب, بعد حرقه, قائلا لضابط القسم: "أدبح" في إشارة إلى مدى الاستخفاف بأرواح المواطنين. إذن..لماذا اهتز الرأي العام لحادث مقتل خالد سعيد؟ هل الإجابة هي أن مصر والعالم شاهدوا صورتين للضحية إحداهما قبل الحادث والأخرى بعده. أم أن المسألة تندرج تحت ضغط إعلامي كبير أثار حفيظة المواطنين وأجج مشاعرهم في الوقت الذي يجد فيه الموطن المصري نفسه ذليلاً في الداخل, فإذا ما أطل إلى الخارج "شاهد صورا لجنود إسرائيليين يحرقون الأخضر واليابس" ويقصفون غزة من السماء فإذا ما هب الغرب واتجه لنصرة هذا الشعب "العربي" عبر إرسال قافلة من المؤن تحمل اسم "أسطول الحرية" تمت محاصرته في عرض البحر. أو ربما تكون الإجابة أكثر ألما إذا ما كان الباكي على خالد سعيد هو ذلك الشخص الذي يقتل ويسرق ويحتكر البضائع ويزني في الأسواق ثم يرفع يديه إلى السماء ويهمس بشفتيه "حسبي الله ونعم الوكيل". من قتل خالد سعيد؟ مخبران قد يكونان لا يعلمان متى قامت حرب "أكتوبر 1973" مثل ذلك المجند بالأمن المركزي الذي شاهد الملايين على شبكة الإنترنت..ولكن ماذا دفع هذين الشرطيين لقتله؟ هل شعورهما بأنهما يمثلان الشرطة أو الحكومة المصرية؟ - وهل يحق للحكومة أن تفعل ما يحلو لها دون حساب؟ - وهل أصبح 80 مليون مصري في قبضة مليونين؟ لقد شهد تاريخ مصر بأكمله أحداثا مشابهة, إلا أنها أنجبت أعمالا كبيرة وهامة لا زلنا نراها أو ننتفع بها في وقتنا الحاضر. -لقد شيد أجدادنا الأهرامات بالسخرة وقتل منهم الآلاف لا لشيء إلا لمصلحة الملك الذي "يؤمن بالبعث" ودفعه إيمانه إلى إذلال شعبه ليبنوا له مقبرة تليق به. وجئنا نحن بعد آلاف السنين لنمجد الملك ونتغنى بقدراته وذكائه وعلمه وقوته وتاريخه وحضارته ونسينا البناة الحقيقيين من الشعب. -لقد حفر المصريون قناة السويس بالسخرة وبعد عشرات السنين عبرت السفن العسكرية الأمريكية فوق مياهها "التي امتزجت بدماء أجدادنا" لتقصف إخواننا في العراق. هل عرفت الإجابة؟ - وإذا كنت قد نسيت السؤال أو ربما تناسيته فسأذكرك به..من قتل خالد سعيد؟ قاتل الشاب السكندري هو ذاته من قتل أجدادنا الذين شيدوا الأهرامات وحفروا قناة السويس ورثاهم البعض في فيلم سينمائي أو في كتاب هامشي لا يجد من يقرأه. أنا وأنت هم الجناة الحقيقيون..لقد تجاهلنا حقوق الآخرين فأنسانا الله أنفسنا ثم حلمنا بالحق والعدل والفضيلة والقومية العربية بعد أن ضاقت بنا الأرض بما رحبت..فما كان منا سوى الصمت أمام أنفسنا وأمام الآخرين حتى ماتت ضمائرنا. صباحاً..ننهر بعضنا - ومساءً نبكي فلسطين صباحاً نذبح بدرنا - ومساءً ننشد حطين تذكر دائما أن الجاني هو أنا وأنت, تذكر ذلك جيدا..من أجلك أنت. الزعيم الخالد جمال عبد الناصر: سنحارب حتى آخر قطرة في دمائنا "1956" الرئيس السادات: لن يذل هذا الشعب "1973" الرئيس مبارك: لا مساس بكرامة المصريين "2009" 2010: مقتل شاب سكندري ادعى أن له حقوقا مصرية