كان فى استطاعة الرئيس البطل محمد مرسى أن يحتفظ برئاسة مصر، ويظل فى سدة الحكم ويتمسك بمنصبه لدورتين كاملتين –على الأقل– ينعم فيهما بأكل "البغاشة" وما لذ وطاب من الطعام والشراب والمنتجعات والرحلات طوال حياته، لو قال كلمة واحدة: "نعم". ولكن هيهات هيهات، إنها سنة الصالحين الطيبين، فمن قبل رفض أن يقول "نعم" وأن يتنازل عن الشرف والطهارة والعفة الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف الصديق، وقال للقوم الفاسقين الذين راودوه لارتكاب الفاحشة والتمتع بالعيش فى قصور أولياء الأمور: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾. وعلى خطى ذلك الكريم سار الذين تربوا فى جماعة المصلحين "الإخوان المسلمين" عدة عقود، وعلى رأسهم الرئيس البطل محمد مرسى، إذ قال بإباء وشمم وعزة نفس منقطعة النظير: "لا" فى وجه المندوبة الأمريكية السامية السفيرة آن باترسون وهى تحاول مراودته عن التخلى عن منصب رئيس الوزراء لبرادعيهم الذى صنعوه على أعينهم، وعينوه رئيسا لوكالة الطاقة الذرية فأدى لهم خدمات جليلة كان أبرزها ذبح دولة العراق الشقيقة. وكرر الرئيس البطل قوله: "لا" فى وجوه العملاء الخونة وهم يشهرون السلاح فى وجهه المتوضئ، ورفض رفضا قاطعا أن يشارك فى مؤامرتهم الدنيئة على حرية وكرامة شعب مصر –كما فعل غيره من آكلى الجيف- وقال قولته المشهورة المأثورة: "ليعلم أبناؤنا أن آباءهم وأجدادهم كانوا رجالاً، لا يقبلون الضيم ولا ينزلون أبدا على رأى الفسدة ولا يعطون الدنية أبدا من وطنهم أو شرعيتهم أو دينهم". ولحق بالرئيس البطل مرسى رفاق دربه الأبطال، فرئيس مجلس الشعب المصرى البطل الدكتور محمد سعد الكتاتنى رئيس حزب الحرية والعدالة لم يخضع لابتزاز الجنزورى والمجلس العسكرى، وتهديده بأن حكم حل مجلس الشعب فى الدرج، ثم إنه أبى أن يجيب الانقلابيين الخونة إلى ما دعوه إليه فى مؤامرة 3 يوليو وأن يكمل الصورة، وفضل سكنى الزنازين الخانقة فى سجون الانقلابيين على ركوب السيارة بى إم دبليو. ورفض الإخوان المسلمون –وعلى رأسهم مرشدهم البطل الدكتور محمد بديع- العروض المغرية المتتابعة التى دعتهم إلى تشكيل الحكومة، ورفض شرفاؤهم عروض الاستوزار التى أطلقها رأس الأفعى الرقطاء للوزراء النشيطين كباسم عودة وأسامة ياسين وغيرهما، وفضلوا عليها السجن بل ما هو أبعد منه حيث فقدوا فلذات أكبادهم وإخوانهم وأخواتهم ضاربين أروع الأمثلة فى الشجاعة والنبل والتضحية وحب الدين الوطن. رفض هؤلاء الرجال الأبطال أن يقولوا: "نعم"، فهى ليست مجرد كلمة، وكأنهم قد تمثلوا الأبيات الرائعة لعبد الرحمن الشرقاوى فى مسرحيته الشعرية "الحسين ثائرا" التى يقول فيها: الوليد: نحن لا نطلب إلا كلمة فلتقلها ما أيسرها إن هى إلا كلمة ابن مروان: -بغلظة- فقل الكلمة واذهب عنا الحسين: أتعرف ما معنى الكلمة مفتاح الجنة فى كلمة دخول النار على كلمة وقضاء الله هو الكلمة الكلمة لو تعرف حرمة.. زاد مذخور الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشرى الكلمة فرقان بين نبى وبَغِىّ بالكلمة تنكشف الغمة الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة عيسى ما كان سوى كلمة أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين