صحيح أن مرور الولد والبنت ببعض التجارب والعلاقات قبل أن يُوفّقا للحب الحقيقي في النهاية، ليس عيبًا، ولا هو شرّ كله، فهو بلا شك يزيد من رصيد "الوعي العاطفي" لكليهما، إلا أنه في نفس الوقت يسحب من نصيب قلبيهما من "اللياقة العاطفية"، التي أصبحتْ بالفعل في أدنى مستوياتها لدينا! نتيجة لقصص الحب المُعلّبة التي نراها في الأفلام، وأكلاشيهات العبارات العاطفية التي نسمعها في الأغاني والكليبات، ونتيجة لحالة الكسل التي أصبح عليها الجميع وعدم الرغبة في تغيير الجلسة والأكلة والصُحبة المفضلة، ناهيك عن الظروف الاقتصادية التي لا تشجّع أصلا على القيام بأي خطوة للأمام!! واللياقة العاطفية تعني: القدرة على الإحساس بالحب عندما تراه، والقدرة على التمتع بكلمة "أحبك" وسحرها اللانهائي، تعني الارتعاش عند اختلاس لمسة من يد المحبوب، والسرحان والذوبان في نشوة عارمة عند رؤية النيل والقمر والورد بصحبته. اللياقة العاطفية تعني تذكّر مناسباتكما المهمة بقلب مُنشرح، وامتلاك العصا السحرية التي نغفر بها لمن نحب، ونتفهم أخطاءه، ونمنحه المزيد من الفُرص، وتعني أيضا "اليقين" أنه هو بالذات من كنا نبحث عنه من زمن، ولا يمكن أن نرى لحياتنا رفيقاً سواه، ليس لأنه الأغنى أو الأجمل أو الأكثر قوة وشبابا، ولكن لأنه "هو" فحسب! لكن مع كل تجربة لم يُقدر لها النجاح، وكل علاقة تركت في قلوبنا جروحًا لم تندمل، وكل قصةٍ كتب لها القدر نهاية غير التي كنا نتوقعها ونتمناها، تنزف لياقتنا العاطفية وتقلّ، وكأن القلب مثل القلم الحبر، الذي كلما كتبتَ به، قلّ مخزونُه من الحبر، وصولا للجفاف التام، ذات لحظة، مهما كانت أهمية الكلمة التي تود كتابتها به! وكما تحوّل الزواج في نظر البنت إلى كابوس مرعب، أصبح الولد أيضا ينظر إليه من نفس الزاوية، فهو -غير ظروفه الاقتصادية الصعبة- خائفٌ للغاية من ألا يجد تجاوبًا عاطفيا حقيقيًا ممن يحب، نظرًا ل"خبراتها" السابقة، وعلاقاتها التي ربما تكون أكثر من علاقاته، والتي لاشك ستكون قد استنفدت كل طاقتها على الحب! وأصبح فستان الزفاف الأبيض مبقعا، وبدلة الزفاف السوداء مرقعة، وكلاهما في قفص الاتهام، وفي حاجة لدفاع مستميت من كل الأطراف، لإعادة الاعتبار والأهمية والقيمة لهما من جديد! والمطلوب -من الولد والبنت على حد سواء- ليس الانجراف وراء أي تجربة عاطفية تلوح لهما، والادعاء أنه حتى لو لم يوفقا فيها، فسوف تكفيهما منها الخبرة، وإنما التأني، وإعادة التفكير أكثر من مرة، وعدم الاغترار بقوة القلب وشبابه وقدرته على امتصاص الصدمات، وصولا لتخيّر التجارب التي تستحق أن نمر بها فعلا. وفي نفس الوقت، ينبغي علينا الاستمرار في تغذية القلب عاطفيًا، بكل ما من شأنه أن يُرققه ويحفظ عليه حياته ودرجة حرارته وقدرته على الانفعال بالجمال، وليس أقدر على تحقيق هذا، من قراءة قصيدة عذبة، أو مشاهدة فيلم راق، أو السهر مع أغنية عاطفية حقيقية، أو غسل العينين والروح بالمناظر الطبيعية التي لا يوجد أكثر منها في مصر. وأهم شيء: ألا نفقد الأمل في القدرة على الوصول للحب الحقيقي ذات يوم، وألا نتصور أنه وهم أو خيال شعراء، متخذين من ذلك مبررًا لكل ما نفعل، وألا نُقدّم أي تنازلات أملا في إغواء "كيوبيد" بزيارة قلوبنا، وكتابة أسمائنا في كشف الدُفعة القادمة من المتخرجين من مدرسته، وإنما نترك كل شيء بين يدي الله سبحانه وتعالى، الذي قدّر كل شيء، ووّقت كل شيء، واختار لنا - ونحن في عالم الذرّ- رفيق الدرب الذي سوف نكمل معه مشوار الحياة.