فساروا يهدون العالم الكلمة زلزلت الظالم الكلمة حصن الحرية إن الكلمة مسئولية إن الرجل هو الكلمة شرف الله هو الكلمة لقد رفض هؤلاء الأحرار الشرفاء الأباة قول "نعم"، وتحملوا فى سبيل الله من الأهوال ما تنوء بحمله الجبال، وتساموا على كل المغريات التى يسيل لها لعاب الكثيرين، وثبتوا على مبادئ الحق والعدل. وفى الجهة المقابلة، وعلى النقيض من هؤلاء الكرام، نجد الانتهازيين الأفاقين أصحاب القلوب المريضة المليئة بالبغضاء والغل والحقد والحسد، والذين صنعتهم أجهزة المخابرات وأمن الدولة على أعينها؛ يوجهون الطعنات الغادرة تلو الطعنات فى ظهر الأحرار المجاهدين لتحرير الأوطان ونصرة شرع الله تعالى. لطالما طاردوا دعاة الحق فى المساجد واغتصبوا منابرهم بزعم أنهم أشد حرصا وأكثر تمسكا بالدين منهم، وأصدروا الفتاوى العجيبة الغريبة ثم رجعوا عن أكثرها فيما بعد. وكادوا ينجحون فى إجهاض ثورة الشعب المصرى البطل فى 25 يناير، وذلك حين حرموا الخروج على الحاكم المجرم، ثم استماتوا فى دعوة الناس لعدم الخروج لرفع الظلم والمطالبة بحريتهم وكرامتهم. وكادت مؤامرتهم ومقابلتهم وتحالفهم مع مرشح الثورة المضادة قبيل إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة تنجح لولا أن ثبت الله المؤمنين ورد كيد الماكرين، ثم فضح الغادرين على رءوس الأشهاد. وقد افتضح أمر كبيرهم مرة أخرى حيث اعترف –بالصوت والصورة فى فيديو بثته قناة الجزيرة- بأنهم قد شاركوا فى التخطيط للانقلاب من الوهلة الأولى لانتخاب أول رئيس حر لمصر الحرة بعد ثورة الشعب فى 25 يناير، ثم أكملوا الصورة ليلة الانقلاب الغاشم ليدلسوا على الناس أن للعسكر الغادر شعبية فى المجتمع. وكانوا أسودا على الرجل الصالح الرئيس مرسى بل كانوا رأس الحربة فى الهجوم عليه حين اتهموه زورا بأخونة 13 ألف وظيفة فى الدولة، فلما طالبهم بالأسماء لم يذكروا إلا عشرات القياديين بعضهم منتخب أو معين من قبل أن يتولى الرئاسة، ثم رأيناهم حملانا وديعة لا يجرءون على فتح فمهم بكلمة واحدة على الرغم من الصفعات المتوالية التى وجهت لهم من الانقلابيين وأزلامهم. ثم رأيناهم يسارعون لقول "نعمين" لما يسمى بدستور الانقلابيين بدلا من "نعم" واحدة ويبررون ذلك بقول كبير لهم: "إن سبب التصويت على الدستور ب"نعم"، هو النظر إلى المآلات والبدائل، وأحيانًا لا يكون أكل الميتة للمضطر مباحا، بل واجبًا، إذا غلب على ظنه الهلاك إذا لم يأكل". قال تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ (المائدة:52). وإذا قارنا بين الأبطال الذين رفضوا قول: "نعم" للانقلاب الباطل، وبين من قالوا: "نعم" لدستوره الباطل، نجد أن أولئك الرافضين قد استحقوا احترام العدو قبل الصديق، أما أصحاب "نعمين" فقد استحقوا احتقار الناس أجمعين. وأخيرا، وبعدما رأينا الثابتين على الحق الرافضين لأكل "البغاشة" بكلمة "نعم"، ورأينا الذين هانت عليهم أنفسهم فاستحقوا أكل الميتة والجيفة بقولهم: "نعم"، نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الحق، وأذكر نفسى وأذكركم بالإكثار من دعاء الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم–: "اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبى على دينك".